الجمعة 2023/11/17

آخر تحديث: 13:47 (بيروت)

"الدّحيح" يروي حكاية فلسطين...عصفٌ معرفي لا يستعصي على الكوميديا

الجمعة 2023/11/17
"الدّحيح" يروي حكاية فلسطين...عصفٌ معرفي لا يستعصي على الكوميديا
تحت هذه الفخامة في منتجعات كيبوتس نحشوليم، مقابر جماعية للفلسطينيين في قرية الطنطورة
increase حجم الخط decrease
لم تبدأ حلقة "فلسطين... حكاية الأرض" بمشهدٍ كوميدي كما هي الحال عادةً في حلقات برنامج "الدحيح"، إذ اختار اليوتيوبر المصري أحمد الغندور أن يبدأ حلقته بقصة، من دون غياب حسّ الرجل الساخر المعهود عنها. 


استهلّ "الدحيح" حلقته بقصّة عن كيبوتس "نحشوليم" الذي شُيّد فوق مقابر جماعية لفلسطينيين استشهدوا في مذبحة ارتكبها إسرائيليون في سنة 1948 بحق أهل قرية الطنطورة الفلسطينية.

استخدم الرّجل مقاربة صارخة لطرح قصّته. فالمنطقة الساحلية التي تُضاهي شواطئها جمال شواطئ اليونان وصقليا، والمعروفة حالياً باسم "دور"، هي في الحقيقة أرض شاهدة على مجزرة إسرائيلية. إذ لم يُعرف عن قرية الطنطورة سوى أنها قرية وقعت فيها معركة في "حرب الاستقلال" بين الإسرائيليين و"العرب"، وفيها انتصر الإسرائيليون، فيما هاجر "العرب" إلى قرية الفراديس المجاورة.

بقيت تلك السرديّة حاضرة حتى سنة 1998، حينما نشر الطالب الإسرائيلي تيودور كاتس في جامعة حيفا رسالة الماجستير الخاصة به، وتضمّنت الرسالة مقابلات مع قدامى المحاربين المسؤولين عن اقتحام الطنطورة في سنة 1948.


في الرسالة، كشف كاتس أن ما حدث لم يكن معركة ولا مواجهة بين جيشين، بل كان تطهيراً عرقياً بحتاً. إذ فصل الجنود، النساء عن الرجال، وجرّدوا النساء من المال والذهب أو أي شيء ذي قيمة، وأجبروهن على الخروج من القرية. أما الرجال، فجُمعوا على الشاطئ وأُعدموا جماعياً، ودُفنوا لاحقاً في باحة هي الآن مرآب سيارات لأحد المنتجعات السياحية. وبمجرّد البحث في "غوغل" عن مكان تلك المجزرة، ستُطالع الباحث منتجعات سياحية وفنادق فخمة وأماكن ترفيه. أما الطالب كاتس، فواجه قضية تشهير وسُحبت رسالته وانتهى مساره الأكاديمي، وهو تماماً ما حصل مع عدد من الأصوات القليلة الإسرائيلية التي حاولت أن تحفر في النكبة، فكان مصيرها مؤسفاً. 

بتلك القصة، دحض "الدحيح" أكذوبة "الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، قائلاً إن "إسرائيل هي طبقة من التحضّر والتقدّم وأسفلها بمترٍ واحدٍ تاريخ من القتل والإبادة العرقية".


"حكاية الأرض"... بين مدحٍ وذمّ
في حلقة "حكاية الأرض"، التي تُعتبر الأطول في تاريخ البرنامج ومدّتها 62 دقيقة، روى أحمد الغندور أصل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وكيفية قيام دولة إسرائيل منذ أن كانت فكرةً، حتى إعلان الدولة في 1948. هذا بالإضافة إلى ست أساطير خلقتها إسرائيل حتى تحصل على تعاطف عالمي دائم، رغم ارتكابها جرائم في حق الفلسطينيين. كما كشف الغندور أكاذيب إسرائيل والسردية الوطنية التي تمسّكوا بها في روايتهم المتعارف عليها، للتمكّن من أراضي الفلسطينيين، مستخدماً أدلة ووثائق تاريخية. واللافت كان اعتماد فريق العمل، بشكل شبه كامل، على مصادر إسرائيلية، إذ قال الغندور إنّه أراد أن يعرف الجمهور ما يقوله اليهود عن إنشاء دولتهم، والسرديات الإسرائيلية لكيفية بناء الدولة، وكيفية تحوّل العصابات اليهودية إلى ما يسمّى اليوم "جيش الدفاع". كما كان لافتاً أيضاً أن الحلقة لم تتطرق إلى ما يحدث اليوم في غزة، باستثناء الدقائق العشر الأخيرة منها، إذ قدّم "الدحيح" حلقته بناءً على توثيق تاريخي.  

حالما نُشرت الحلقة، أثارت ضجة كبيرة في منصات التواصل الاجتماعي، وتخطّت نسبة مشاهدتها الـ4.5 ملايين مشاهدة في اليوم الأول لنشرها. إذ قال معجبون إنّها "أفضل حلقات البرنامج إطلاقاً" لجهة غزارة المعلومات والسرد السلس والأسلوب السهل الممتنع.

لكن الحلقة لم تسلم من الانتقادات، كما مُقدِّمها. إذ نبش بعض المتابعين تُهماً أُلصقت بأحمد الغندور سابقاً، كـ"العمالة" و"الإلحاد"، إذ يعتبر البعض أن التزام الغندور بالعلم والحقائق يُجردّه من إيمانه. 


يبدو أن صفة "الإلحاد" التي لاحقت الغندور على مرّ سنوات نشاطه، ليست سوى ردّ على شابٍ مصري مولع بحبه للعلوم ومُقدِّم لها على طريقة الـPop Sience، أو "العلوم للعموم"، التي تبدو "شاذّة" لفكرٍ يرى في الحقيقة خطراً داهماً، حتى وإن سُخّر ذلك للقضية الفلسطينية، التي طرحها "الدحيح" بأسلوبه المُعتاد بـ"تبسيط اللي ما يتبسطش"، كما يُعرّف عن نفسه.   

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها