الخميس 2020/01/09

آخر تحديث: 00:10 (بيروت)

كارلوس غصن الداهية على المسرح.. يشبه سياسيينا

الخميس 2020/01/09
كارلوس غصن الداهية على المسرح.. يشبه سياسيينا
رجل أعمال بشخصية حاكمة ومتحكّمة بلعبة الكلام (المدن)
increase حجم الخط decrease

قبل ساعات من موعد المؤتمر الصحافي لكارلوس غصن، كادت إحدى سيارات موكبه أن تدهس كاميرات المصوّرين المتجمهرين أمام منزله في الأشرفية. اجتاحت سيارة رباعية الدفع الرصيف المقابل للمنزل. لكنّ "الله لطف"، المصوّرون وأغلبهم من الجالية الصحافية اليابانية في قضية غصن، سلِموا. بقصد أو من دونه، كانت هذه أولى شرارات هجوم غصن على اليابانيين، دولة وقضاءً.
وبعد الظهر، نقل غصن مركز العمليات إلى نقابة الصحافة. هناك خرج عن صمته، بعد عشرة أيام من السكوت التام والروايات العديدة المنسوجة حول هربه الهوليوودي من طوكيو. ترك هذا الملف الدسم لوقت آخر. على الأرجح إلى وقت بعيد، ليتسنّى لتلك السيناريوهات بالتصاعد واللهو بين رواية صندوق موسيقي أو حفل تنكري نظّم خصيصاً للمناسبة، أو رواية تسوية كبرى بصياغة دولية لإخراجه من المأزق وحفظ ماء وجه المعنيين. بين الحقيقة ونسج المؤامرات أو كشفها، ليس غريباً أن يكون لبنان محطة غصن الدائمة. فهنا بلد يعشق المؤامرات، أو لنقل منطقة وأنظمة برمّتها تعتاش عليها.

النقابة حيّة!
كسر غصن سكون نقابة الصحافة أمس. كان العاملون في هذا القطاع على عتبة نسيان أنّ هذا المقرّ حيّ أساساً. حوّل نشاط غصن المكان إلى ثكنة من رجال الأمن، الرسميين والخاصين. حتى الكلاب البوليسية حضرت، وبينها جرو لا يفقه بالخطط الأمنية شيئاً. كلب بوليسي يهوى اللعب مع الزوار وتسليتهم في وقت الانتظار الطويل. فجمهور من الإعلاميين اللبنانيين والأجانب، بالمئات، ينتظر. أغلبهم ظلّ في الخارج، تحت المطر وفي مهبّ الريح فعلياً عند واجهة شطّ الرملة البيضاء. فكانت دعوات حضور المؤتمر الصحافي محددة وفقاً للوائح إسمية تناسب أصحابه. وحتى عدد ممن توفّقوا بإدراج أسمائهم على تلك اللوائح ووجهوا بالمنع لاكتظاظ القاعة. فتلك محشورة برجال الحماية وفريق عمل غصن. ظل مئات الصحافيين ينتظرون خارجاً يتنصّتون إلى ما يجري فيها عبر الهواتف. وعلى عكس النشاطات السابقة في النقابة، التي فيها ما يكفي من الرتابة وجمع الكلمات والوجوه، كان في النقابة وجه واحد أمس.

مسرح غصن
كارلوس غصن يقف وحيداً على المسرح ويقدّم قصته. رجل أعمال بشخصية حاكمة ومتحكّمة بلعبة الكلام، حرّيف في "سرقة الكاميرا". عكس شخصيته الصامتة التي تظهر في الصور الفوتوغرافية. ميزان الكاريزما مكسور، بين متحدث وصامت. تماماً كما الحال في اتّخاذ موقف من قضيته، معه أو ضدّه. هو فاسد أو ضحية فساد، ظالم أو مظلوم، فار من العدالة أو لاجئ سياسي هرب من اللاعدالة. لا وسطية ولا موضوعية في القضية. لذا ظهر وكأنه في محاكمة مضادة لتلك التي انطلقت في اليابان. ادّعاءان وجهتان متّهمتان ولا قاضي بينهما سوى الإعلام والرأي العام ومواقف حكومات وشركات بحجم اقتصاداتها وملياراتها. وعلى هذا المسرح لعب غصن في مؤتمر متنوّع اللغات والثقافات. هذه نسخة جديدة من لعبة الأمم. العربية، الفرنسية، الإنجليزية والبرتغالية. توجّه بنفسه إلى الصحافيين الموجودين طلباً لأسئلتهم. استعرض في التعبير والردّ على الأسئلة بلغات الحاضرين. وعندما تأخر الصحافيون البرازيليون عن توجيه أسئلتهم، سأل هو عنهم. عاش في اليابان 17 عاماً ولم يتقن لغتها. هذه رسالة مبطّنة وجّهها من دون أن يدري أنه قد يضطر إلى توجيهها يوماً. حتى أنه من بين الفرق الإعلامية اليابانية العديدة الموجودة في لبنان حالياً لمتابعة قضية غصن، لم يدخل منها إلا خمسة أفراد. وهؤلاء لم يأذن لهم غصن إلا بسؤال واحد في فقرة أسئلة الصحافيين. وخلال هذه الفقرة عرف غصن كيف يتملّص فيها من الأسئلة المهمة والحرجة. فهو سيّد هذه المحكمة هنا، وهو من يدير الجلسة ويتحكّم بتفاصيلها.

لماذا لبنان؟
تحاشى غصن الإجابة عن العديد من الأسئلة الأساسية والحساسة التي من شأنها أن توجّه حكم الناس في قضيته. كيف قطع البحار من اليابان؟ من سهّل تمويه رحلته من تركيا؟ لماذا اختار لبنان؟ ما الضمانات التي تلقاها للحضور إلى لبنان؟ ومِن مَن؟ من هي القيادات السياسية التي التقاها في بيروت؟ اكتفى بالقول إنه يريد حماية من حماه وساعده على الهرب من طوكيو، وإنه غير معني بالإفصاح عن لقاءاته بالسياسيين اللبنانيين، وإنه سعيد بوجوده في لبنان ويفضلّه على السجن الذي كان فيه. لكن فعلياً، لماذا لبنان؟ لأنّ فيه من يحميه علناً، وفيه أيضاً مشاريع مالية يمكنه من خلالها الاستمرار في نشاطه التجاري. لأنّ أركان السلطة ينقصها "داهية" بهذا الحجم. هنا يملك عقارات وشراكات وحصص مصرفية. هنا، هو شبيه برجال السلطة. فبين لعبة العقارات والبناء، شركات النبيذ وحصص الأسهم في المصارف، هو رجل دولة بالمعنى الحرفي والتقني والفعلي. هم يملكون مصانع نبيذ، وهو كذلك. هم شركاء في المصارف، وهو كذلك. هم يديرون لعبة "الريل استايت"، وهو كذلك. لو انه يتفوّق على سواه، وبأشواط، في النجاحات وإدارة المؤسسات. وقد يكون الفارق الوحيد بينهم، أنه قدموا من عالم السياسة إلى المال والإدارة الخاصة والعامة، في حين أنه فعل العكس. أما اللعبة الطائفية وتمثيلها، فلا حاجة إلى التذكير بأنّ القيادات المسيحية تسارع إلى الترحيب به. وكذلك الجمهور العام لهذه الطائفة الذي اعتبره منه منذ صعود نجوميته. وعند الأزمة، فـ"يا غيرة الدين". لا يريد منصباً ولا دوراً سياسياً بحسب ما يقول، إلا أن التجارة والأعمال من صلب السياسة هنا. 

ومن المنتظر أن يمثل غصن اليوم أمام النائب العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، للاستماع إلى إفادته حول النشرة الحمراء الصادرة عن الانتربول وأخذ إفادته في الإخبار المقدم بحقه لدخوله إسرائيل والاجتماع مع عدد من القيادات الاسرائيلية.
يملك كارلوس غصن "إكسيراً" بعض اللبنانيين موعودون به. أو هكذا هم يتوهّمون. من بيروت يريد تبييض سمعته. من الأيام الأولى أتقن، بحرفية، اللعبة في لبنان. فسارع إلى الاعتذار من اللبنانيين وانزعاجهم من زيارته إسرائيل، باعتبارها زيارة اقتصادية اضطرارية بهويته التجارية الفرنسية. هذا رجل أعدّ جيداً لظهوره الإعلامي الأول، واسمه وقضيته وكل ما فيه لا يوحي إلا بأنه من الدهاة. داهية بثقافات ولغات ومحاور متنوّعة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها