الخميس 2019/12/12

آخر تحديث: 12:15 (بيروت)

العنف ضد المرأة وحده يكفي لإسقاط الأنظمة العربية

الخميس 2019/12/12
العنف ضد المرأة وحده يكفي لإسقاط الأنظمة العربية
العراقية زهراء علي سلمان (19 عاماً) عُذّبت حتى الموت
increase حجم الخط decrease
كم شعرتُ بالسخط وأنا أقرأ خبر اختطاف الشابة العراقية زهراء علي سلمان، وتعرضها للصعق بالكهرباء، والضرب بالآلات الحادة لسبع ساعات، حتى تكسرت عظامها وفارقت الحياة، وهي لا تزال في التاسعة عشرة من عمرها، لمجرد أن والدها كان يصحبها معه إلى ساحة التظاهر في بغداد. في أي زمن نعيش؟ وما هذه الحكومات الفاشلة التي تتناسل وحوشًا مجهولين، يهدرون دمنا، ويواصلون عيشهم آمنين؟

لم يمضِ يومان على تلك الجريمة البشعة حتى صادفتُ مقطعًا مصورًا في "تويتر" لشيخ يتوعد الإعلامية اللبنانية ديما صادق، بالصلب والحرق وتقطيع الأطراف، في سياق حملة التنمر والتشهير التي تستهدفها منذ انضمامها إلى المنتفضين. حملة تصدرها وسم "ديما الواطية"، و"المجد لإزعاجها"، وتخللتها سرقة هاتفها الذكي، واتهمت بالعمالة لإسرائيل. ولا أدري كيف يبيح لنفسه رجل دين أن يحرض على العنف والقتل جهارًا؟ بدلًا من أن ينشر خطاب المحبة والتسامح بين الناس. 

أتأمل صور الجميلتين زهراء المحجبة، وديما السافرة، وتحضرني آلاف الناشطات السلميات، المعتقلات والمخطوفات والمقتولات بالتعذيب أو بحجة غسل العار، لأن أصواتهنّ ارتفعت للمطالبة بأبسط حقوق المواطنة في بلداننا العربية، وأشعر بالقلق والخوف من المجهول الذي يحيكه لنا هذا الطغيان الأسود، ومن ارتداداته الوخيمة على العلاقات الاجتماعية في ما بيننا. أستعيد تفاصيل عام يشارف على النهاية، كان مليئًا بأحداث العنف ضد الإناث من مختلف الأعمار. 

لن أنسى أبدا المأساة التي ألمت، أوائل نوفمبر الماضي، بـ"سيدة جرش" فاطمة أبو عكليك، المرأة الأردنية الطيبة، البسيطة، ذات السبعة والثلاثين عامًا، والتي عانت طويلًا من العنف الأسري لأجل أطفالها، وانتهى بها المطاف بأن هددها زوجها وابن عمها بذبحها وذبحهم، قبل أن يغيّر رأيه ويقتلع عينيها الاثنتين، ويبقيها ضريرة مدى الحياة، لأنها اشتكت لأهلها سوء معاملته. وليس بوسعي أن أفسر كيف حلت هذه الأبوة المجرمة مكان الأبوة الرحيمة؟ ولا يسعني أن أتخيل حجم الرعب والألم الذي عاشته فاطمة وأولادها أثناء تعرضها للجريمة، ولا التداعيات المستقبلية على صحتهم النفسية. هذا إذا افترضنا جدلًا أنهم سيجدون الحماية والرعاية التي يستحقونها لمواصلة العيش.

في إحدى مقالاتها كتبتْ بادية هاني فحص: "أنا واحدة من مئات الأمهات، اللواتي جارت عليهنّ المحاكم الدينية باسم الله والأنبياء والكتب السماوية". فقد حُرمت هذه السيدة من رؤية ابنها 11 عامًا، بمقتضى قانون الأحوال الشخصية للطائفة الشيعية في لبنان، الذي يمنع المطلّقة من حضانة ابنها بعد بلوغه سن العامين. وحين شاركتْ في مظاهرات النبطية بجنوب لبنان، رفعت لافتة كتبت عليها: "بدي شوف ولدي". وأثارت تعاطف المتظاهرين الذين بحثوا عنه في شوارع البلدة الصغيرة، وأتاحوا لها فرصة اللقاء به بعد طول فراق. سألتْه: أتعرفني؟ فرد بنعم، وقبل أن تضمه إلى صدرها وتطبع قبلة على جبينه، قامت ابنة عمه التي ترافقه بتوبيخها وتوبيخه، وسحبته بعيدًا منها. دمعت عيناي وأنا أقرأ قصة بادية التي نشرتها في "فايسبوك"، ولم أعثر على الحكمة من تطبيق حكم جائر كهذا، يخالف قوانين الطبيعة والأحاسيس البشرية وحقوق الإنسان، سوى الإمعان في تعذيب المطلّقات نفسيًا وعاطفيًا. 

العنف والتمييز على أساس النوع الاجتماعي ظاهرة قديمة ومنتشرة في بيوتنا ومدارسنا وحياتنا العامة، ترعاها وتحميها النظم الاستبدادية الفاسدة، وتعود إلى ربط مفهوم التربية والتنشئة الصالحة بالتعنيف وطاعة أولي الأمر، بدلًا من التوعية والحوار والبحث عن مسببات الخلل في النفس والسلوك. وأشكال العقاب لتأديب الإناث، تتخطى حدود الإهانة والتنمر والضرب، إلى استلاب كامل أو جزئي للحرية الشخصية والحقوق المدنية، قد يصل أحيانًا إلى حالات مشينة من العنف الهستيري، كتشويه الأعضاء التناسلية، والرجم بالحجارة، والرشق بالمواد الحارقة، وارتكاب ما يُعرف بـ"جرائم الشرف"، تحت سقف من التواطؤ المخزي بين أجهزة القضاء والمؤسسات الدينية الرسمية.

ربما يصعب على الأسوياء تخيل العنف الوحشي الذي أودى بحياة الطفلة المصرية، جنة، ذات الخمس سنوات، وكاد أن يودي بحياة شقيقتها أماني التي تكبرها بعام. الطفلتان كانتا تقيمان بمنزل جدتهما لأمهما فى قرية بساط الدين، بموجب حكم قضائي بعد انفصال والديهما الكفيفين. ولدى دخولهما إلى المستشفى بحالة إسعاف في أيلول الماضي، أثبتت التحقيقات والكشوف الطبية أن الكدمات والأورام والحروق على جسديهما كانت نتيجة تعرض الطفلتين للضرب المبرح والحرق والكي في أماكن حساسة على يد الجدة، عقابًا لجنّة على تبولها اللاإرادي، وعقابًا لأماني بسبب فتحها الثلاجة وتناولها القليل من الأرز. 

وقبل ذلك بشهر تناقلت الصحافة المصرية، حادثة رجل استدرج ابنتيه الجامعيتين إلى ترعة الجيزواية وذبحهما، ثم سلم نفسه إلى الشرطة ومعه أداة الجريمة الملطخة بدماء الضحيتين، موضحًا للمحقق فعلته الشنيعة بقوله: "جريمة شرف يا بيه.. سمعتهم بيتكلموا في التليفون مع شباب... غسلت عاري وذبحتهما خوفًا من الفضيحة". 



وبجريمة غسل العار قُتلت أيضا الشابة الفلسطينية إسراء غريب في مدينة بيت لحم، قبل أن تكمل عامها الحادي والعشرين، بعدما اتُهمت بالجنون ومحاولة الانتحار، وتعرضت للضرب حتى الموت على أيدي ثلاثة من شبان عائلتها، فقط لأنها نشرت صورتها مع خطيبها في مواقع التواصل الاجتماعي، قبل يوم من موعد زفافهما. 

ولم تكن "طفلة بردى" في مقطع الفيديو، الذي نشره رامي القاعد في مواقع التواصل، أواخر آذار الماضي، سوى التعبير الأصدق عن حطام سوريا الذي صنعته ديكتاتورية الأسد. ابنة حي الشاغور، الذي استعاده النظام من فصائل المعارضة، فقدت أمها واعتُقل والدها، ووجدت نفسها شريدة بلا أدنى حماية أو رعاية، تتمدد وحيدة بالقرب من نهر بردى وسط العاصمة دمشق، وتشم السموم المخدرة في مادة لاصقة تُدعى "الشعلة"، من دون أن يكترث لأمرها أحد، قبل أن يستفزها المصور بأسئلته عن أسرتها، وتسقط في النهر، وتنخرط في نوبة حادة من البكاء المرّ. وليس في مقدوري أن أخمّن كم كانت دموع هذه الصغيرة تخفي من الحرمان والخوف، وقصص الاعتداء على جسدها الغض.. والتي ربما ستبوح بها يومًا تحت وسم "#أنا_أيضا" إن قُدّر لها أن تنجو وتكبر.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها