الأحد 2022/05/15

آخر تحديث: 18:09 (بيروت)

مشاهد انتخابات الخيبة البعلبكية: خزان الدم والدموع

الأحد 2022/05/15
مشاهد انتخابات الخيبة البعلبكية: خزان الدم والدموع
أعلام صفراء تطغى على سوداوية العرس الديموقراطي وعبثيته (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease
على الرغم من كل الآمال بالتغيير، كان المشهد البعلبكي ولا يزال مشهدًا يحفل بتناقضات أهالي المنطقة وقصور ذاكرتهم. فبين "خزان دم" مزعوم ومعارضة انسحبت تحت ضغوط فائض القوة الحزبية والعشائرية، تدور اليوم مدينة بعلبك بناخبيها في الحلقة المفرغة ذاتها، مجددةً الولاء لشخصيات عاثت في أرضها ومواردها الفساد، متناسيةً سجلها الطويل من الإهمال والتسيب والانهيار على كافة الصعد.

المشهد الأول: نواح الخيبة
عشية "العرس الديموقراطي"، يطوف بتركتوره المهترئ أحياء قريته البعلبكية، خاطبًا بجموع المتحزبين الهازئين، صادحًا بين الفينة والأخرى بأهازيج ثورية أقرب إلى النواح منها إلى الغناء: "يا شعبي ما تنتخبهن، يا شعبي الجوعان، يا شعبي الفقير". يميل برأسه الأشيب يمينًا، وينكس علمه المتآكل الألوان، مقابل أعلامهم المبهرجة، فيعري مصطفى يزبك العامل الستيني بصوته الصلب والمتهالك في آن واحد، صخب التهريج الانتخابي، وزعيق خطيب الجامع وتكليفه الشرعي، والأغاني الشعبوية المنبعثة من أسطول السيارات الفارهة. فينضح مصطفى بثوريته المنبوذة غير آبهٍ بإرهابهم وتبجحهم، ومقدمًا بنواحه من على تركتوره، عزاءً لمن لا عزاء لهم في خضم هذه المسرحية البشعة.

يمشي متهالكًا على حصباء ساحة المطران في مدينة بعلبك، شاتمًا الخيبة المرتقبة، مقارعًا بصوته الدونكيشوتي الخافت الناخبين المتعامين عن هول الكارثة، آملاً بنجاح صوته التفضيلي لسارة زعيتر الشّابة العشرينية الصادقة والمستقلة عن فساد نواب بعلبك - الهرمل المكررين.

أما الشاب العشريني وطالب الجامعة اللبنانية في بعلبك، فيطمح ليختصر على نفسه ورفاقه مسافة الطريق والمصاريف، حالمًا بإنماء مدينته، فتصير مأهولة ثقافيًا واجتماعيًا وآمنة، لا مسرحًا للتفلت العشائري والحواجز والمداهمات. يتجه حسن من ساحة المطران نحو مجلس بعلبك الثقافي، مشيرًا إليه بوصفه "بيته الثاني". يتكدر عندما يصل ليرى ندوة شعرية عن الحرية، يشتم، ويزدري حريّة من دون حقوق لصيقة محققة، يُعزي نفسه بمعجزة قد تنبثق في اليوم التالي، متكدرًا وشاتمًا بعلبك وسكانها ونوابها.

المشهد الثاني: نساء عصبات وضحكات صفراء
أساطيل سيارات تصدح بأناشيد للسيد، وأعلام صفراء تطغى على سوداوية العرس الديموقراطي وعبثيته. نساء غالبيتهم بعباءات سوداء وعصبات صفراء يتضاحكن بصفراوية ويصرخن: "بالروح بالدم، نفديك يا نصرالله". يتجهن نحو مراكز الاقتراع، فتتراءى على وجوههن أمارات الفخر والإنجاز. قد يمرّ أحيانًا موكب سيارات مفيّمة يلوح من أحد شبابيكها علم حركة أمل لا غير. لافطات زرقاء تحمل صورة سعد الحريري وتحتها عبارة: "لعيونك، مقاطعين". مجموعات شبابية تتحلق حول الكاميرا لتصوير أصابعها المحبرة. فائض قوة لا تزعزعه هتافات بعض المارين الشاتمين والمزدرين. ومحطات وقود مزدحمة بطوابير لتعبئة بون بنزين 20 ليتر. 

ويحتشد ناخبون أمام مراكز اقتراع، وتنتفخ المدينة بازدحامٍ مروري لم تعهده قط. يغدو سوق بعلبك مهجورًا كما كان في السنتين السّابقتين. يعلّق أحد تجار الألبسة الذي قاطع الانتخابات من على الكرسي المتسخ قبالة محله ساخرًا: "ما حدا ح يشتري، ما معن مصاري، بس وقت زتولن شوي رجعوا ركضوا لينتخبوهن". بالفعل السّوق الشهير العابق بروائح الصفيحة البعلبكية والحلويات والدائم الازدحام سابقًا، صار مشهدًا دراميًا قبيحًا يختصر انهيار المدينة التاريخية وبلادتها، وتحولها جدارية كبيرة تفنن أصحاب "التقدمات" بالتعليق عليها صور السيد والنبيه والسعد الحريري التعس.

المشهد الثالث: دواء السكري 
يحمل ياسر الثلاثيني المُرهق علبة الصفيحة، ويستنزل اللعنات ويتضرع لانفجار مراكز الاقتراع الآن بمن فيها. أرهقه العمل منذ الفجر. وأرهقه صوت الأناشيد المزعجة و"الشعب الغنم" المتجه نحو المسلخ جذلانًا غير آبه بمصيره ومصير أولاده. ياسر الذي لم يجد دواء السّكري في الصيدليات ولم يمتلك ثمن شرائه من السّوق السوداء، قرر مقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة بهذه الجريمة الجماعية، مفضلاً العمل وكسب المال لشراء دوائه عوضًا عن الاشتراك بهذا التهريج القائم، على حدّ قوله.

المشهد الرابع: سارة تبكي شبابها
يتجه حسين نحو مركز الاقتراع فخورًا بموقفه العدائي للسّلطة لصالح مجموعات المعارضة، يعزي نفسه بضميره المرتاح ويده غير الملطخة بشراكة الفاسدين ونجاحهم، على الرغم من النفس الاستسلامي الذي ألم به صباحًا بعدما تجمهر المؤيدون للسلطة بأعدادهم الضخمة. أما مصطفى فاستقل تركتوره الصدئ وقام بجولته الأخيرة في أحياء بلدته، مناشدًا المستمعين تحكيم ضميرهم. هذا فيما وقفت سارة الشابة العشرينية أمام موقف الفانات المتجهة إلى بيروت، باكيةً سذاجة هذا العرس الديمقراطي. وكذلك على شبابها الضائع وفاءً وفداءً لـ"نعل سلطان مزعوم"، وعلى آمالها بتغيير أو بثورة موعودة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها