ويتوقع المعلم الذي لا يزال يمارس عمله في الأونروا منذ عشرين عاماً، أن تكون نتائج العام القادم أسوأ بكثير إن لم يجر تدارك الأمر بسلسلة من الإجراءات "فالسنة القادمة ستكتظ صفوف البريفيه بالوكالة بأعداد أكبر بكثير، كما أن تكاليف المواصلات تزداد، وسلبيات الانقطاع عن التعليم خلال فترة كورونا ستتوضح أكثر، ومخاطر فصل معلمي الدعم الدراسي ستكون أكبر".
مؤتمر تربوي عاجل
مدير عام "302 للدفاع عن حقوق اللاجئين" علي هويدي رأى في حديث لـ"المدن" أن "النتائج التي صدرت تستدعي عقد مؤتمر تربوي عاجل، يشارك فيه الأونروا والفصائل ولجان أهلية وشعبية وخبراء تربويون وبرلمانات المدارس والأهل، لتدارس النتائج، بعيداً عن الاتهامات، ولتحديد المسؤوليات، والتشخيص السليم، والبناء على ذلك لوضع خطة مناسبة".
أضاف "نعم الأزمة الاقتصادية تشكل عامل ضغط، لكن بصراحة هذه قضية وطنية بامتياز، تستدعي اهتمام كل أصحاب المصلحة للبحث في كيفية تجاوز هذه النسب، لأنه لدينا مخاوف على مستقبل أبنائنا، وفقدانهم الأمل بالمستقبل، وأن يتوهموا أن الحل بالهجرة. وهناك مخاوف بالأصل لدى الطلاب من عدم إيجاد فرصة عمل عند تخرجهم من الجامعة، وهذا لا يساعد على تحفيزهم".
ويختم بأن "الأمر معقد ومركب، فنحن أمام كارثة وطنية. ويجب عدم الاستعجال في التشخيص. من هنا ندعو الأونروا إلى المسارعة في عقد مؤتمر صحفي لتفند الأسباب وتطرح المعطيات. المهم أن يكون هناك شراكة في حل المسألة، لأن غياب الشراكة سيوقعنا في أزمة تؤدي إلى مزيد من التسرب. نعم قد يكون الشح في ميزانية الأونروا سبباً إضافياً في هذا التسرب، لكن هذا لا يكفي لتبرير ما حصل".
غياب الخطة التربوية
وأصدرت مؤسسات فلسطينية عديدة بيانات استنكار، منها منظمة "مجد" التي انتقدت "غياب خطة تربوية واضحة في المدارس، وضعف الإدارات التعليمية وعدم تعاون المدرسين مع المدراس، وغياب الرقابة والمتابعة والمحاسبة من إدارات التعليم بالمناطق والموجهين والمرشدين، وعدم التعاون من قبل بعض إدارات التعليم بالمدارس مع لجان الأهل".
ورأت منظمة "ثابت لحق العودة" أن هناك تقصيراً وسوء إدارة في الملف التعليمي خلال السنوات الماضية، ساهم في تدني نسب النجاح. وطالبت بتقييم النتائج ودراسة الأسباب، والعمل على محاسبة المقصرين".
أما "اتحاد المعلمين في لبنان" فدعا إلى عقد مؤتمر تربوي "يناقش المستوى التعليمي الذي وصلنا إليه، والوقوف عند سياسة الترفيع الآلي".
رغم الانتقاد الواسع لسياسة الترفيع الآلي وخصوصاً من قبل المعلمين، إلا أن الاطلاع على تفاصيل القرار لا يقود إلى الاستنتاج نفسه. فالقرار يتحدث عن عدم الرسوب في الصفين الأول والثاني فقط، أما في الصفوف: الثالث والرابع والخامس والسادس فيجب أن لا تتعدى نسبة الرسوب 7 بالمائة، و8 بالمائة في السابع، و15 بالمائة في الثامن، أي إنها نسب معقولة ومبررة.
دور الفصائل الفلسطينية
إذاً، المشكلة أبعد من ذلك بكثير. وتبدأ بتعيين المعلمين، ومدى حضور المحسوبية، والتغاضي عن تدني مستويات المعينين في إدارة التعليم، والرشى التي كانت تُدفع في مرحلة ما لصالح جهات معروفة من أجل تعيين المعلمين، وغياب الشفافية والمحاسبة. هناك سلسلة طويلة من الإجراءات بل والتحقيقات يجب السير بها، وهي كفيلة بالوصول إلى استنتاجات ربما تقود إلى عدم تكرار ما حصل.
ويجب عدم إغفال الدور الفصائلي السلبي فيما جرى. فالفصائل لا تتدخل عموماً في الأونروا إلا في حالتين، الأولى للضغط من أجل التوظيف، والثانية عند الانتخابات لحشد أنصارها. بينما كان تدخلها قبل عقود في كل تفاصيل عمل الوكالة، من تعليم وصحة وغيره. حتى عندما حذّرت "المدن" بداية العام الدراسي من نكبة ثانية في مدارس الأونروا ووصل التحذير إلى رؤساء الفصائل لم يجر أي تحرك للتأكد من المعلومات أو لتدارك المخاطر.
يُضاف أن الفصائل الفلسطينية جرى عسكرتها خلال العقود الثلاثة الأخيرة بحيث غُيب الأكاديميون إلى حد كبير، وانقلبت الأولويات التي كانت سائدة حتى عام 1982 من إعطاء الأولوية للتعليم والثقافة إلى أن أصبح حضور البندقية غير العاقلة في الزواريب هو الأولوية. فنشأ جيل يمجّد هذه البندقية على حساب التعليم. وقد يكون ذلك سبباً إضافياً لنسب النجاح المعقولة لدى البنات مقارنة بالبنين. فمثلاً في صيدا كانت نسبة النجاح في مدرسة رفيديا للبنات 77 بالمائة تقابلها نسبة 14.81 بالمائة في مدرسة السموع للبنين.
لا يمكن حصر الأسباب التي أدت لهذه النتائج الكارثية في مقالة، كما لا يمكن انتظار خلاصات وكالة الأونروا، فما زال الفلسطينيون ينتظرون تقرير الوكالة إثر نتائج عام 2019، والتي وعد آنذاك مديرها بلبنان كلاوديو كوردوني بإصدار تقرير بعد "تحليل معمق للعوامل التي قد تكون ساهمت في تدني النتائج". لذا يبدو عقد "مؤتمر تربوي" الأكثر إلحاحاً وليس الأكثر واقعية بالضرورة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها