الثلاثاء 2020/04/21

آخر تحديث: 00:06 (بيروت)

الوقائع المريعة بقضية فوستينا تاي.. الاستعباد والقتل يسمونه "انتحاراً"

الثلاثاء 2020/04/21
الوقائع المريعة بقضية فوستينا تاي.. الاستعباد والقتل يسمونه "انتحاراً"
increase حجم الخط decrease
"لبنان! رحلة اللاعودة، حمانا الله جميعاً". هكذا علقت إحدى العاملات الأجنبيات على خبر وفاة العاملة الغانية، فوستينا تاي، التي قضت بشكل مأساوي في 14 آذار الماضي بعد أشهر من المعاناة. أرسلت تاي العشرات من الرسائل اليائسة إلى شقيقها في غانا، وإلى المجموعة الناشطة "هذا لبنان"، آخرها كان قبل 18 ساعة من العثور عليها ميتة في موقف للسيارات، أسفل منزل صاحب عملها علي ضيا في ضاحية بيروت الجنوبية. أرسلت رسالتها الأخيرة مستنجدةً "يا الهي أرجوكم ساعدوني". وعلى الرغم من ذلك، اعتبرت سلطات التحقيق وفاتها انتحاراً.


نظام الكفالة البغيض
أعاد الموت "الغامض" للعاملة الغانية (23عاماً) فتح النقاش حول قضايا العاملات الأجنبيات في لبنان، والسجل المشين للبنان في هذا المجال. وقد دعت 11 جمعية حقوقية - على رأسها "حركة مناهضة العنصرية في لبنان " - في بيانٍ لها، تضمن "المطالبة بإجراء تحقيق جدي في وفاة فوستينا تاي وتوفير محاكمة عادلة لضمان العدالة لها ولعائلتها ومساءلة الجناة". وفي حديث لـ"المدن"، قالت مسؤولة قسم المناصرة لدى "حركة مناهضة العنصرية في لبنان" زينة عمار أن "قصة فوستينا ليست استثنائية أو يتيمة. بل هي إحدى المآسي العديدة التي ينتجها نظام الكفالة. فهذا النظام يعزز العلاقات الاستغلالية خلف الأبواب المغلقة، ويهيئ أرضية خصبة لهذه الظروف ويسهلها". وأكدت أن الجمعية تتابع القضية مع وزارتي العمل والعدل، كما أن محامية الجمعية نيرمين سباعي تعمل على الحصول على وكالة من عائلة الضحية لمتابعة مجريات التحقيق.

أكدت سباعي لـ"المدن" أن هناك علامات استفهام حول ملابسات وفاة تاي: "الحادثة وقعت بعد معاناة وثّقتها الضحية، عبر رسائلها، مستنجدة فيها على فترة طويلة. لم يكن موتاً مفاجئاً". وأكدت أن هناك تناقضاً كبيراً بين الأدلة الموجودة ونتيجة التحقيق: "حتى لو كانت الوفاة ناتجة عن الانتحار، فهي حدثت بعد معاناة ناتجة عن استغلال وتعنيف وانتهاكات لحقوق الإنسان. وهذا ما لا يجب أن يمر كسابقاته من حالات الوفاة المشابهة". وترفض الجمعية أن تقتصر الإجراءات على إدراج أصحاب العمل، عبر مكتب التوظيف، في اللائحة السوداء التي تمنعهم من استقدام أو توظيف عاملة منزل أخرى. وتضيف المحامية سباعي "لطالما كانت العدالة بطيئة حين يتعلق الأمر بالعاملات الأجنبيات".

على أريكة في المطبخ
"كانت فتاة مفعمة بالحياة، وطموحة ومجتهدة، تخرجت من مدرسة كروبو الثانوية عام 2018، بنتائج جيدة للغاية. كانت تطمح لاستكمال دراستها الجامعية. لكن وضع الأسرة الاقتصادي أعاق طموحها" يقول جوش دي مانيا (ابن عم الضحية) في حديثه لـ"المدن".

قبل مجيئها إلى لبنان بدأت فوستينا عملاً صغيراً لبيع المعكرونة في العاصمة الغانية أكرا - قام بتمويله ابن عمها "جوش" – على أمل أن تتمكن من توفير بعض المال لمواصلة تعليمها. لكن تردي الوضع الاقتصادي العام في غانا أثر عليها هي أيضاً، ما دفعها إلى أن تأتي إلى لبنان، لتبدأ عملها الجديد في منزل حسين ضيا وزوجته منى نصرالله وأولادهم الأربعة، في 5 أيار 2019.

يقول جوش "لم تقتصر معاناة فوستينا على العنف اللفظي والجسدي. بل كانت قد شكت لي مراراً محاولة الأب كما الإبن (23عاماً) التحرش بها. كانت مجبرة على النوم على أريكة في المطبخ المفتوح من دون أي خصوصية: "عانت كثيراً.. كانت تعمل من دون أي راحة من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثانية فجراً".

أحد تسجيلات فوستينا


ضرب بلا رحمة
كانت جمعية "هذا لبنان" على اتصال مع فوستينا في الفترة ما بين 6 و 13 آذار تحاول مساعدتها وحمايتها، أرسلت فوستينا عشرات الرسائل، وأكثر من 40 دقيقة من الرسائل الصوتية إلى جمعية "هذا لبنان"، وإلى أخيها في غانا. كانت تشكو المعاملة السيئة من أرباب عملها، كما من مكتب التوظيف الذي يرأسه علي كمال.

تقول في إحدى رسائلها الصوتية "أخذني (حسين ضيا) إلى المكتب، بعدما طلبت العودة إلى غانا، حيث تعرضت للضرب مرة أخرى، قالوا لي: نحن ليس لدينا أي حقوق في هذا البلد، علينا القيام بالعمل حتى عندما نكون مرضى. كان هناك عاملات مثلي، ضربونا بلا رحمة، كما لو كنا حيوانات. قال أنه يراني حيوانة، يمكنه فعل أي شيء لي. لا أحد سيحمّله المسؤولية". ثم تم تحذيرها من أنه ستكون هناك عواقب وخيمة إذا استمرت في الشكوى. وتم إبلاغ فوستينا في نهاية المطاف أنها ستتمكن من المغادرة في آذار، شرط أن تعمل مجاناً طيلة هذه المدة. كانت تستنجد طيلة هذه الفترة بباتريسيا من جمعية "هذا لبنان"، إلى أن انقطع الاتصال بها قبل 18 ساعة من وفاتها بشكل مفاجئ.

رسائل وإفادات
صديق فوستينا، بيتر، من غانا، زوّد "المدن" ببعض الرسائل الصوتية التي أرسلتها إليه هو أيضاً. كانت تشكو له فيها ما تعانيه في منزل عائلة ضيا. ويقول بيتر "انقطع الاتصال بيننا منذ 12 آذار على غير العادة. قلقت كثيراً. وبعدها، سمعت خبر وفاتها من أخيها..".

على عكس رسائل فوستينا تاي المأساوية، الموثّقة بصوتها، جاءت الإفادات التي أدلت بها عائلة ضيا في التحقيق - حصلت "المدن" على نسخة مترجمة منه - فتقول منى نصرالله: "منذ تاريخ وصولها إلى منزلنا، لم تكن هناك خلافات أو جدالات أو مشاكل بيننا، كما كنا نعاملها بأفضل معاملة، ونقدم جميع احتياجاتها. ولم تشتك من أي شيء. أؤكد فرضية الانتحار وأؤكد أنه لا توجد خلافات بيننا. ونحن لسنا مسؤولين دينياً ولا نظلم أحداً وفوجئنا بما فعلته...". بدوره، يؤكد زوجها حسين ضيا في إفادته المجتزأة: "منذ وصولها علاقتنا معها جيدة للغاية، ونعاملها باحترام ولطف ولا نؤذيها. نحن نقدم لها كل احتياجاتها لأننا نخشى الله. ومنذ أن وصلت إلى منزلنا لم يكن هناك أي مشكلة أو خلاف لفظي بينها وبين أي فرد من أفراد عائلتي"!



جثتان كل أسبوع!
يعيش في لبنان رسمياً حوالى 250 ألف عاملة منزلية أجنبية. وتتزايد شكاوى هؤلاء العاملات، من عدم دفع الأجور، والحرمان من الخروج، والعمل المرهق لساعات غير محددة، والاعتداء الجسدي والجنسي. وتعود اثنتان منهن في توابيت خشبية كل أسبوع، حسب إحصائيات الأمن العام اللبناني. أما فوستينا فلم تحظ حتى بفرصة دفنها في وطنها الأم. فبسبب أزمة كورونا دفنت الضحية في لبنان، بحضور القنصل الفخري للدولة الغانية، ميشال حداد، الذي أكد لـ"المدن" "أن الدولة اللبنانية مشكورة بكل أجهزتها تقوم بمتابعة القضية في النيابة العامة".  

تطالب عائلة فوستينا الدولة اللبنانية "بمساءلة الأسرة التي استخدمت أختنا مجدداً، لأن هناك ما هو أكثر مما يقولونه لنا. من فضلكم، نود أن يعامل موتها هذا مثل أي حياة ضائعة. فوستينا ذهبت إلى لبنان لكسب لقمة العيش لنفسها ولعائلتها. إنها لا تستحق ما أصابها. نريد العدالة لفوستينا". ويختم جوش دي مانيا "كل مواطن وكل إنسان يعمل لكسب لقمة العيش.. يجب احترام هذا العمل وعدم استعباد الانسان".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها