الأحد 2023/11/26

آخر تحديث: 12:59 (بيروت)

أهالي الجنوب والعودة "الحذرة": فرحة الهدنة محاصرة بشبح الحرب

الأحد 2023/11/26
أهالي الجنوب والعودة "الحذرة": فرحة الهدنة محاصرة بشبح الحرب
تهديدات إسرائيلية باستمرار الحرب بصورة أعنف بعد الهدنة (Getty)
increase حجم الخط decrease

عادت زحمة السير إلى مدخل صيدا الشمالي خلال عطلة نهاية الأسبوع، بالتزامن مع بدء سريان هدنة الأيام الأربعة، التي تترافق مع الإفراج عن رهائن محتجزين في قطاع غزة، مقابل أسرى في السجون الإسرائيلية. هو مشهد افتقده أهالي الجنوب على مدى أسابيع، منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول، وما لحقها من حرب عاشتها المناطق الجنوبية، ولا سيما الحدودية منها.

عبّر الجنوبيون عن فرحتهم بالعودة إلى مناطقهم، خصوصاً هؤلاء الذين اضطروا للنزوح إلى مناطق بعيدة كالعاصمة بيروت لأكثر من شهر. يستفيد العائدون إلى مناطقهم من كل دقيقة، يتفقدون منازلهم وأراضيهم، ويزورون الأقارب والأحباء، كأنهم غابوا لسنوات. على مواقع التواصل الاجتماعي، غزت المنشورات ومقاطع الفيديو من الجنوب مختلف المنصات، وكان أبرزها قطف الزيتون. إذ سارع الأهالي للحاق بما تبقّى من الموسم الزراعي الصعب هذا العام.

العودة "الحذرة".. لا اطمئنان
هي العودة الفرحة الممزوجة بالحذر، لبضعة أيام لا أكثر. الجميع في حال ترقّب لما ستؤول إليه التطورات بعد أيام الهدنة. خلال جولة "المدن" على أهالي مختلف المناطق الحدودية، لا سيرة على الألسنة سوى صعوبة الفترة الأخيرة. في حولا مثلاً، لم تتمكن فئة كبيرة من الأهالي من مغادرة البلدة كأصحاب الماشية مثلاً، وواجهوا تحديات أساسية، علاوة على القصف وتعديات الاحتلال، تمثّلت بانقطاع مواد غذائية أساسية وتحديداً الخبز. يعود السبب في ذلك إلى استحالة وصول التجّار والباعة، ما دفع الأهالي لاستهلاك المونة الشتوية في وقت تكفلت نساء البلدة تحضير الخبز.

يستفيد الأهالي من العودة لبضعة أيام، للبحث معاً عن حلول للفئات الأكثر تضرراً من الحرب القائمة. يقول محمد رزق، وهو مزارع من حولا، أن "عدداً كبيراً من السكان فقدوا أي مصدر دخل في الفترة الماضية، خصوصاً العاملين في الزراعة الذين يعتاشون من عملهم اليومي، ونحن نعمل على التواصل مع جمعيات وفعاليات المنطقة من نواب ومسؤولين لجمع المساعدات لهم". يتحدث رزق عن الكوارث التي لحقت بالمحاصيل الزراعية، فالزيتون لم يعد يصلح للزيت وستقتصر الاستفادة منه على صنع الصابون البلدي. المقلق، أن محاصيل الأعوام المقبلة ستتأثر بشكل كبير بسبب قنابل الفسفور واحتراق مساحات واسعة من الأراضي.

لا يختلف المشهد كثيراً في عيترون عن حولا، حسب ما يؤكد ابن البلدة حسين سلامة لـ"المدن". فأهالي البلدة بحالة قلق، وفئة كبيرة منهم لم يعودوا خوفاً من خرق الهدنة من قبل جيش الاحتلال، عدا عن استهداف المدنيين. يشير سلامة إلى أن "من عادوا يتفقدون منازلهم والأقارب، ويجمعون مستلزمات الشتاء من ثياب صوف ووسائل تدفئة. إذ تغيّر الطقس بشكل كبير خلال فترة ترك المنازل". حسب تعبيره، البلدة أشبه بمغارة مهجورة، فالمحلات التجارية مقفلة بالكامل، ما عدا القليل من دكاكين السمانة التي فتحت لبيع ما بقيَ لديها من مواد غذائية.

هواجس ما بعد الهدنة
علمت "المدن" من سكان البلدات أن الأحزاب الفاعلة في المنطقة، أي ثنائي "حزب الله" و"حركة أمل"، حصروا مساعداتهم بالمنتمين إليهما، وهو ما يضع مصير غير المنتمين أمام المجهول، في ظل ضعف إمكانيات البلديات ومحدودية تقديمات الجمعيات المحلية. وبعد التهديدات الإسرائيلية باستمرار الحرب بصورة أعنف بعد الهدنة، يقلق الأهالي مما ينتظرهم. إذ سينسحب التصعيد في غزة على الجبهة الجنوبية. فئة كبيرة من الجنوبيين في المناطق الحدودية قرروا البقاء إلى حين عودة القصف، في ظل المشاورات القائمة حول إمكانية تمديد الهدنة.

تتمدّد هواجس أهالي الجنوب لتطاول البلديات المتهالكة، بإمكانياتها الضعيفة، إلى جانب ندرة التقديمات الرسمية من الوزارات والهيئات الرسمية المعنية. يقول رئيس اتحاد بلديات جبل عامل، علي ياسين، أنّ "تسيير الحدّ الأدنى من شؤون البلديات يقوم على مبدأ التكافل الاجتماعي بين الأهالي طوال السنوات الماضية، وتجلى ذلك بحرب ما بعد 7 تشرين الأول، وهو ما سيستمر في حالة ارتفاع حدة القتال جنوباً". حسب ياسين، ورداً على ما تردد من الأهالي عن استنسابية في تقديم المساعدات، فإن الأحزاب وضعت إمكانياتها بتصرف اللجان البلدية التي ينتمي أعضاؤها لمختلف الأفرقاء.

ويضيف ياسين ضمن حديثه لـ"المدن": "سيستمر دور البلديات على حاله، فهي تعمل ضمن خطة تركز على هدفين أساسيين: الأول بمتابعة أوضاع السكان الذين سيبقون في بلداتهم، والثاني بتتبع تنقلات النازحين إلى المناطق القريبة والبعيدة". وعن دور المستشفيات، التي يقلق الأهالي من مصيرها بعد الهدنة، يشير ياسين إلى أنه لا نقص بالطواقم الطبية لديها، والمعدات الطبية جاهزة، إلى جانب خطة الطوارئ التي تمّ وضعها بالتنسيق مع الجمعيات الكشفية وغيرها من المنظمات كالصليب الأحمر.

يعيش أهالي المناطق الحدودية تضارباً في المشاعر. فهم يدركون أن سعادتهم بالعودة إلى ديارهم لن تطول، في ظل تهديدات الاحتلال بالتصعيد بعد الهدنة. كذلك، تبرهن تجاوزات إسرائيل يوم السبت التي تمثّلت بإطلاق نار على سيارة وقنابل دخانية على المواطنين أن الهدنة ستقتصر على أيام، وما يتبعها من سيناريوهات ستواجه أهالي الجنوب المرهقين من تقلبات الفترة الماضية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها