الخميس 2023/05/04

آخر تحديث: 14:13 (بيروت)

"الشاطئ الآخر".. المعوقون الذين نناصرهم ولا نعرفهم

الخميس 2023/05/04
"الشاطئ الآخر".. المعوقون الذين نناصرهم ولا نعرفهم
نقاش فيلم ماهر أبي سمرا
increase حجم الخط decrease
ساعة أمضاها الجمهور على "الشاطئ الآخر"، حيث عمل المخرج ماهر أبي سمرا حوالى خمس سنوات، ليأخذنا جميعاً إلى الطرف الآخر الذي يلفظه المجتمع والنظام يومياً، وحتى نحن حين نصُمّ آذاننا عن سماع صوته أو الالتفات إلى وجوده.. وفي فيلمه الوثائقي يُصور أبي سمرا جزءاً من حياة صديقين معوّقين يجوبان شوارع بيروت وباريس معاً: سيلفانا تنقل لمحمد الكفيف صورة العالم وهو يقود كرسيها المتحرّك.

بعيداً عما حاولت طرحه الحملات الإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني لسنوات، لتسليط الضوء على حقوق المعوقين في لبنان، سلك أبي سمرا طريقاً آخر واقعياً ليدخلنا إلى حياتهم تلك، المعزولة في المراكز الرعائية. الحياة التي لا تظهر في الملصقات الإعلانية المُطالبة بدعم حقوق المعوقين، وهي في غالب الأحيان لا تأخذ موافقتهم لتصويرهم وتقدمهم بالشكل الذي تريده من دون الالتفات إلى حق الشخص المعوق في ألّا يُسلّع حتى وإن كان ذلك بـ"غرض" دعمه، وهذا تحديداً ما تحدث عنه محمد في أحد المشاهد الذي يروي فيها تصويره وأصدقاءه للحملات الإعلانية من دون موافقتهم، ومن دون أن يطلب من محمد أن يرتدي "نظارة سوداء وقميصاً أسود وقبعة سوداء"... كما هما ظهر محمد وسيلفانا بعفويتهما وأسئلتهما الكثيرة عن بناء صوت وصورة المعوق في عقلية الآخر وعن إمكانية استعادة الحق في امتلاكها.

من دون سيناريو
هذه المرة خاض أبي سمرا تجربته من دون أن يستند على نص مجهز مسبقاً، فترك الثنائي يعبّر بحرية، بعيداً من قيود الصوت والصورة، أخذنا لنرى ونسمع بأنفسنا ما أراد قوله محمد وسيلفانا لسنوات وما لا نسمع عنه في الندوات والحملات الإعلانية. تجوب سيلفانا مع محمد شوارع بيروت وباريس، يتشاركان همومهما معاً، وماهر، الذي كان عيننا، يطرح أسئلتنا جميعاً من دون أن نطلب، ليدخلنا إلى الضجيج الذي لا يلتفت له المجتمع، أو ربما يسمعه ويصمّ آذانه عنه.

"الجريمة المستترة "هكذا سمّتها سيلفانا، وهكذا ينظر المجتمع والعائلة حتى إلى المعوّق، "نحن عابرون للأعمال والجغرافيا والجنس، نحن موجودون دائماً لكننا غير مرئيين". هذا ما قالته أيضاً في النقاش الذي تلا عرض الفيلم. يسأل أحدهم عن الهدوء الذي يحيط بالشخص المعوق، فهل هو هكذا فعلاً؟

لم يستمع المجتمع للمعوقين أو يلتفت إليهم ليعرف أن هناك صخباً يملأ عالمهم، وفضّل بدلاً من الاستماع إليهم أن يعزلهم بعيداً، في مراكز رعائية في الأطراف... "لا يمكن أن نلوم هذه المراكز"، يقول أبي سمرا، بل يجب لوم المجتمع الذي بنى هذه المراكز المعزولة، ليعود ويطرح كيفية تقبّل المجتمع للطرف الآخر في حين هو لا يراه ولا يعترف به حتى. فبدلاً من أن يبحث المجتمع عن كيفية دمج الشخص المعوق، عمل جاداً على تكريس صورته وكأنه كائن هجين لا يمكنه أن يعيش بيننا.

طفولة
في أحد المشاهد، حين يعود كل منهما إلى طفولته في المراكز الرعائية، يزور محمد المركز الذي كبر وتعلّم فيه، لنكتشف أن هناك عدداً من زملائه ما زال يعيش في المكان نفسه منذ سنوات. ربما كانت لمحمد فرصة الذهاب إلى أميركا لإكمال تعليمه، لكن هناك عدداً لا يستهان به يظن أن الحياة تبدأ وتنتهي في تلك المراكز، ويسمع عن الواقع كما يسمع المجتمع عنه عبر طرفٍ ثالث. يطالب الثنائي في الفيلم أن يُدمج المعوق خارج هذه المراكز ذات الأسوار غير المرئية، فتقول سيلفانا: "نحن مطرحنا مع الكل ويجب على المجتمع أن يتصالح مع التنوع ويتقبّله". في منتصف الفيلم تظهر خريطة مراكز رعائية شُيدت منذ الاستعمار في الأطراف لعزل المعوقين بما يصب للمصلحة العامة، ثم بعد تأسيس دولة لبنان الكبير استمر هذا العزل وازدادت أعداد تلك المراكز شرط أن تبنى بعيداً عما تراه الدولة "طبيعياً".

يحاول ماهر أبي سمرا التركيز على هذا الشق للفت انتباهنا إلى نقطة البداية، من دون أن يطيل الحديث عنها، يشدّد على أن القضية لم تكن يوماً اجتماعية فقط ويصر على تفكيكها سياسياً. فيقول: "دائماً ما يتم التفاعل مع المطالبة بحقوق المعوقين بشكل لحظوي ويُحصر الأمر في إطار مطلبي ضيق، لكن القضية سياسية وهناك من هو مسؤول عن ذلك".

الحب المستحيل
تأخذنا سيلفانا معها إلى المخيم الترفيهي، حيث وقع الكثير من المشاركين في الحب، رغم أن الجميع كانوا على معرفة سابقة ببعضهم البعض، إلا أنها كانت المرة الأولى التي يجتمعون فيها دون قيود مراكز المعوقين وقوانينها. وكأن "الحب خارج قضيتهم يُقيّد مشاعرهم أو حتى يلغيها، لا يعترف بوجودها. هكذا ينظر المجتمع إلى المعوَق ينبذه اجتماعياً وسياسياً ثم عاطفياً، فيستبعد إمكانية انخراطه في أي علاقة عاطفية، وفي المقابل إن حدث ذلك، يستغرب، وكأنه أمر غير معقول أو مستحيل".

تتحدث سيلفانا عن الحب من وجهة نظر المعوَق وكيف تمتد الصعوبات إلى أن تطاول المشاعر، فليس من السهل على الشخص المعوق أن يجد شريكاً، وتلعب عوامل وظروف أخرى غير الإعاقة دوراً في الأمر مثل المستوى الاجتماعي والاقتصادي للشخص كأي شخص آخر، إلا أن المجتمع يحاول تكريس واقع يمكن تجاوزه، فبدلاً من أن يزرع في نفسه الطموح والآمال، يعمل على إحباطه وعرقلة سير الأمور ليبقيه أسيراً في مراكزه الرعائية، وإن خرج يبقى مأسوراً في القيود والصوت والصورة التي يصر المجتمع على امتلاكها نيابةً عن صاحبها.

(*) يُعرض الفيلم في مهرجان "شاشات الواقع" في دورته الـ18 الذي تنظمه جمعية متروبوليس ضمن سلسلة أفلام أخرى بدأ عرضها من 27 نيسان وستستمر حتى 7 أيار 2023 في "سينما مونتين" (المعهد الفرنسي في لبنان) و"غالاكسي غراند سينما". علماً أنه ستقام أيضاً سلسلة عروض في المناطق التالية: طرابلس (الرابطة الثقافية في 10 و11 أيار)، وصيدا (مسرح وسينما إشبيلية في 12 و13 أيار)، وحمّانا (بيت الفنّان حمّانا في 19 و20 أيار). وعُرض الفيلم مع وصفٍ صوتيٍ، مترجماً بلغة الإشارة أيضاً في صالة مجهزة لمرور الكرسي المتحرك.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها