الإثنين 2019/05/20

آخر تحديث: 00:06 (بيروت)

بعيداً عن اللغو اللبناني: اللاجئون السوريون والتجربة البلغارية

الإثنين 2019/05/20
بعيداً عن اللغو اللبناني: اللاجئون السوريون والتجربة البلغارية
العمل لإيجاد أرضية صلبة وآليات فعالية لإدماج اللاجئين (Getty)
increase حجم الخط decrease
تتناقص أعداد اللاجئين باضطراد في بلغاريا، إذ تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن عدد طالبي اللجوء حقق أعلى مستوياته في عام 2015، حين بلغ 20391 شخصًا، مُنح 5597 منهم وضعية اللجوء أو الحماية، وكان أغلبهم من السوريين، بينما انخفض العدد في العام الماضي إلى 2536 طالب لجوء، قُبل منهم 720 شخصًا فقط، أي أقل من قرابة نصف حصة بلغاريا البالغة 1302 لاجئ بموجب اتفاقية الاتحاد الأوروبي لإعادة التوطين.


الإرادة والتضامن
بالرغم من هذا الانخفاض، واعتماد الحكومة البلغارية "نظام إدماج اللاجئين" أواسط عام 2017، لا يزال موضوع الهجرة واللجوء من الموضوعات الساخنة في المجتمع البلغاري، ولا يزال اللاجئون يشكلون مصدر قلق ومخاوف عدة لدى المجتمعات المحلية، نتيجة لاختلاف الديانة والبيئة الثقافية، ولا يزال البعض منهم عرضة لأعمال العنف والمضايقات، وفقاً لتقارير المنظمات الحقوقية الدولية، مع أن قرابة 93 بالمئة من البلغاريين، لم يسبق لهم أن التقوا بأي لاجئ، حسب استطلاع للرأي أُجري في العام الماضي.

ما العمل لإدماج اللاجئين، وما هو دور الإعلام ومنظمات المجتمع المدني في الحد من ظاهرة الإسلاموفوبيا وخطاب الكراهية؟ سألت المحامية البلغارية فاليريا إيلارِفا، الأخصائية الدولية في شؤون الهجرة واللجوء، ومديرة "مؤسسة الوصول إلى الحقوق" أو اختصارًا "فار"، قالت: الإرادة والرغبة والتضامن، هو كل ما نحتاجه لتجاوز إشكالات ما بات يُعرف بـ"أزمة اللجوء". أن نكون شفافين في طرح قضية اللاجئ، وأن نبحث عن نقاط الالتقاء لا الخلاف، ونعمل على إيجاد أرضية صلبة وآليات فعالية لإدماج اللاجئين.



حقوق اللاجئين
وحدثتنا إيلارِفا حول إسهام "فار" فيما يتعلق بقضايا اللجوء، قالت: "فار" مؤسسة حقوقية مستقلة، من هيئات المجتمع المدني، قامت عام 2013، وأفضل الأوقات في عملنا حين تتوفر لدينا الإمكانية المادية لتحقيق أفكارنا، حدث ذلك بين عاميّ   2015 و2016، حين عملنا على مشروع زيادة الوعي بحقوق اللاجئين، وأقمنا العديد من المحاضرات واللقاءات، ليس فقط للعاملين مع اللاجئين، إنما أيضا للقانونيين والمشرعين وطلاب الجامعة، كما أصدرنا مجموعة كتيبات بالعربية والبلغارية والإنكليزية والفارسية والآردية لشرح إجراءات طلب الحماية، وكيفية وصول اللاجئين إلى حقوقهم أثناء تقديم الطلب، ومن بعد حصولهم على وضعية اللاجئ أو الحماية الإنسانية.

كذلك، أصدرنا كتاباً حول حق الاستماع إلى المهاجرين غير الشرعيين المحتجزين. فمن حيث المبدأ، لا تجيز القوانين أن يذهب الإنسان المهدد بالخطر إلى سفارة بلد ما ويطلب الحماية، فيضطر إلى الالتفاف على القانون، إما بطلب فيزا سياحية للدخول إلى بلد أجنبي، وعند الوصول يقوم بتقديم طلب اللجوء، أو من خلال التسلل غير الشرعي للحدود، وهنا يعُامل طالبي اللجوء كمهاجرين غير شرعيين ويتم احتجازهم. في الكتاب لم نتناول حق الاستماع من الناحية النظرية فقط، بل قمنا بالاستماع إلى الكثير من المحتجزين، واخترنا عشر حالات للدراسة، من ضمنها حالة الشاب السوري الكردي خليل، الذي احتًجز لمدة أربعة شهور في مركز "بوسمَنتي"، وهو يبلغ من العمر 26 عامًا، ويحمل الهوية السورية ودفتر التجنيد والبطاقة الجامعية، واكتشفنا أنهم تعمدوا إطالة مدة احتجازه، كي يساعدهم في الترجمة، لكونه يتحدث العربية والكردية والقليل من الإنكليزية، من دون أن يدفعوا له أجر أتعابه.

حظوظ السوريين
مع ذلك أكدت السيدة فاليريا أن السوريين هم الأوفر حظًا من بين جميع طالبيّ اللجوء في بلغاريا، نظرًا لأن سياسة الدولة تعتبرهم أشخاصًا تنطبق عليهم شروط اللاجئ. العقبة الأولى أمامهم أن يدخلوا الحدود البلغارية، وان يُسمح لهم بالبدء بإجراءات طلب الحماية. وحين يحصلون على وضعية اللاجئ أو الحماية الإنسانية، فإن جميع الإشكالات التي يواجهونها هي ذاتها التي يواجهها بقية اللاجئين. وهنا تبدو إجادة اللغة البلغارية عاملًا حاسمًا في عملية الاندماج الاجتماعي، والدخول إلى سوق العمل، وصولًا إلى طلب الجنسية البلغارية. كنت شاهدة كيف يحاول اللاجئون السوريون تعلم البلغارية، بالانضمام إلى الدورات التي تُقام في "كاريتاس" أو "الصليب الأحمر". ويحزنني أن بعضهم لم يتمكن من العثور على فرصة عمل مع أنهم يتمتعون بكفاءات ممتازة.

واستطردت إيلارفا: هذا لا يعني عدم وقوع بعض الأحداث الأليمة، كما جرى حين رفضت بلدية إيلين بيلين استقبال عائلة سورية، مع أنها كانت قد مُنحت وضعية الحماية الإنسانية. لكن هذا يحدث ليس بسبب عداوة البلغار للاجئين، إنما بسبب استغلال مخاوف الناس من الغرباء، أثناء الحملات الانتخابية، لكسب أصوات الناخبين، تحديدا في أوساط ما يُعرفون بـ"الوطنيين" أو اليمين المتطرف.

أضافت: علينا القيام بأنشطة وفعاليات لتقديم نماذج حية من اللاجئين كي يتعرف عليهم البلغار، ممن ليست لهم علاقة مباشرة بهم، بحيث حين يُذكر اللاجئ لا يشكل مصدر قلق وتساؤل لديهم. بهذا الخصوص نعمل على موقع إلكتروني يدعى "حياة اللاجئ"، لا يزال قيد التأسيس، وباللغة الإنكليزية، وسوف تُضاف إليه لاحقًا العربية والفارسية والآردية، وهو غني بالمعلومات التي يحتاجها اللاجئ من الطوارئ إلى الطبابة فدورات اللغة وفرص العمل، وكل ما يساعده على عملية الاندماج، والتعبير عن ذاته من خلال التفاعل الحي. وبالتوازي مع العمل على الموقع، نقوم أيضًا بوضع خارطة لتجمعات اللاجئين والمنظمات العاملة في هذا الحقل، كي نصبح أكثر قوة، ونوحد أهدافنا وجهدنا.

عن جرائم الكراهية
سألتها، إلى أي مدى تستطيع المنظمات الحقوقية المستقلة الدفاع عن اللاجئين الذين تعرضوا للمضايقات أو للممارسات العنفية؟ أجابت: للأسف ليس لدينا الإمكانية الكافية للتصدي لجرائم الكراهية والتحرش. نحاول البدء، وشاركنا مؤخرًا في مؤتمر على المستوى الأوروبي، جمع الكثير من منظمات المجتمع المدني، ولم يقتصر الاهتمام على موضوع اللاجئين والمهاجرين، بل أيضًا على "الروما" وملوني البشرة والمثليين، وجميع الفئات المستضعفة اجتماعيًا، التي غالبًا ما تكون هدفًا للتحرش وجرائم الكراهية، وتوصلنا إلى ضرورة تأسيس تحالف بين جميع الهيئات العاملة في مجال حقوق الإنسان، من أجل أن نشكل قوة وازنة على الأرض، تتولى توثيق جرائم الكراهية، والتحقيق بشأنها ومقاضاة الجناة.

المشكلة هنا أن الضحية التي استُهدفت تكون خائفة، ويجب أن تشعر بقدر كبير من الحماية حتى تدلي بشهادتها، والمشكلة الأخرى أنه في بلغاريا لا توجد معلومات كافية حول هذا النوع من الجريمة، ولا تزال تُعامل على أنها أفعال مخلة بالآداب العامة، مع أن الحقيقة أن المثليين الذين تُكسر نوافذ بيوتهم باستمرار، لا يتعرضون لذلك بسبب "زعرنة" البعض، إنما لكونهم مثليين، ويُعتدى على اللاجئين لكونهم لاجئين، كذلك يُضرب ملوني البشرة بسبب لون بشرتهم السوداء، والذين يشعلون مساكن طائفة الروما، يعلمون أنها مساكن عشوائية، لا يستطيع أصحابها ان يتقدموا بشكوى ضدهم، بالرغم أنهم يفقدون المكان الوحيد الذي يمتلكونه للعيش.

عديمو الجنسية
وماذا عن مشروع عديميّ الجنسية الذي تعمل عليه مؤسسة "فار"، وهل هناك قادمون من سوريا بين الحالات التي تدرسونها؟ سألتها، قالت: للمرة الأولى أضحت "فار" شريكة للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، وعلينا واجب تقديم استشارات قانونية مجانية لعديميّ الجنسية، أي الأشخاص الذين ليسوا مواطنين لأية دولة، والذين يواجهون صعوبات كثيرة في تسيير أبسط أمورهم، لأنهم لا يملكون وثائق شخصية، ومن بين الحالات التي نعمل عليها هناك عدد من الأشخاص الذين ولدوا في سوريا أو عاشوا فيها، لكنهم لا يحملون الجنسية السورية، والمفاجئ أنهم ليسوا من أصول كردية، إنما فلسطينيون يحملون مجرد وثيقة سفر لاجئ فلسطيني.

عديمو الجنسية مسألة مستحدثة في القانون البلغاري، فمنذ عام 2017 أصبح بالإمكان تقديم طلب للحصول على وضعية عديم الجنسية، تمامًا مثل طلب الحصول على وضعية الحماية الإنسانية أو اللاجئ، فيمر المتقدم بمرحلة التسجيل والاستماع ودراسة الطلب. وفي حالة الموافقة، يُمنح عديم الجنسية حق الإقامة التي يجري تجديدها سنويًا، كما يُمنح وثائق شخصية لتسيير أموره، وهذه خطوة إيجابية جدًا بالنسبة لأولئك الذين لا تنطبق عليهم شروط اللجوء، وليس لديهم أي بلد يعودون إليه.

ما مدى دقة ما يُشاع من أخبار بين أوساط اللاجئين السوريين حول نية دول اللجوء في إعادتهم إلى سوريا؟ سألت السيدة إيلارفا في ختام حوارنا، قالت: نحن نتشارك مع العديد من الجهات الأفكار والمؤتمرات، ولم يحدث أن وقع سمعي على مثل هذا الكلام. لكن من حيث المبدأ، وضعية الحماية واللجوء ليست وضعية دائمة، إنما هي وضعية مؤقتة، وبديلة عن حماية البلد الأصلي، وتنتهي في اللحظة التي تنتهي فيها مسببات اللجوء، لذلك فعلى الراغبين في الاندماج والبقاء في بلغاريا، التقدم لطلب الجنسية عند استيفاء الشروط.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها