الأحد 2022/04/24

آخر تحديث: 11:54 (بيروت)

البازار الانتخابي.. ووعود المعارضين

الأحد 2022/04/24
البازار الانتخابي.. ووعود المعارضين
يجب مصارحة الناس بمحدودية قدرة التغيير (الأرشيف، Getty)
increase حجم الخط decrease

نشهد اليوم بازاراً انتخابياً بكل ما للكلمة من معنى. خصوصاً من الذين يدعون أنهم ليسوا كغيرهم، وأنهم أصحاب مشروع تغييري، إضافة إلى البازار المعروف عند القوى التقليدية.

اجتمعوا كلهم على إيهام الناس أن في وصولهم إنقاذ للدولة والمجتمع. يطرحون برامج تتضمن "تغطية صحية شاملة، خطوط مترو وباصات، تعليماً للجميع، حلاً لكارثة الكهرباء، استقلالية القضاء، نزع سلاح حزب الله، سيادة، فرض الخسائر على البنوك عوضاً عن المجتمع". كلها كليشيهات ما هي إلا تمييعاً للواقع المزري الذي نعيشه. إنكار للواقع ولسبل تغييره.

الخيال السياسي
ليت الانتخابات النيابية تكون باباً لتحقيق هذه الخطوات الضرورية في البلد. لكن الواقع يقول غير ذلك. المشكلة أن البلد -حتى ولو تغير كل من في مجلس النواب- يظل في الواقع محكوماً من كارتيلات ومافيات حزبية، محمية من المؤسسات الدينية والأجهزة القضائية والأمنية والطوائف وقبائلها. وصول أي كان إلى الندوة البرلمانية، ولو كانت رؤيته للدولة ممتازة، ويملك حلولاً تقنية لجميع المشاكل التي تتناول حياة المواطنين والمقيمين اليومية.. تبقى رؤيته وخطته في خانة الخيال السياسي.

فما هي حظوظ تنفيذ هذه الخطط ومشاريع القوانين عملياً؟ هل يمكن لعاقلٍ أن يتخيل أن القوى المافيوية والميليشيوية ستسمح له في حل معضلة الكهرباء مثلاً. هذه المعضلة التي عندما نسأل كيف تُحل يكون الجواب سهلاً، وما أكثر الحلول التقنية. لكن السؤال ليس كيف تحل مشكلة الكهرباء، إنما لماذا لم تحل طيلة كل السنوات التي تلت الحرب الأهلية، ولماذا كلفت المالية العامة للدولة ما يقارب 45 مليار دولار. ولماذا أيضاً غابت عنا خطة النقل العام؟ التغطية الصحية؟ ضمان الشيخوخة؟ التعليم؟ 

إنتاج الإحباط
الجواب بسيط ويعيد نفسه، عندما نفكر في أي قطاع كان، وهو المصالح والعائدات المالية الكبيرة التي تجنيها الحلقتين المالية والسياسية في البلد على حساب أكثر من 90% من المجتمع. هذه العائدات تجنى من خلال إفشال الدولة في تأمين هذه الخدمات، واستبدالها بشبكات الزبائنية والخدماتية التابعة لأصحاب السلطة. توصيف الواقع يقول إن وصول نائب تغييري سيسمح له بتنفيذ برنامجه الانتخابي المنمق، وسيصلح الوضع في سنوات قليلة، بعيد كل البعد عن الحقيقة. هذا الوهم سيضع صاحب الوعود (ولو كانت نيته صادقة) في السنوات المقبلة مكان الذي ابتكر مصطلح "ما خلونا". وسيجعل منه كاذباً أمام الرأي العام وسيساهم بشكلٍ كبير في الإحباط الذي سينتج عند الناس، وزيادة اشمئزازهم من كل ما يتعلق بالعمل السياسي.

اللبنانيون يستحقون الصراحة ومعرفة الواقع كما هو. معرفة أن المشكلة أولاً مشكلة نظام، وهي ثانياً مشكلة عنف سيتعرض له كل من سيحاول أن ينال من هذه المصالح الفئوية الصغيرة الخاصة بالكارتيلات والمافيات السياسية والمصرفية. معرفة أن المشكلة أكبر بكثير من تشريع وخطة ورؤية واختصاصيين وتكنوقراط ومشروع حكم يتصور المرحلة التي تلي النظام. المشكلة تتمثل باحتلال زعماء الحرب والمفوضين المحليين للقوى الإقليمية للبنان. مشكلة سلاح وقوى أمر واقع مستعدة لتغيير أي معادلة ليست لصالح أهل النظام ومصالحهم في البلد، عبر العنف والاشتباكات الطائفية (أحداث الطيونة شاهدة على ذلك). مشكلة اختلال ميزان قوى لصالح الأولياء على الطوائف والنظام. مشكلة تشبيك قائم منذ عقود بين أصحاب رأس المال والامتيازات والقوى المدعومة إقليمياً. 

خطاب المواجهة
في الخلاصة، التصور العام للمرحلة المقبلة يوحي أنها صعبة للغاية، ويتوقع أنها ستكون المرحلة التي ستتخذ فيها قرار تصفية الدولة. أي انها المرحلة التي ستباع فيها أصول الدولة، ويقونن فيها توزيع الخسائر على المجتمع وتنقذ فيها المصارف. هذا بالإضافة إلى أنه من الواضح أن خدمات الكهرباء والمياه والتعليم والصحة لن تتحسن وستزيد سوءًا مع زيادة انهيار العملة المرتقب مع انخفاض احتياطي مصرف لبنان إلى أدنى مستوياته منذ عقود. ما يعني أن الضربة القاضية على المجتمع ستكون قريبة.

لذا، فإن الترشح للانتخابات فيه مسؤولية كبيرة، خصوصاً على المرشحين الذين يضعون أنفسهم في خانة التغييرين. هؤلاء المرشحون الذين أغرقوا الرأي العام بالوعود والبرامج الطموحة. الأجدى بهم أن يبنوا خطابهم الانتخابي على الواقع، وعلى تعبئة الناس وتوعيتهم بأهمية مواجهة سياسات السلطة في المرحلة المقبلة، وسبل تخطي العنف الذي سيترتب عليهم نتيجةً لمواجهتها. أيضاً، مصارحة الناس بمحدودية قدرة التغيير التي ستنتج عن دخول نواب جدد إلى مجلس النواب، عوضاً عن إغراقهم بالأوهام الزائفة التي لن يتحقق أي منها. عليهم بناء المشروع والخطاب وفق مبدأ المواجهة والتعبئة وفرض سردية مواجهة عند الرأي العام، بدلاً من الوعود الفارغة والكاذبة. فهؤلاء كما غيرهم بغض النظر عن نواياهم، إن لم يصارحوا أنفسهم والرأي العام بحساسية والمرحلة والعمل على مواجهتها، سينتهي أمرهم كما المعارضين الذين رضخوا سابقاً، وأصبحوا اليوم جزءاً لا يتجزأ من النظام.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها