الثلاثاء 2022/07/19

آخر تحديث: 16:49 (بيروت)

انتشار التسمم والتيفوئيد ببعلبك: لحوم فاسدة ومزروعات ترويها المجارير

الثلاثاء 2022/07/19
انتشار التسمم والتيفوئيد ببعلبك: لحوم فاسدة ومزروعات ترويها المجارير
حالات تسمم غذائي وحمى تيفوئيد وسالمونيلا تجاوزت في آخر يومين عتبة 30 حالة (Getty)
increase حجم الخط decrease
مجددًا يُطل شبح أزمة الأمن الغذائي، راخيًا أثقاله على كاهل الناس المنكوبين. وإذ بات يوميًا وبصورة شبه اعتيادية، يُعلن عن عشرات حالات التسمم الغذائي في مناطق لبنانية عدة. وهذا نتيجة فساد ما يتناوله اللبنانيون شرابًا ومأكلاً، ومخالفته أدنى المواصفات الآمنة صحيًا. أما إحصاءات المصابين وأرقامهم فمجهولة، كحال موقف وزارة الصحة من تداعيات هذه الأزمة. فهي لم تكلف نفسها عبء تداركها في خضم الانهيار المستمر.

تسمم وتيفوئيد
مدينة بعلبك هي الأبرز والسّباقة دائمًا في ماراتون الأزمات اللبنانية المتناسلة على الصعد كافة. وكشفت مصادر "المدن" عن أرقام هائلة وصادمة لحالات تسمم غذائي وحمى تيفوئيد وسالمونيلا تجاوزت في آخر يومين عتبة 30 حالة، موزعة على طوارئ المستشفيات والمستوصفات. ناهيك عن الحالات الحرجة التّي تترواح بين 5- 10 أشخاص.

أشارت زينب فارس (45 سنة، لبنانية، ربّة منزل، قاطنة مع أسرتها في بعلبك) إلى حجم الأزمة في يوميات البعلبكيين وجعلتهم في قلق مستمر حتّى في مأكلهم: "منذ أسبوع أُصيبت ابنتي الصغرى بتسمم غذائي، بسبب تناولها قطعة جبنة اشتريناها قبل يومين. انقطاع الكهرباء الدائم وعدم تشغيل البراد، جعلا جميع المواد الغذائية فيه تتحلل وتتعفن، وقد قمت بنقل ابنتي إلى المشفى فورًا، فاكتفت بمعالجتها بحقنة مصل ووصف دواء مضاد للبكتيريا. ولا تزال ابنتي تعاني من أوجاع في المعدة وقيء".

معظم مستشفيات ومستوصفات بعلبك تتحدث عن استقبال أعداد ضخمة من حالات التسمم يوميًا. وقد تجاوزت في غضون الأسبوع الماضي 50 حالة، حسب مصادر "المدن". وهي تتوزع بين تسمم غذائي وإصابات بحمى التيفوئيد والسالمونيلا التيفية. تُشكل إصابات حمى التيفوئيد حوالي ثلثي الحالات، أي ما يتجاوز 30 إصابة  في الأسبوع الفائت. وهذه الأرقام لا تعدو كونها أرقامًا مسجلة في المختبرات، وهناك سواها متكتم عليها أو لم تُشخص بعد.

تزايد الإصابات
الأعداد التّي لم يتم تسليط الضوء عليها ولا معالجتها، هي اليوم في تراكم وازدياد مُطرد، مع استمرار الاستهتار بأمن العلبكيين الصحي. وفي هذا السّياق أوضح الدكتور مصطفى الصلح -المختص في الجهاز الهضمي والعامل في عدد من مستشفيات بعلبك- واقع النكبة الصحية المستجدة في المدينة قائلاً: "إن ظاهرة التسمم الغذائي في بعلبك ليست جديدة، فسنويًا، وفي الفترة التّي تمتد من حزيران حتى أواخر شهر آب، تُسجل إصابات تسمم غذائي، نتيجةً ظروف طبيعية،  كارتفاع الحرارة وغياب الثقافة الصحية وطرق التنظيف والتعقيم السّليمة. غير أن المفارقة هذا العام هي الارتفاع الهائل بمعدلات الإصابة، مقارنةً بالسنوات السّابقة التّي بلغت الضعفين أو أكثر".

وعزا صلح تفشي هذه الحمى إلى عوامل عديدة: شح المياه، انقطاع الكهرباء، فساد المواد الغذائية، وفساد اللحوم ومشتقات الحليب والدجاج. وهناك حال الناس الاقتصادية التّي تدفعهم إلى شراء المواد الرخيصة. وحالات التيفوئيد التّي يشخصها يوميًا تجاوزت في إحدى المستوصفات التّي يعمل فيها 15 حالة. وأضاف: "الأرقام مخيفة، والحالات بخطورتها وندرتها تثير الاستغراب. ونادرًا ما يُشخص مصابي التيفوئيد بمتحوريه "تيفي" و"باراتيفي". غير أننا نشخصه بصورة شائعة. وعلى عكس مرضى التسمم الغذائي الذين يكتفون علاجيًا بالمصل والدواء، حالات التيفوئيد تستوجب عناية خاصة وعلى فترة مديدة. ويدفع المواطنون باهظًا كلفة علاجها وأدويتها".

حاولت "المدن" التواصل مع المعنيين في وزارة الصحة، وعلى رأسها الوزير، وبعد مساءلة عدد من المعنيين، كان الرّد الرسمي هو: "عدم تبلغ الوزارة ببيانات عن الظاهرة، سوى تسمم حوالى 14 شخصًا في محافظة بعلبك-الهرمل بسبب تناولهم البوظة من بائع متجول. غير أن لا أرقام إضافية عن الظاهرة. وفي حال توافر بيانات أخرى ستقوم الوزارة بالتدقيق والتحقيق بالأمر".

أسباب الأزمة
ولعل الأزمة الاقتصادية الخانقة هي المسبب الرئيسي لعودة الفساد في القطاع الخدماتي والاستهلاكي، كالمطاعم ومؤسسات مشتقات الحليب من أجبان وألبان، فضلاً عن تدني القدرة الشرائية للمواطنين الذين باتوا يشترون مواد غذائية رخيصة متدنية الجودة.

وهناك التصنيع المحلي غير المراقب، والمزروعات التّي يتم ريها بمياه الصرف الصحيّ، وتتغاضى عنها أجهزة الرقابة وفي حالات الضبط النادرة. ويحاول المزارعون الكبار رشوة القوى الأمنية والرقابية أو ترهيبهم. وقد نُظمت سابقًا محاضر ضبط لأمن الدولة بحقق عدد من المزارعين الذين يعمدون علانيةً لريّ مزروعاتهم بمياه الصرف الصحي التي تحول إلى الأنهار المستخدمة للشرب والمحتوية على البكتيريا وفايروس التيفوئيد.

أما كميات اللحوم والدجاج المجمدة فضخمة، منها موجودة في السّوق، لكنها منتهية الصلاحية، وتذوب وتباع بوصفها طازجة. وهي دخلت عبر المعابر غير الشرعية. ونقلت ببرادات لا تعمل. وكمية اللحوم الحمراء إن لم تُبرد ويعتنى بها تتكون فيها بكتيريا تنمو بسرعة وتسبب مشاكل في الهضم. وعمليات ذبح الابقار والدجاج تتم من دون مراقبة، وبعضها يذبح رغم علم اصحابها بأنها غير صالحة للاستهلاك .

لحوم فاسدة وعشائر
وتأرجح سعر صرف الدولار دفع بعض تجار المواد الغذائية المبردة والمثلجة والطازجة إلى شراء بضاعة غير صالحة، لأنها أرخص. وهذا بعد تكدسها في ظل عدم الإقبال الكبير لدى المواطنين المفقرين على شرائها فتفسد، لتقوم بعض المطاعم لاحقًا بشرائها لتوفير المال والكسب السّريع. وهناك  فساد الخبز، الذي يصنع من طحين غير صالح.

هذه الأسباب لا تعدو كونها جزء من الأزمة الأساسية التّي تزامنت مع تفشي الحمى وتغلغل الأمراض في المجتمع البعلبكي. فانقطاع الكهرباء التام ومنذ 4 شهور، واحتكار العشائر شركة الكهرباء واستغلالها، وتحكم المافيات المسلّحة بمولدات الكهرباء، وعدم مقدرة غالبية المواطنين على تركيب تجهيزات الطاقة الشمسية، هذا كله جعل المحال التجارية والملاحم والمنازل في عتمة شاملة. وامتناع الناس عن شراء المواد لعدم قدرتهم على تخزينها.

وللتعويض عن هذا النقص اعتمد البعض في نظامهم الغذائي على المؤن والمخللات التّي تسبب مشاكل في الهضم.

بعدما تم الكشف عن 50 حالة تسمم غذائي الشهر الماضي في البقاع جراء تناول اللحوم النيئة، تعود أزمة التسمم الغذائي ومعضلة الأمن الصحي إلى الواجهة. ويتبرم البعلبكيون من واقعهم، مطالبين أجهزة الرقابة والوزارت المعنية بالإجراءات اللازمة لوقف هذا النزيف الذي يدفع فاتورته المواطن الفقير.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها