الأربعاء 2020/05/13

آخر تحديث: 18:42 (بيروت)

الدولة لم تدفع للشركة.. وعمّال "رامكو" يدفعون الثمن

الأربعاء 2020/05/13
الدولة لم تدفع للشركة.. وعمّال "رامكو" يدفعون الثمن
أكد معتصمون على وقوفهم إلى جانب العمال في وجه السلطة (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
انتفض العمال في شركة "رامكو" لجمع النفايات، يوم الثلاثاء، فقطعوا مدخل الشركة ومنعوا الشاحنات من المرور. فتدخّلت فرقة من مكافحة الشغب في قوى الأمن الداخلي وعاقبت كل من سوّلت له نفسه الانتفاض على سوء الأحوال الاقتصادية وإهدار حقوقه.

مشهد جديد للواقع الطبقي والحال العام في لبنان. عمال تقمعهم القوى الأمنية لاعتراضهم على أداء الإدارة. شعب يقمعه الأمن لاعتراضه على فساد السلطة. لكن في مشهد "رامكو" تضاف  العنصرية أيضاً إلى المشهد. فمئات العمال هنا من بنجلاديش والهند، والكل أدرى بحال العمالة الأجنبية في لبنان. فكان الفيديو الذي انتشر أمس للقوى الأمنية وهي تقمع العمال دافعاً لعشرات الناشطين، الذين نفذوا وقفة احتجاجية أمام مقرّ الشركة في شارع الحمرا، للتأكيد على التضامن مع العمال ضد قمع الأمن وغبن الإدارة، ضد السلطة عينها. 

واجب الانتفاض
ينتفض في الشركة العمال الأجانب، ومعهم لبنانيون بحسب ما يؤكد أكثر من مصدر متابع لشؤون العمال لـ"المدن"، اعتراضاً على عدم احترام الشركة لما تنصّ عليه العقود، وهو تسديد الرواتب بالدولار الأميركي. فيشير رئيس "الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان"، كاسترو عبد الله، إلى أنّ "الشركة باتت تدفع الرواتب بالعملة اللبنانية ووفق سعر الصرف العادي، أي 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد". أي بات مبلغ 350 دولار، الراتب المفترض، يساوي 525 ألف ليرة، لا يكفي حتى لإرسال 100 دولار (باتت تساوي تقريباً 425 ألف ليرة لبنانية) إلى أسرهم في الخارج، هذا إن تمكنّوا من إرسالها وإن بقي من راتبهم ما يكفي بعد أيام قليلة من قبضه. ولهذا السبب وغيره، يصبح الانتفاض والإضراب واجباً. 

أسباب إضافية
ويضيف عبد الله أنّ عدداً من العمال في الشركة يشكون من انعكاس عدم احترام الشركة للعقود. إذ انعكس ذلك عليهم في تسديد الإيجارات، حين يطلب منهم المالكون الدفع بالدولار. ويشير إلى أنه يتم أيضاً "ممارسة الضغوط على العمال للقيام بوظائفهم، ويتم إجبارهم على ذلك من دون تطبيق معايير النظافة في ظل ظروف كورونا، ومهنتهم أساساً تفترض عليهم التعامل مع النفايات وجمعها". فيلفت إلى أنه "لم يتم توزيع عليهم الكمامات والقفازات أو حتى مواد التعقيم".

ويضاف إلى كل ذلك إلى أنّ "هؤلاء العمال باتوا عاجزين حتى عن شراء مواد غذائية أساسية مثل الحليب، الذي من المفترض أن يتناولوه حفاظاً على صحتّهم". واستنكر عبد الله "الضرب المبرح والقمع الذي تعرّض له العمال. فالقانون يحصّن حقهم بالاحتجاج والإضراب عن العمل، وإن حضرت القوى الأمنية فعليها الوقوف في وجههم وعدم المسّ بهم. إذ لا يحق لها الاعتداء على أشخاص يطالبون بحقوقهم". فلا يجد عبد الله وصفاً لما حصل إلا بـ"الحقد العنصري والطبقي".

الدولة مسؤولة
من جهته يشير مدير قسم معالجة النفايات في "رامكو"، وليد بو سعد، لـ"المدن" إلى أنّ "العامل الذي كان يقبض 400 دولار، بات فعلياً يقبض 90 دولار"، نتيجة انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية. يؤكد أنّ الإدارة تفهم تماماً مطالب العمال وحقوقهم، فيؤكد على أنّ العقود تنصّ على دفع الرواتب بالدولار الأميركي. لكنّ بو سعد يكشف أنّ "الدولة اللبنانية لم تسدّد للشركة المال منذ 10 أشهر". فيشير إلى مناشدات واتصالات قامت بها الإدارة بوزراء المال للحصول على مستحقات الشركة من دون أي تجاوب. ويضيف أنّ الدولة اللبنانية "دفعت من أصل 20 مليون دولار، مبلغ مليون و700 ألف دولار وبالليرة اللبنانية، أي دفعت لنا ما يساوي فعلياً وفي السوق 590 ألف دولار". ما يعني أنّ الشركة خسرت في هذه الدفعة "ما يساوي مليون و100 ألف دولار". مع تأكيده على أنّ العقود مع الدولة اللبنانية أيضاً تنص على تسديد المستحقات بالدولار. وبالتالي تحمّل إدارة الشركة الدولة اللبنانية مسؤولية ما يحصل.

محاولة انتحار؟
وينفي بو سعد لـ"المدن" وقوع حالة انتحار بين العمال الأجانب، مشيراً إلى أنّ "الشخص المعني حاول الانتحار في شهر كانون الثاني الماضي، لكن تمكنّا من إنقاذه". ويضيف أنه "تم مرافقته إلى أكثر من طبيب، وأجريت له العديد من الفحوص والصور الشعاعية للتأكد من سلامته، وتبيّن أنه يعاني من الاكتئاب، ويأخذ الدواء والمهدّئات بحسب وصفات الطبيب".

وعن باقي الملاحظات الأخرى التي أشار إليها العمال في بيان صادر عنهم، يشدد بو سعد على أنّ "في الشركة طبيب يداوم طيلة أيام الأسبوع، وممرضين اثنين يغطيّان 18 ساعة يومياً، ولجميع العمال تأمين صحي وتأمين حوادث". ويضيف بو سعد أنّ الشركة تتحمّل الآن كل الخسارة والديون، "حيث لا تصل لنا الأموال، والطريق إلى الاقتراض أو التغطية من المصارف مقطوع". فيدفع العمال الأجانب في الشركة الثمن الأكبر من كل هذه العملية، وهؤلاء من العمال المهاجرين المقطوعين من شجرة، لا سند لهم ولا عائلة ولا معارف لهم. لا يمكنهم استدانة ثمن ربطة خبز من دكّان الحيّ، ولا الإيواء في منزل قريب أو صديق إن هُجّروا من مساكنهم".

يبقى حال العمال الأجانب، واللبنانيين طبعاً، على سوئه. ويُنتظر تحرّك وزارة العمل والأمن العام لحماية العمال بشكل عام وفق القوانين والأصول. فكان لافتاً أمس عقد اجتماع بين مدير عام الطيران المدني فادي الحسن وممثلين عن وزارة العمل والمديرية العامة للأمن العام، للبحث في الآليات الواجب اعتمادها لتنسيق تنظيم رحلات جوية لعودة مَن يريد من العمال والعاملات الأجانب إلى بلدانهم. الهدف منه دراسة إمكانية محاولة وضع آلية للخلاص من همّ العمال الأجانب، وإعادتهم من حيث أتوا، في ظل ظروف كورونا. أما حقوقهم، فالبحث بها مؤجل.

لم تدفع الدولة للشركة بالدولار، فلم تدفع الأخيرة للعمال بالدولار. هذا باختصار واقع الحال في الشركة، من دون أي يعني ذلك أبداً تبريراً لفعلة الشركة. أما البطش بالمعترضين فمسألة أخرى. وتكمن فيها كل القصة، حين يتم توظيف آلة الأمن في خدمة صاحب السلطة أينما كان وبعض النظر عن هويته. المعترضون والمظلومون والمطالبة بالحقوق في ميل، والسلطة والأمن والأجهزة في ميل آخر، هذه قاعدة سياسية واجتماعية عامة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها