الإثنين 2019/11/18

آخر تحديث: 00:30 (بيروت)

سيدات الثورة "سفارات" كثيرات من بيروت إلى عاليه!

الإثنين 2019/11/18
سيدات الثورة "سفارات" كثيرات من بيروت إلى عاليه!
نساء يرفدنَ الثائرين بالقوة (المدن)
increase حجم الخط decrease

غالبا ما يُسلَّطُ الضوء حصراً على المعتصمين والمتظاهرين في الساحات وعلى الطرقات، وتلتقط الكاميرا صوراً ومشاهِدَ تُوثِّقُ في "ذاكرتها" يوميات الثورة، لكن خلف المشهد وبعيداً عن الضوء، هناك نساء يرفدنَ الثائرين بالقوة ليبقوا على ثبات مواقفهم، هنّ اللواتي ساهمنَ برسم معالم هذه اللوحة وإن حَجبْنَ أنفسهن عنها طوعاً، دأبهنّ أن يكنّ حاضرات في "كواليس" الحراك، يعدنّ الطعام، وجبات ثلاث ولا يعتريهن التعب، شهراً ونيف؟   

نتحدث عن شابات وسيدات اضطلعن بدورهن وتطوعن تأكيداً على أن ثمة حاضنة شعبية للناس. سيدات وشابات تحولن "سفارات" متنقلة، تتلقى دعما من "قجة" أولادها، أو مما تيسر من مال المتبرعين، وثمة أكثر من مثال، من بيروت إلى الجبل، وكذلك في كل لبنان من الشمال إلى الجنوب والبقاع.

مع انطلاق الاحتجاجات في أيامها الأولى، وقفت فتاة أمام "رون بوان" عاليه، وقالت للمعصتمين ممنوع أن نحرق إطارات بعد اليوم ونلوث الهواء، نريد "نقلة رمل" وعلى كل الحاضرين التبرع بألف ليرة، لتنطلق بعدها ظاهرة "العونة" غير البعيدة عن تقاليد القرى وأعرافها، وقد استعيدت شكلاً من أشكال الدعم والتعاضد الاجتماعي. لكن هذه المرة في رحاب قضية وطنية أكبر وأعم.



ربيز: خطة عمل أسبوعية
في بيروت، وتحديدا في ساحة الشهداء، تحولت "خيمة لبنان ينتفض" إلى نقطة جذب، وقد أخذت على عاتقها تأمين وجبات الطعام لحوالى 250 شخصاً من المتظاهرين، ولا سيما أولئك الذين يرابطون في الساحات ليلاً، وانطلقت هذه المبادرة بهمة الناشطة باولا ربيز وبعض السيدات والشابات.

وقالت ربيز التي تنظم الأعمال في الخيمة، وتعمل في مجال العلاقات العامة، لـ"المدن": "من خلال اتصالاتي تمكنت من تنظيم وإعداد خطة عمل أسبوعية لتأمين الطعام البيتي يومياً بالتناوب بين حوالى 20 سيدة، نعمل جميعنا يداً واحدة".

وأشارت إلى أن "هناك خيماً أخرى توفر الطعام ومنها خيمة (مطبخ البلد) تؤمن الطعام لحوالى 1500 شخص تقريباً، ولثلاث وجبات، وخيمة مجموعة Recycle Lebanon التي تقوم بتحضير وإعداد الطعام، فضلا عن التعاون مع مطاعم لتوزيع الطعام مجاناً على من يشارك في التظاهرات في الساحة".

وقال أحد المشاركين في التظاهرات: "أصبحت الساحات هذه للشعب ولو مؤقتاً، بعد أن كانت حصراً لبعض الأشخاص الذين يستطيعون أن يرتادوا المطاعم الفاخرة، وأن يركنوا سياراتهم الفارهة في المواقف المحيطة بالساحة".



"رون بوان" عاليه
في ساحة الثورة في مدينة عاليه، يستمر الاعتصام بمشاركة من أبناء وسكان عاليه والجوار، وخصوصا من النساء والشباب في مقتبل العمر، وقد تحول الاعتصام ساحة لفاعليات فكرية نوعية، وفرت مساحة حوار ونقاشات عبر لقاءات وندوات، وباتت أقرب ما تكون إلى "هايد بارك" ثقافي، تتبلور فيه الأفكار من طبيعة الصراع السياسي إلى أصول وآداب الثورة، وسط بيئة حاضنة، ترفد اللقاء كل يوم بفعاليات متنوعة وأفكار جديدة، وهي استضافت على سبيل المثال الخبير الاقتصادي الدكتور كمال حمدان، ونزار صاغية في محاضرة "تعو نحكي سياسة وقانون، الفرق بين نظام الزعماء ونظام الدولة"، وسهرة مع الفنان خالد الهبر، والخبير الاقتصادي رئيس قسم الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الأميركية الدكتور غسان ديبة.

ومنذ الأيام الأولى والنساء يساهمن بتوفير الطعام والشراب من مناقيش وشاي وسحلب، وبعضهن يحضرن الطعام مباشرة من مطابخهن، فيما تبرع محل تجاري بالخيم. وجمعت التبرعات لزوم النشاطات المختلفة، ومن بينها المشاركة في ساحات الاعتصام في بيروت، أو المشاركة بالنشاطات الجامعة في ساحة النور طرابلس، وثمة من شارك في مسير مرج بسري رفضاً للسد، فضلاً عن أنشطة كثيرة أبعد من مدينة عاليه.

الدكتورة نجم: من حرب تموز إلى الثورة
ثلاث سيدات في واجهة العاملات على دعم المشاركين في الاعتصامات اليومية، إضافة إلى غيرهن ممن يتناوبن على العمل يومياً، وهن المربية (مديرة متوسطة بتاتر الرسمية سابقاً) مها الذيب، والدكتورة سميرة نجم (مديرة سابقة لفرع الحزب التقدمي الاشتراكي في عاليه) وشقيقتها نوال. وانطلقت المبادرة بلفتة رمزية أولاً، إذ قمن بتحضير السحلب والكعك وتوزيعه على المشاركين بالتظاهرات، فضلا عن الفواكه والعصير واللفائف والشوكولا، وذلك رداً على ما أشيع عن "دعم السفارات" للحراك.

وقالت الدكتورة نجم لـ"المدن": "ما زلت على مبادئ حزب المعلم الشهيد كمال جنبلاط، وأنا اليوم مواطنة لبنانية مشاركة في الثورة وأقوم مع زميلات وصديقات بدوري لا أكثر ولا أقل"، وعادت نجم بالذاكرة إلى عدوان تموز 2006، وقالت: "كنت أوزع الدواء على أهلنا النازحين من الجنوب وعالجت الكثير منهم مجاناً، وساعدنا بأمور كثيرة وقتها، وهذا واجبنا الوطني والإنساني".

وقالت: "أنا مواطنة من لبنان قبل أن أكون في الحزب، ومحاربة الفساد مطلب ومهمة، وأنا مع مساءلة كل شخص، وأيا كان ومهما علا شأنه، وأبدأ ببيتي أي بحزبي قبل غيره، ويجب أن ننظف الحزب التقدمي الاشتراكي. فلا يمكننا انتقاد أي شخص من أي حزب آخر إن لم أتكلم عن فساد مسؤولين كباراً في حزبنا، بعضهم وزع في عرس ابنه بقيمة 200 ألف دولار شوكولا. حرية ضميري قبل الحزب، وتعصبي للبنان قبل حزبي، لبنان أولاً".



الشيخة نجد: لا خيار إلا الثورة
الشيخة رنا نجد التي تحضر السحلب للشباب المعتصمين عند مفترق العبادية على الطريق الدولية (بيروت – دمشق)، قالت لـ"المدن": "لم يعد لدينا أي خيار، فالبلد على شفير الهاوية والإفلاس في ظل سياسات ساهمت في إفقار الناس"، وأشارت إلى أن "هناك مزارعين خسروا مواسمهم وتراجعت أحوالهم وبعضهم يعاني العوز، بعد أن بارت البساتين بسبب سوء الإدارة لهذا القطاع المنتج"، لافتة إلى أن "حال الصناعيين والحرفيين ليس بأفضل، فلا دعم ولا اهتمام بالقطاعات التي توفر حداً أدنى من أمن اجتماعي".

ورأت نجد أن "جميع من في السلطة يتحمل مسؤولية ما وصلنا إليه"، قائلة: "إن هذه الثورة تخصنا وتعنينا جميعاً، ومن واجبنا المساهمة في دعمها بقدر ما نستطيع، ونطلب من الله أن يقدرنا على تقديم المزيد".

هريسة في العبادية
عند مفترق العبادية، وفي موقع آخر على الطريق الدولية، قامت ثلاث نساء بتحضير "الهريسة" للشباب المعتصمين، لكنهن ولاعتبارات مجتمعية آثرن عدم ذكر أسمائهن، وهن يتناوبن لتحضير الطعام البيتي ولا سيما الوجبات الساخنة.

سيدة ستينية عرفت عن نفسها بـ"أم ربيع منذر" أشارت إلى أنها فقدت ابنها منذ 13 عاماً وتعمل لإعالة بيتها في تحضير الطعام للمطاعم والمناسبات، وقالت: "لو كان ربيع حياً لأرادني هنا، أنا مع أخوة ربيع في الوطن الذي نطمح أن يكون أفضل وهذا ما ننتظره من الثورة". وتقوم أم منذر بتحضير الطعام بصورة شبه يومية.

التقينا ريما أبو سعيد شهيب في مدينة عاليه، حين أحضرت اللحم بعجين ولبن العيران. رفضت بادىء الأمر الحديث، لكنها عادت وقالت: "لم يعد لدينا من خيار آخر إلا هذه الإنتفاضة الشعبية، ولأنني لا أستطيع أن أكون مع أولادنا في ساحات الاعتصامات، فهذا أقل ما يمكن أن أقوم به".

من أجل حياة أفضل
وأكدت إحدى النساء من بلدة العبادية أن "ما أقوم به ليس للمجاهرة. فالحسنة أفضل إن ظلت مخفية، كما لا أريد أن أنسى أحداً ممن ساهم معنا كسيدات ومواطنين"، لافتة إلى أن "ما نقوم به هو أقل المطلوب تجاه أولادنا وإخوتنا وأهلنا، ممن لم يتوانوا عن المشاركة في الساحات والتظاهرات".

وكانت قد أحضرت الحلويات البيتية كالصفوف والنمورة والكيك بعد الظهر، علما أنها كانت قد أعدت الفول صباحاً، وأكدت أن العبادية (قضاء بعبدا) معروفة بتنوعها الحزبي والطائفي والتي يقدر عدد عائلاتها بالثلاثين، وقالت: "ساهم الكثير من هذه العائلات بتأمين الطعام والشراب وكافة المستلزمات للشباب ليبقوا في الساحات التي تحتاجهم من أجل حياة أفضل".

تجدر الإشارة إلى أن بعض المحال التجارية توفر بدورها الدعم للمتظاهرين من مساعدات عينية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها