الإثنين 2022/01/24

آخر تحديث: 16:12 (بيروت)

المعارضة المتخبطة في لحظة سياسية متاحة

الإثنين 2022/01/24
المعارضة المتخبطة في لحظة سياسية متاحة
من تظاهرات انتفاضة تشرين في وسط بيروت (غيتي)
increase حجم الخط decrease
غياب الحياة السياسية قبل 17 تشرين، كان له وقع سلبي على اللبنانيين. كانت هذه الحياة السياسية تحيا للحظات قليلة، كما شهدنا في 2011 مع حملة إسقاط النظام الطائفي، ومن ثم 2015 مع كارثة النفايات، لتعود بعد ذلك الحياة السياسية من خارج الدائرة التي رسمتها المنظومة الطائفية للرأي العام، إلى موتها السريري المعتاد... إلى أن أتت لحظة 17 تشرين التي كانت مفصلية على كل الأصعدة، ومن ضمنها خلق مساحة للشارع المُعارض الخارج على الطوائف. هذه اللحظة نتجت عنها تنظيمات سياسية جديدة عديدة، تُعتبر وليدة لحظة الانتفاضة، أو ساعدت تنظيمات أخرى كانت قد بدأت قبل الانتفاضة مسيرة سياسية جدية.

هذه التنظيمات تطورت بالفعل، وكبرت على مدى سنتين، على الصعيدين التنظيمي والشعبي. ولا شك أن تطور هذه الأحزاب والحركات والشبكات، ملحوظ جداً، مقارنة بالخبرة السياسية المحدودة لهذه التنظيمات، والفئات العُمرية الشبابية المنخرطة فيها، والوقت الضئيل الذي أنفقته هذه التنظيمات في الحياة السياسية اللبنانية، مقارنة مع أحزاب أخرى. علماً أن دائرة الحركة السياسية، والممارسة، لهذه التنظيمات، جديدة، وهي ما زالت في طور الولادة وتحديد المعالم، وتتسم بالضبابية وعدم الوضوح بسبب يفاعة هذه التنظيمات وقلة خبرتها وانعدام الحياة السياسية خارج الأحزاب الطائفية منذ أوائل التسعينات وحتى العام 2019.

وبالنظر إلى واقعنا السياسي اليوم، فالبديهي أن الظرف السياسي والاقتصادي الذي يمر به البلد استثنائي لناحية الخطر الحقيقي الذي يهدد النظام الحالي، والأزمة الاقتصادية التي قضت على القدرة الشرائية لمعظم اللبنانيين. طبعاً، هذه الأزمة الهيستيرية التي يعيشها المواطنون والمقيمون في لبنان، تشكل فرصة استثنائية أيضاً لخلق إطار سياسي اقتصادي جديد يسعى لتحديد هوية اقتصاد ما بعد الأزمة، ووضع رؤية لدولة، والذهاب نحو حماية المجتمع عبر مأسسة التغطية الصحية الشاملة وتحسين التعليم الرسمي وإرساء نظام الشيخوخة والإسكان. ولكن هل ترتقي الأحزاب والتنظيمات "البديلة" لتكون على قدر ما تطلبه هذه اللحظة السياسية؟ هل هذه التنظيمات قادرة اليوم على تقديم بديل حقيقي وأن تمسك بزمام الأمور؟

الممارسة السياسية اليوم لهذه التنظيمات تقول إن المعارضة في لبنان ليست مؤهلة لأن تكون على قدر هذه اللحظة. وحتى لو كانت لديها النيّة، فإن تجربتها السياسية وقدرتها البشرية والتنظيمية لا تسمح لها بذلك. كما أن غالبية هذه المجموعات بلا خريطة طريق، ولا تخرج ممارستها السياسية عن ردود الأفعال تجاه أعمال السلطة. فهي ليست خلّاقة، ولا تبادر في السياسة المحلية، ولا هي متفوقة على السلطة في المواجهة، بل على العكس، دائماً ما تكون السلطة متقدمة بخطوات عديدة على المعارضة، ودائماً ما تكون خطوات المعارضة مقروءة بالنسبة إليها. وهذا ليس بسبب ضعف المعارضة، بل التمرس والخبرة السياسية لحلقة متكاملة من أمراء الحرب ورجال السياسة والأعمال المتكاتفين في حرب على المجتمع لحماية مصالحهم عبر شتى الطرق. مواجهة هؤلاء المتمرسين في السياسة المحلية، منذ نصف قرن على الأقل، ليس بالسهل أبداً، وتتطلب مجهوداً وتمرساً استثنائيَين من التنظيمات التغييرية.

هذه رؤية فعلية للواقع وليست من باب التشويش أو المزايدة على هذه التنظيمات. بل نقد للواقع المُعارض الذي ننتمي إليه. التنظيمات قد تكون أهلاً للثقة في المستقبل، لكنها اليوم لا ترتقي للمواجهة وحماية المجتمع، ولا يمكن لها أن تتعاطى مع السياسة كهواية أو تمارسها بمراهقة سياسية عندما تكون في مواجهة حلقة مالية وسياسية كتلك الموجودة في لبنان.

هذه ليست دعوة لمجموعات المعارضة لوقف العمل السياسي، وليست دعوة لليأس بسبب المأساة التي تحل بنا. بل دعوة لأخذ العمل السياسي بجدية أكبر، والابتعاد عن المراهقة السياسية، الراديكالية المفرطة والبراغماتية المفرطة. دعوة للمضي في المواجهة ومحاولة التطور بما يسمح لنا به السياق التاريخي والزمني، لعل وعسى نصبح على قدر ما تستوجبه لحظة سياسية ما زالت موجودة لنُقْدِم على خواتيم لطالما أردناها وحلمنا بها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها