الأحد 2021/03/14

آخر تحديث: 12:28 (بيروت)

فقر وفوضى في طرابلس: المحافظ والمجلس البلدي في كيدياتهم

الأحد 2021/03/14
فقر وفوضى في طرابلس: المحافظ والمجلس البلدي في كيدياتهم
صدامات في المتاجر والأسواق قد تدفع أهالي الأحياء الشعبية إلى الأمن الذاتي (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease

مرّ أكثر من أسبوعين على الإشكال بين رئيس بلدية طرابلس رياض يمق، ومحافظ الشمال القاضي رمزي نهرا. حصل الإشكال داخل مكتب المحافظ في سرايا طرابلس، ولم يتضح مساره بعد موجة التصعيد والمطالبة بإسقاط نهرا من منصبه، كأحد رموز الفساد في الشمال.

مجلس بلدي منقسم
ولأن كل إشكال ينتهي بتمييع القضية، وبالرهان على محوها من ذاكرة المواطنين الذين يعانون من ضغط غير مسبوق للأزمات المعيشية والاقتصادية، يبدو أن طرابلس تدفع ثمن وجود مجلس بلدي يتلهى بتصفية الحسابات الشخصية على حساب المصلحة العامة.  

وكما جرت العادة في عهود سابقة، كان آخرها عهد الرئيس السابق أحمد قمر الدين الذي أسقطه المجلس الحالي في جلسة طرح الثقة منتصف 2019، يبدو أن هذا المسلسل تتوالى فصوله في عهد خلفه رياض يمق. فحاليًا، ينقسم المجلس البلدي فريقين: فريق يتهم يمق بسوء إدارة البلدية، ويطالب بإقالته وانتخاب بديل عنه، لإكمال ولاية المجلس التي تنتهي نهاية 2022. وفريق آخر يرفض إقالة يمق، على قاعدة أن الوقت ليس لصالحه. وهناك قانون البلديات الذي لا يجيز طرح الثقة مجددًا بالرؤساء في النصف الثاني من عهودهم. وبين هذين الفريقين، يلتهي الأعضاء بخلافاتهم الشخصية.

دعوى ناقصة ووساطة 
وللتذكير، فقدت جلسة المجلس بلدية طرابلس نصابها، عندما طرح يمق بند التصويت على رفع دعوى ضدّ المحافظ نهرا، إذ انسحب أعضاء ثلاثة من المجلس أثناء جلسته. وهذا ما اعتبره كثيرون إضعافًا لموقف يمق حيال نهرا. فمفعول الدعوى القضائية يتدعم برفعها باسم المجلس البلدي مجتمعًا، وليس بصفة يمق الشخصية.  

ومنذ ذلك الحين لم يدع يمق لجلسة جديدة. وعلمت "المدن" أن مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام، دخل على خطّ الوساطة بين يمق وأعضاء المجلس لإعادة اللحمة بينهم، بهدف تفعيل العمل في البلدية لمتابعة الملفات الطارئة.  

لا ينفي الرئيس يمق وساطة الشيخ إمام، ويلفت إلى أن ثمة وساطات أخرى تقوم بها شخصيات في طرابلس. لكن لم يتضح بعد مدى فاعليتها لردم الفجوة داخل المجلس البلدي. ويقول يمق: "أمدّ يدي لجميع الأعضاء، ليصبح المجلس البلدي منتجًا. ولا أرغب بالدعوة لعقد جلسة جديدة قبل حلّ الخلفات بيننا". وهو يعتبر أن المطالبة باستقالته غير محقة وغير قانونية. و"أهالي طرابلس الذين انتخبوني، وحدهم المخولون للمطالبة باستقالتي أو بقائي على رأس المجلس، وليس بعض الأعضاء لحسابات شخصية".  

غياب السلطات الرسمية
وفي ما يتعلق برفع الدعوى القضائية ضدّ نهرا، يشير يمق إلى أنه ينتظر موقف وزارة الداخلية في هذا الشأن، بعدما تكفلت متابعة القضية. وإذا لم يصدر عن الوزارة موقف واضح، يتجه يمق لرفع دعوى جزائية تتهم المحافظ "بالتطاول على رئيس البلدية وحجز حريته"، حسبما يقول.

وفي سياق متصل، يصف عضو مجلس بلدية طرابلس باسم بخاش أجواء المجلس بـ "السلبية وغير الجيدة". ويلفت أن الجلسات معلقة في انتظار تهدئة النفوس، لا سيما بعد الإشكال الذي وقع بين يمق والمحافظ. "لكن طرابلس - وفق بخاش - تدفع الثمن، فيما تغيب السلطات الرسمية كلها عن رعايتها، وفي مقدمتها السلطة المحلية".  

ويشير إلى أن هناك مجموعة من الأعضاء تسعى لجمع التواقيع داخل المجلس، للتصويت على الموافقة لرفع دعوى قضائية ضد نهرا، دعمًا لموقف يمق. ويعوّل بخاش على الوساطات لرأب الصدع داخل المجلس البلدي المنقسم عموديًا على نفسه، ويقول لـ "المدن": "أداء المجلس لا يرقى إلى مستوى المسؤولية في الأزمة الراهنة. وثمة حاجة للتعالي عن الخلافات الشخصية، وتعزيز الجهود لتفعيل الخدمات في المدينة".

مساعدة فرنسية
وكانت سفيرة فرنسا في لبنان، آن غريو، قد أعلنت في بداية آذار الحالي، عن تقديم فرنسا مساعدة إستثنائية بقيمة 1،1 مليون يورو إلى منظمات تؤمن مساعدة مباشرة لسكان طرابلس وجوارها، لا سيما في عكار. لكن السفيرة لفتت إلى أن هذا الدعم الطارئ لا يمكن أن يحل محل القيام بالإصلاحات.  

ويأسف بخاش لعدم تقديم الهبة الفرنسية عن طريق بلدية طرابلس. فهي جاءت عن طريق الصليب الأحمر وبعض الجمعيات والمنظمات المحلية. ويعتبر أن هذه الخطوة، على أهميتها، تعكس انعدام ثقة المجتمع الدولي بالسلطات المحلية إلى جانب فقدان الثقة بمؤسسات الدولة الرسمية . وقال: "لو قدمنا كمجلس بلدي للسفيرة الفرنسية مشاريع مقنعة، أثناء زيارتها طرابلس نهاية العام 2020، لكنّا نلنا ثقتها وفتحنا الباب لتوطيد العلاقات مع الجهات الخارجية التي يسعى بعضها للوقوف إلى جانب اللبنانيين في محنتهم".  

مشاريع معطلة
على مستوى آخر، يعتبر أحد أعضاء مجلس بلدية طرابلس المعارضين لأداء يمق، ويتحفظ عن ذكر اسمه، أن رئيس البلدية أخفق في عمله على المستويات كافة. واتهمه بخذلان الفريق الذي أيّد وصوله إلى سدة رئاسة المجلس، ولم يكن على قدر المسؤولية، ولم يفِ بالوعود التي أطلقها.  

ويشير العضو نفسه لـ "المدن" إلى أكثر من 25 مشروعًا معطلًا في بلدية طرابلس، ومنها مشاريع سقي الشمال، وتنظيم فرز النفايات، والإشارات الضوئية، وترقيم الشوارع، ومشاريع تأهيل البنى التحتية من أرصفة ومجاري وطرق.  

لكن أداء يمق ليس وحده من يعرقل تنفيذ المشاريع. فهناك أسباب أخلاى مختلفة. منها الروتين الإداري، والكيدية داخل المجلس، وعراقيل السلطة المركزية في المحافظة والوزارات المعنية. وتبقى أزمة الدولار في طليعة معوقات فتح المناقصات وتلزيم المشاريع.  

فمثلًا، سبق أن قدم المجلس البلدي مشروعًا لتأهيل الأرصفة في طرابلس. لكن عُرضت أسعار خيالية بلغت نحو 7 مليار ليرة. وهذه عينة عن مشاريع كثيرة مطروحة مع دفاتر شروطها، وجاهزة للتلزيم. لكن المتعهدين يتفادوها لأنهم لا يرغبون بتقديم عروض بالليرة اللبنانية التي تنهار يوميًا أمام الدولار.

فقر وفوضى
وحدها المشاريع التي تحظى بتمويل بالعملات الصعبة من الجهات الخارجية المانحة، تجد سبيلاً إلى التنفيذ. وفي هذا الوقت، تستشري الفوضى في طرابلس أكثر من سواها في المناطق اللبنانية. فمن جهة، تتصاعد أزمة المحروقات وتتوالى الصدامات داخل متاجر المواد الغذائية وفي الأسواق، وتتوسع ظاهرة السرقة والنشل التي تدفع بعض أهالي الأحياء الشعبية إلى التوجه نحو خيار الأمن الذاتي.

ومن جهة أخرى، يغيب أي دور لقادة المدينة ونوابها "الأثرياء"، ولأركان المجلس البلدي، وكذلك المحافظ. وهم لا يقومون بأي دور لامتصاص النقمة الزاحفة، أو جزء صغير من تداعيات الانهيار في طرابلس.

وهكذا تتكثف في عاصمة الشمال مأساة اللبنانيين. وتبقى المدينة وحيدة تقارع الأزمات الأمنية والمعيشية، وتدفع ثمن الأنانيات الشخصية التي تفاقم التدهور والإفقار، فيما ينذر الوضع بسقوط هيكل الدولة وتفسخ المجتمع.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها