الإثنين 2019/11/18

آخر تحديث: 00:31 (بيروت)

أحد التحدي السلمي.. الليل للاحتفال والشموع للشهداء

الإثنين 2019/11/18
أحد التحدي السلمي.. الليل للاحتفال والشموع للشهداء
ليلة توزعت بين نشوة انتصار المحامين وحزن ذكرى شهداء الثورة (المدن)
increase حجم الخط decrease

احتشد عشرات آلاف المواطنين والمواطنات في بيروت للتأكيد على استمرار الثورة. دخلت الأخيرة شهرها الثاني والناس في الشارع، ولو بوتيرة متفاوتة. عادت وملأت ساحتي الشهداء ورياض الصلح تحت عناوين عديدة "أحد التحدي السلمي" أو "أحد الشهداء" أو "أحد التحدّي". لكن الأكيد أنّ الساحة تحوّلت مساءً إلى منصّة للاحتفال بنصر الثوار في نقابة المحامين.

من التعب إلى الاحتفال
كانت أجواء الساحتين في الساعات الأولى من بعد ظهر الأحد توحي وكأنّ الإحباط مخيّم على من حضر. أعداد قليلة، بالآلاف، تتنقّل بين الساحتين وتسأل عن الناس. أين الناس؟ ملّت؟ لماذا لم يحضروا بعد؟ الأكيد أنّ الجمهور تعب. لكنه لم يملّ، ولن يملّ طالما أنّ عجلة تحقيق الانتصارات على السلطة تدور. وهنا الأساس، تحقيق النقاط على أحزاب السلطة. انتصار تلو آخر في شتّى القطاعات والمجالات. أن ينتصر المحامون الأحرار في نقابتهم في بيروت مشهد أهمّ من تنظيم مليونية في العاصمة؛ وكذلك الأمر بالنسبة لإسقاط اسم محمد الصفدي لرئاسة الحكومة أو تعطّل القطاع المصرفي.

فالثورة بحاجة إلى جمع النقاط أولاً وتكريس المكتسبات ثانياً. ولا يكون ذلك إلا من خلال محطّات أو بتراكم الانتصارات المتتالية. لم تنتقل الثورة بعد إلى حدّ القيام بالفعل، ويقتصر الجهد على ردّ الفعل. قام الثوار بالفعل الأساس، تفجير الثورة والباقي متروك لرد الفعل على السلطة. إلا أنّ الأخيرة لا تنفكّ عن القيام بأفعالها ليكون الردّ مناسباً في إسقاط توجّهاتها ومحاولات ضرب حركة الناس. أفعال سلطوية على شكل الجلسة التشريعية المقرر عقدها يوم غد الثلاثاء لتمرير قانون العفو العام. وهذه مناسبة جديدة لمحاولة كسر السلطة وأحزابها وكتلها النيابية. مناسبة أشبه بمباراة في "كأس العالم" حيث تمنع القوانين نتيجة التعادل. وحيث ثمة غالب ومغلوب ولا خيار للثوار أمامهم سوى الفوز للاستمرار في بطولة إسقاط السلطة، على اعتبار أنّ تمرير "العفو العام" يعني تبرئة المرتكبين السلطويين من جرائهم المالية والبيئية والفساد ونهب المال العام.



بين النشوة والحزن
جاء مشهد الساحتين أمس بين نشوة انتصار المحامين من جهة، وحزن ذكرى شهداء الثورة من جهة أخرى. في المشهد الأول قوّة دفع ومعنويات، وصل ذروته عند وصول النقيب المنتخب، ملحم خلف، إلى خيمة لجنة محامي الثورة في موقف العازارية. وعلى هتافيّ "هيلا هيلا هو... إجا النقيب يا حلو" و"ثورة ثورة شعبية... عملوها المحاميّي" تقبّل خلف تهاني الموجودين لدقائق قبل أن يهمّ بالمغادرة بسبب "بروتوكولات" باتت تقيّد حركته على الأرض.

وأهمّ ما في الزيارة، الردّ على أي توظيف سلطوي أو حزبي لانتخاب خلف، وتحديداً ما أشيع عن اتصال الأخير بالرئيس نبيه بري. قطع النقيب المنتخب الطريق على هؤلاء مؤكداً على خياره في دعم الثورة أولاً، وعلى كون بري هو من اتصّل للتهنئة وليس العكس. وتكريساً للانتصار همّ فنانو رسم الغرافيتي، بسرعة فائقة، إلى تدوين الانتصار النقابي على جدران وطرقات المدينة. "العدالة للجميع"، و"النقابة إلنا يا حلو" مع شعار ميزان العدل إلى جانبها. 

وقد يكون عنوان "العدالة للجميع" ملائم للإضاءة على الوقفات المتتالية التي نظمّها المتظاهرون من أجل شهداء الثورة. كانت الشموع تُضاء من أجل كل من حسين العطار وعلاء أبو فخر وعمر زكريا. اجتمعت صور الشبان الثلاثة في ساحة الشهداء. فهذه ساحتهم أساساً، واسمها على اسمهم. لم يعودوا إليها، صحيح. لكن على الثوار ضمان أنّ القضاء سينصفهم، من أنه "سيأخذ" حقّهم الشخصي والعام من القتلة، وأنّ تحقيق العدالة سيكون رادعاً للزعران والمتفلّتين.



نادين جوني
ونظّم أصدقاء نادين جوني وقفة لإضاءة الشموع عن روحها في ساحة رياض الصلح أيضاً. وفيها تأكيد من قبل الأصدقاء والناشطين والناشطات على أنّ نادين، التي خسرتها ساحة النضال قبل أربعين يوماً، في البال. وكذلك الأمر بالنسبة لحروبها الصغيرة والكبيرة على النظام والأبوية والذكورية وعاهات المجتمع المتعدّدة وأحكام السلطات الروحية. في ذكرى أربعين رحيلها، مناسبة ملائمة للتأكيد على حجم المطالب والحقوق المهدورة على يد السلطة بمختلف أشكالها. كانت تلك محطّة شخصية وعامة، كما هي الحال أساساً في كل تظاهرة أو اعتصام.

وداد حلواني، يا للمصادفة 
حلّ شهر على انطلاق ثورة تشرين، في يوم ذكرى انطلاق لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين. مضى 37 عاماً على تأسيس هذه اللجنة، وعملها مستمر حتى كشف مصير 17,000 مفقود ومخطوف بين أعوام 1975 و1990. في هذه الذكرى، قدمّت الثورة الزخم اللازم لهذه القضية، فعادت ساحة جبران خليل جبران (قرب الإسكوا) وامتلأت بوجوه معروفة وأخرى شابة، جديدة لم يسبق لها أن احتكّت بهذه القضية عن قرب من قبل. هذا ما عبّر عنه، على الأقل، عدد من الشبان والشابات الذين حضروا. فهذا الجيل الشاب، المنتفض في شوارع لبنان، لم يعش الحرب، وإذ به يحاول كسر ارتداداتها بعد أن خلع ثوب الطائفية والحزبية وموروثاتها. كانت رئيسة اللجنة، المناضلة الدائمة وداد حلواني، حاضرة لتوثيق عمل اللجنة من جهة، وللتأكيد على الأمل بدفع الثورة باتجاه تحقيق مطالب أهالي المفقودين من جهة أخرى.



رسم ولعب
شهدت الساحتان أيضاً نشاطات عديدة، منها معرض للرسم يتمحور حول الثورة وقضاياها. حيث عرضت لوحات رسامين في الطريق أمام كنيسة مار جريس. وجوه ثوار وأعلام لبنانية، أيقونات ولحظات ثورية موثّقة. وفي مقلب آخر مساحة صغيرة للأطفال، نظّمتها مجموعة متطوعات، بمبادرة فردية، بعنوان "تعوا نلعب"، جمعت الأطفال لقضاء بعض الوقت والتشارك في النشاطات. واللافت في هذا النشاط، كان انضمام الأطفال الباعة، الذين تركوا لبعض الوقت صناديق المياه جانباً، ولعبوا مع زملاء لهم. قد يكون ذلك أيضاً من انتصارات الثورة، إذ تمكنّت من تخليص هؤلاء الأطفال من قيود التجوال للحصول على المال. للعب والترفيه قليلاً، لعيش حياة طبيعية لدقائق، عيش حياة التغيير والثورة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها