السبت 2022/12/10

آخر تحديث: 11:40 (بيروت)

الصور النمطية وأذاها: لكل طائفة "اختصاصها" السيء؟!

السبت 2022/12/10
الصور النمطية وأذاها: لكل طائفة "اختصاصها" السيء؟!
إسقاط صفات أقلية على جماعة كاملة (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
يُعدّ التنميط مشكلة كبيرة في مجتمعاتنا العربية. إذ تُفرض تسميات معيّنة حول كيفية تصرف الشخص أو سلوكه وفقًا لجنسه، وعرقه، وشخصيته وعوامل عديدة أخرى. التنميط موجود في كل شيء. في السياسة، في الرياضة، في الجامعات والمدارس.. حتى أن هناك تنميطاً للحيوانات، فالهرّ الأسود "خاضع للجنّ".

يُعرّف التنميط، حسب الأخصائية النفسية وردة بو ضاهر، بأنه حكم صادر عن وجود فكرة مُسبقة عن فئة معيّنة، فيقوم الفرد بإلباس صفة العمومية على كلّ الأفراد الذي ينتمون لمجموعة ما، بناءً على فكرة أو ذاكرة أو تجربة سابقة معيّنة، ويُشار إليه أحيانًا بالصور أو القوالب النمطية، التي من الممكن أن تكون إيجابية أو سلبية.

فكم مرةً أطلقتَ حُكمًا على أنّ المرأة عاطفية، أو تكره نجاح النساء، ولذلك لا تصلح للعمل في منصبٍ ما بناءً على ذلك، أو أنّها لا تعرف قيادة السيارة، أو أنّ الرجال عديمو المشاعر ويميلون للعنف. وكم مرةً نظرت إلى شعبٍ كاملٍ بنظرةٍ استنتجتها من تعاملك مع فردٍ واحد فقط أو أفراد قليلين من ذلك الشعب؟

لكل طائفة وجماعة "صفتها" النمطية
تنصّ نظرية الدور الاجتماعي على أنّ الأدوار اليومية للأفراد في المجتمع تخضع لمجموعة من التنبؤات والتوقعات والمعايير والسلوكيات التي يفرضها المجتمع، وعلى كلّ فردٍ أنْ يحققها.

حسب عالمة الاجتماع لودي الحلو "يمكن استخدام هذه النظرية  لفهم التنميط الذي يطلقه المجتمع على الأفراد. إذ عندما يصبح كل فرد مسؤول عن دورٍ معين يتوقعه منه المجتمع، تتشكّل الملاحظات اليومية عن ذلك الدور وغيره من الأدوار، وبالتالي يصبح سهلًا على العقل رسم قوالب نمطية معينة بناءً على ما يتوقعه أو ما ينتظره من الآخرين. ينطبق هذا على المناطق، مثلا بيروت، العاصمة، اشتهرت بعض عائلاتها قديماً بالبخل، وما زال أبناء بيروت من الطائفة السنية حاملين هذا الصيت والتنميط حتى يومنا هذا.

في بعلبك، تُزرع نبتة الحشيشة، وهناك العديد من التجار، لذلك يوسم كل "بعلبكي" بأنه من المحششين، وقد ساهم بذلك أيضا بروز شخصيات بعلبكية في عالم التمثيل والعروض الكوميدية، جعلت من هذا التنميط "صورة" ترتديها في الأدوار التي تؤديها.

رُبط "الشيعي" بالسلاح، وإبن الضاحية الجنوبية بالدراجات النارية، والمسيحي بكثرة السهر والشرب والسكر واستسهال الحصول على "نسائه"، والطرابلسي بالميول الجنسية، والدرزي بالإنغلاق والتحفّظ.

كل هذه التنميطات فُرضت على أبناء المناطق فرضًا، وكأنها حكم قضائي لا يمكن إزالته من السجل العدلي.

وليس التنميط للمناطق والطوائف فقط، فالأحكام المسبقة طالت الهوايات والجامعات أيضاً. إذ عند التقدم لوظيفة ما تصبح الفرصة أعلى لخريج جامعة ما عن أخرى، متجاهلين العلامات، الخبرات، والصفات... أما إذا أرادت فتاة ممارسة هواية معينة مصنفة "رجالية"، تصبح "سحاقية" بعيون من يعرفها، وهو ما حصل مع الرياضية ريتا إبنة العشرين عاماً، التي تقول في حديث لـ"المدن": "واجهت انتقادات عدة عند بداية ممارستي للفنون القتالية. من نظرات الاستغراب إلى إسقاط الأحكام المسبقة علي، وسماع كلمات أبرزها "مسترجلة". وحاول الكثيرون على مدى 3 سنوات توقيفي عن هوايتي بسبب هذه النظرة التي يملكونها، إذ كانوا يعتبرون أن ممارسات هذه الهواية من النساء لن يجدن من يتزوجهن".

حتى الرجل لم يسلم...
هذه المعاناة لا تطال النساء فقط، إنما الرجال يعانون من التنميط أيضاً. فالممرضة عمل المرأة لا الرجل، الرقص للنساء، ولا يمكن للرجل أن يرقص، وإلا نعتوه بالمثليّ، تماماً كما ينعتون مصفف الشعر النسائي. حتى الجسم الموشوم لا يُرحم من ألسنة الناس.

يؤكد إيهاب، مصفف شعر موشوم الجسد، ويبلغ من العمر 30 عاماً لـ"المدن" "أنا، مرفوض من المجتمع لأنني وشمت جسدي الذي هو ملكي"، مضيفاً أنه تعرض للكثير من الهجوم والرفض خصوصاً في مجال العمل والزواج كون جسده مليء "بالتاتوهات"، فهو حتماً "أزعر".

من أين تأتي القوالب النمطية وسبل التخلص منها
نتعلّم ذلك من الحياة وممن حولنا. الكثير من المعلومات التي تدخل وعينا تأتي بطبيعة الحال من الثقافة المحيطة بنا، فعملية تمرير المعلومات الاجتماعية بشكل متكرر من شخص لآخر، يمكن أن تؤدي إلى التشكيل العفويّ وغير المقصود للقوالب النمطية عن الأشياء والأشخاص والمجموعات الأخرى. وحسب بو ضاهر "التنميط رد فعل طبيعي في حياة الانسان، وهو نتيجة تعلّم واستقبال تلك المعلومات منذ مراحل الطفولة الأولى أو من استنتاجات من تجارب سابقة ويعززها عدم انخراطنا بمجموعات جديدة".

التنميط نوع من التمييز والأذى. إذ ممكن أن يؤثر على الشخص المنمط تماما كما العنف والتحرش والتنمر، وهنا تؤكد بو ضاهر في حديثها لـ"المدن" أنه "لا يمكننا التخلص من التنميط بسهولة، خصوصاُ وأنها عادة موجودة منذ القدم وهي أفكار متوارثة من جيل إلى آخر، إنما يبقى دور الفرد وجهده الشخصي بتكسير هذه الصور سواء المتعلقة بالنظرة إليه أو بنظرته إلى الآخر، من خلال شرح وجهة نظره وإعطاء أمثلة تعارض التنميط".

هي تعميمات شعوب، واستسهال تبني نظريات سائدة وليس من السهل تغييرها. لكن، كما يؤكد المتخصصون "تحتاج إلى زيادة الوعي والثقافة وتبني الانفتاح على كل مستويات الحياة" لنخوض مغامرة اكتشاف الآخر كما هو، من دون إسقاطاتنا وأحكامنا المسبقة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها