الجمعة 2022/01/21

آخر تحديث: 15:32 (بيروت)

محمد المغربي وجسر الفيات.. سيرة بؤس غير رومانسية

الجمعة 2022/01/21
increase حجم الخط decrease
لمحمد المغربي قصة مخفية لا بد أن يُكشف عنها يوماً ما. رجل سبعيني، ناهز الثمانين من العمر، يعيش منذ أكثر من عام تحت جسر الفيات. مهندس من خريجي جامعة القاهرة. مشرّد من منزل صديق تم هدمه. مسجون لأكثر من عام من دون حكم قضائي. استيلاء على أرضه ومعيشته وتشريده. أسرة من زوجة، متوفاة، و3 أبناء. يكاد يكون كل ما سبق سيرة رجل مشرّد دارت به الأيام والظروف، وأوصلته إلى رصيف تحت جسر. وما أكثر تلك الروايات والحوادث والسير. وقد يسوق الفضول الدفّة لكشف تفاصيل هذه القصص والروايات والأحداث. لكن مع كل ما سبق في مشهد محمد المغربي، مكتبة رصيف استقطبت الأنظار. يعيش الرجل بين كتبه. يبيع ما تيسّر منها للاسترزاق. حوّل ظلمة جسر إلى واحة كتب. واشتدّت الأنظار إليه حين زاره وزير الثقافة محمد مرتضى قبل أسبوع. فأهداه مجموعة كتب لإغناء مكتبته أو حتى للاسترزاق من بيعها. لكنّ ناراً، ليل أمس، أكلت كل ما يملك محمد المغربي.

إحراق الكتب
انتشر مقطع فيديو لواحة الكتب التي فرشها محمد المغربي تحت جسر الفيات، وهي تحترق بالكامل. مجهول أو مجهولون أقدموا على هذه الفعلة الشنيعة. وقالت رواية أخرى إنّ اشتعال النار بدأ حادثاً من خلال منقل تمدّدت منه الشرارات وأدى إلى هذه الكارثة. محمد المغربي تقدّم ببلاغ أمام القوى الأمنية، بانتظار ما قد تكشفه التحقيقات. لكن بغض النظر عن افتعال الحريق أو كونه حادثاً، بات محمد المغربي بلا كتب ولا مكتبة.

رومانسية بؤس
قد نبحث، نحن المأزومون والمنهارون في هذا البلد، عن رومانسية مكتبة مشرّدة تحت جسر حديدي. لأنّه قد يكون في قصة مماثلة، بعضاً من أمل البقاء والاستمرار رغم الأزمات. وقد يكون في ذلك أيضاً، تطبيعاً أو تعايشاً غير مقصودين طبعاً مع الأزمة. ليس مكان محمد المغربي تحت جسر الفيات. ولا المكتبات أيضاً. لكن هذا ما حصل. هذه هي القصة. قد يكون الرجل العنيد رافضاً لأي نوع من أنواع المساعدات، في المأوى والمسكن والطعام والطبابة أيضاً. إلا أنّ ذلك لا يغيّر شيئاً في واقع أنّ قصة الأمل هذه، دليل أزمة وانهيار وتشرّد وضياع، على مستوى شخصي وعام. ليس من الرومنسية زيارة عجوز سبعيني تحت جسر لشراء كتاب أو التعبير عن الدعم. يمكن فعل ذلك في غرفة. لا بل أنّ المشهد قد يكون أكثر رومانسية لو أنّ الرجل قادر على قراءة كتبه على نور كهرباء. الإسراف في تلميع التعاسة، رومانسية بؤس.  

أسفل جسر الفيات
بعد انتشار خبر احتراق كتب محمد المغربي، اشتدّت عزيمة العديد من الناشطين والناشطات والجمعيات لمساعدة الأخير. سبق أن تحرّك جميع هؤلاء عارضين المأوى والاهتمام والمال على الرجل المشرّد. إلا أنه رفض. وتتركّز الحملة اليوم على تأمين أكبر قدر ممكن من الكتب لإعادة إحياة مكتبة أسفل جسر الفيات. بعض المتحمّسين للدعم اليوم سبق وانتقدوا خطوة وزير الثقافة الذي مدّ الرجل بالكتب. وهنا فارق بين خطوة وزير يملك سلطة وقراراً، ومجموعات أو ناشطين لا يسعهم سوى تقديم هذا النوع من الدعم. جسر الفيات، سيبقى محجّةً للاطمئنان على محمد المغربي. إلّا إن اقتنع الأخير بالانتقال من أسفل جسر إلى مكان أكثر دفئاً. قصة الرجل، كتبه، مكتبته، وكل ما يدور حوله، يعيد تصويب البوصلة مجدداً إلى خلاصة أخرى تقول إنّ اللبنانيين لا يعيشون في دولة. لا حقوق لهم ولا ضمانات. فقط سِيَر بؤس محتمل. ولا رومانسية في ذلك.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها