الثلاثاء 2023/10/31

آخر تحديث: 00:00 (بيروت)

مراكز الإيواء في صوْر: سِير مستعادة لتهجير القرى الحدودية

الثلاثاء 2023/10/31
مراكز الإيواء في صوْر: سِير مستعادة لتهجير القرى الحدودية
أكثر من 27 ألف شخص نزحوا من قرى الجنوب (Getty)
increase حجم الخط decrease
غاراتٌ، قصفٌ كثيف، ليالٍ بلا نوم، استهدافٌ للمنازل والأراضي، تحذيرات بالإخلاء.. ثمّ نزوح.

تكرّرت تلك المشاهد على مرأى ومسمع أهالي القرى الحدودية الجنوبية ثماني مرّات، على الأقل، منذ 70 عاماً.

يروي الستيني وليد لـ"المدن"، وهو يجلس على فراشٍ من الإسفنج أنها تهجيرته الثامنة. تهجّر وليد مرّات عديدة، أولها كان في حرب 1967، وآخرها كان في 2006، قبل نزوحه الأخير من بلدته الحدودية الضهيرة، منذ بدء القصف الإسرائيلي ردّاً على عملية "طوفان الأقصى" وما تبعها من عمليات استهدفت مواقعه.

حال وليد كحال آلاف الجنوبيين الذين هجروا أرضهم وبيوتهم في بلداتٍ حدودية ولجأوا إلى مدينة صور، التي لا تبعد سوى 18 كلم عن مناطق القصف، بحثاً عن الأمان.

مراكز إيواء "مُتواضعة"
وفق حسن حمود، نائب رئيس اتحاد بلديات قضاء صور وأحد أعضاء وحدة إدارة الكوارث في القضاء، "تمسّك أهالي القرى الحدوديّة بالبقاء في منازلهم، إلا أنه بعد الاستهداف المباشر للبيوت والمدنيين، وبعد إلقاء القنابل الفسفورية وما سببته من حالات اختناق وحروق، نزح حوالى 7 آلاف جنوبي من القرى الحدودية إلى صور، أغلبهم عمال زراعيون ومياومون".

يوضّح حمود لـ"المدن" أن وحدة إدارة الكوارث جهّزت ثلاثة مراكز إيواء (مهنية صور، والتكميليتين الرسميتين)، وتضمّ تلك المراكز حالياً أكثر من 1200 نازح، وهي القدرة الاستيعابية القصوى، فيما يتوزّع باقي العدد على القرى المجاورة لمدينة صور، ومنها برج الشمالي، العباسية، برج رحال، عين بعال وغيرها..". يُؤكّد حمود أن الوحدة تتواصل مع عدد من الجمعيات طلباً للمساعدة، إلا أن "الحاجات كبيرة والإمكانيات قليلة". كما يصف حمّود الوضع داخل مراكز الإيواء بـ"المتواضع"، فكل "5 أشخاص يحصلون على ثلاثة فراش مثلاً". وعن الطعام، أجاب حمود أن هناك جمعيات تتبرّع بالمواد الغذائية، فيما تّقدّم مطابخ "مؤسسات الصدر" ثلاث وجبات يومياً للنازحين.  

جالت "المدن" في مراكز الإيواء تلك، المشهد يبدو تكراراً لمشاهد سابقة عايشها أهالي الجنوب. غرف مزدحمة، صراخ أطفال، ملابس ممدودة على طول نوافذ المدرسة، انقطاع شبه تام للماء والكهرباء، ورجالٌ يدخنون السجائر بينما يناقشون تفاصيل الحرب بسذاجة.

27 ألف نازح من الجنوب..
وفق "المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة"، أكثر من 27 ألف شخص نزحوا من قرى الجنوب مع التصعيد العسكري على الحدود.

يتطابق ذلك مع ما أكّده عدنان أبو دلة، رئيس مجلس أعيان ائتلاف الخير لبلدة يارين وعدد من البلدات المجاورة، لـ"المدن". إذ أكّد أبو دلّة أن "تهجيراً كلّياً حصل من بلدات يارين ومروحين والضهيرة والزلقطية وأم التوت". كما أشار الأخير إلى أن الأضرار جسيمة فيها، لناحية دمار المنازل وموت المواشي وضرب موسم الزيتون. 

وفاء الدرويش هي إحدى النازحات من بلدة الضهيرة، تركت بلدتها فيما كانت تتهيأ لحصاد موسم الزيتون. تروي وفاء لـ"المدن" أنها هربت مع عائلتها من القصف إلى منطقة مجاورة، وباتوا في حرشٍ لثلاثة أيام من دون طعامٍ أو ماء، إلى أن أقلّهم أحد المارين إلى مركز الإيواء في صور. فقدت وفاء خيمتين زراعيتين، وخسرت موسم الزيتون، كما أن أرضها لم تعد صالحة للزراعة بسبب المواد الفسفورية، وفق ما روته.

وليد أبو سمرا نازح من بلدة الضهيرة أيضاً، فقَد منزله، وهو منزل أثري يعود بناؤه لسنة 1937. يروي وليد كيف طردتهم قوات اليونيفيل الحدودية من مركزها بعدما لجأ إليها عدد من أهالي الضهيرة وهم يحملون من أُغمى عليهم بسبب القنابل الفوسفورية التي رمتها القوات الإسرائيلية. 

أما محمد فنش، فهو رجل ستيني قضى 24 عاماً من حياته في أميركا ليبني منزل أحلامه، واليوم بات حلمه "كومة حجارة" كما وصفه شقيقه. لم ينم فنش في منزله يوماً، قصفه جيش الاحتلال قبل أن ينعم صاحبه فيه. 

المفارقة أن مشهد فراغ القرى الحدودية من سكانها لا يشبه أبداً حال المدن الجنوبية الأبعد كصيدا وصور والنبطية، التي بدورها فرّقت بين النازحين. للفقير مراكز إيواء مزدحمة وغير مؤهلة للسكن، وللمُقتدر شقة مفروشة لا يقلّ إيجارها الشهري عن ألف دولار. فحتى النزوح، بات للأغنياء فقط.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها