السبت 2018/11/24

آخر تحديث: 00:05 (بيروت)

تصميم الأزياء في لبنان بات تخصّصاً جامعياً

السبت 2018/11/24
increase حجم الخط decrease

كان ولا يزال هدف المصمم اللبناني أن يمنح نجوم هوليوود بريقاً إضافياً، كي يلمع اسمه هو عالمياً. هكذا، تتهافت "سيدات المجتمع" لشراء تصاميمه تمثّلاً بالنجمات، أو للفوز في المنافسة، غير المعلنة، بين السيدات في الأعراس أو غيرها من المناسبات. وبعد نجاح العديد من مصممي الأزياء اللبنانيين في بلوغ العالمية بتصاميمهم، التي طُبعت على أجساد أشهر نجوم هوليوود، أصبحت دراسة تصميم الأزياء أكثر من شغف، بل طريق نحو العالمية، يمر بالسجاد الأحمر، وبالقدرة على اختراع ما يسحر نجوم هوليوود ونجماتها. فالمصمم اللبناني إيلي صعب هاجر مع تصاميمه خلال الحرب، وطبع اسمه في عالم الموضة. كما هاجر غيره من المصممين إلى دول الخليج وبقية دول العالم، ووضعوا لبنان على خارطة الموضة العالمية.
بين أواخر التسعينات وحتى وقت قريب، تحولت بيروت إلى مركز لعروض الأزياء ومقراً لعدد وافر من المصممين المخضرمين والشبان، بما رفد الاقتصاد اللبناني (والسياحة) بمداخيل ضخمة. وفي الأعوام الماضية، ساهمت البرامج التلفزيونية أيضاً بالترويج لهذه "المهنة"، الفنية بامتياز، والصناعية الطابع والمنفعة، إلى حد يمكن تشبيهها بفن العمارة. هذا ما ألهم أجيال جديدة شابة بخوض غمار هذا الفن- الصنعة.

اختصاص جامعي
ازدادت الأزياء تنوعاً وتفاصيل ومذاهب وتيارات واتجاهات، وازدادت رغبة الشباب في تعلم أصول هذه الحرفة وفنها، مدفوعين بالشغف لدخول عالمها الساحر، ولتحقيق حلم النجومية والثراء.
هذا ما حفّز جامعات ومعاهد عدة في لبنان، لتفتتح برامج تدريس تصميم الأزياء، في السنوات الفائتة، كان أبرزها برنامج الجامعة اللبنانية الأميركية (LAU) في بيروت، الذي انطلق في العام 2013 بإشراف المصمم العالمي اللبناني إيلي صعب، الذي يتولىّ رئاسته الفخرية، وبالشراكة مع جامعة لندن للأزياء.

العرّاب
عندما أُفتتح البرنامج علق صعب بالقول: "من غرابة الأمور أني سأوقّع على شهادة جامعية، رغم أنني لم أدخل في حياتي إلى الجامعة". وأضاف، "الموضة تنتقل عالمياً لتتحول من مجرد فنّ إلى فنّ علمي، ومن الضروري مواكبة هذا الإنتقال محلياً من خلال حيازة الشهادة الجامعية". وبات صعب أشبه بعرّاب للطلّاب الذين يتدربون، بموازاة دراستهم الجامعية، في داره للأزياء. كما يعرضون مجموعاتهم من الأزياء التي صمموها في حفل التخرج بحضور صعب. إذ تشكّل لهم هذه العروض بطاقة تعريف تحدد وجهتهم التالية، فيدخلون عالم الموضة مصحوبين بشهادة، موقعة من أحد أهم مصممي الأزياء العالميين، هي بمثابة ورقة رابحة تمهّد طريقهم إلى النجاح.


الأزياء في الـ
LAU
في مشغل الجامعة، ينكبّ الطلّاب لتنفيذ تصاميمهم. بعضهم يضع النسخة الأوّليّة على الورق قبل تنفيذها على القماش. فيما البعض الآخر يستخدم الأقمشة الخام في التنفيذ الأوّلي. في الأثناء، ذهبت إحدى الطالبات للقول أن شغفها دفعها لدراسة التصميم، في طموح للدخول إلى عالم آخر من الإبداع. لم تستهوها الإختصاصات الأخرى كونها عبارة عن تعلّم في كتاب، فيما المصمم هو من يضع كتابه الخاص. في محاذاة المشغل، استقبلنا المنسق الأكاديمي لبرنامج تصميم الأزياء في الجامعة الدكتور جايسون ستيل وكان لـ"المدن" معه حديث مطول.

انطلاق برنامج تصميم الأزياء، حسب ستيل، بدأ خلال نقاش بين رئيس الجامعة جوزيف جبرا والمصمم إيلي صعب، بغية وضع برنامج أكاديمي. وتشكّل فريق العمل من أساتذة لبنانيين عالميين شغوفين في التعليم، ويمتلكون خلفيات جيدة في التصميم، رافقوا البرنامج منذ بدايته وذهبوا به إلى قمة التوقعات. يقول ستيل: "لا يهدف البرنامج إلى تدريب المصممين الشباب على التصميم وحسب، بل يسعى إلى جعلهم مصممين عالميين. كما يسعى إلى جعل الطلّاب يمتلكون رؤيتهم الخاصة، ومنحهم طريقة جديدة في التفكير تجمع بين التصميم وريادة الأعمال. إذ يتضمن الاختصاص سنة كاملة من دراسة ريادة الأعمال، تمكّن المصممين من وضع مخطط البزنيس الخاص بهم". ويلفت ستيل إلى أهمية تمكين المصممين من مهارات العمل كفريق متكامل، للتأكّد من قدرتهم في التعاطي مع صانعي الجلد، ومصممي المجوهرات، وتجار الأقمشة ومصنّعيها وأصحاب المعامل والورش وغيرهم.

كما يلحظ البرنامج أهمية القيام بالأبحاث، لتطوير التصاميم واكتشاف الأفكار، قبل بدء المصمم بعمله. وفي هذا الإطار يقول الأستاذ في البرنامج ميساك هاجي أويكيديان: "من الصعب على المصمم إختراع أفكار جديدة بشكل مستمرّ. قد يقع المصمم في التقليد من دون انتباه، نتيجة إعجابه بتصاميم سابقة، فينسخ تصميماً عالقاً في لا وعيه. لذ نعلّم المصمم، لدى العمل على وضع مجموعة محددة، كيفية البحث، الذي يغني المصمم ويمكّنه من وضع تصميم فريد".


الموضة - الثقافة - السياسة
تعكس الملابس عادات المجتمع الثقافية، وحتى توجهاته السياسية. وعن العلاقة بين الثقافة والأزياء يقول ستيل:"لا تقتصر الأزياء على السحر والجمال، فإطلالة الرجال والنساء هي انعكاس لعادات المجتمع. زيّ النساء في جميع أنحاء العالم هو انعكاس لتوقعات المجتمع. فاذا ألبسوا المرأة الثياب لتبدو جميلة، من دون إبراز صوتها، فهم يقولون إن الجمال أهم من قيمتها في المجتمع. ولا تقتصر ألبسة الرجال على الأناقة بل هي ما نراه وما لا نراه". ويضيف:"الموضة تعكس النواحي الثقافية والإجتماعية. قد يبحث المصممون الشباب من خلالها عن الجندر والميول الجنسية والهوية. وقد يتطرقون من خلالها إلى أزمة النفايات والوضع السياسي. التصميم طريقة لإخراج الأفكار". فعلى سبيل المثال عملت جيني حداد مع رجل مصاب بانفصام الشخصية في إحدى المستشفيات، ومع أشخاص آخرين يشكون من اضطرابات عقلية. واستخدمت أعمالها الفنية في تصاميمها وأدخلت فيها العلاج وأصبحت قادرة على رؤية الناس بشكل مختلف. الأمر لا يتعلق فقط بالجمال والسحر، فكلنا نأتي من خلفيات مختلفة ونمر بأوقات جيدة وأخرى فظيعة. لذا التعامل مع هذه الحالات، يمنح المصمم أفكاراً جديدة. فإحدى المتخرّجات، دانيا مهدي، انتقلت للعمل في الكويت وأطلقت مجموعة ارتكزت على قصّة اللاجئين السوريين، الذين غرقوا في البحر. واستوحت تصاميمها من السؤال عن مصير أجسادهم عندما يغرقون وأين يدفنون".

أحكام مسبقة
الملابس تعطي انطباعاُ أولياً عن الأشخاص الذين نصادفهم يومياً. يروي ستيل أنه صادف خلال زيارته إلى بعلبك امرأة ترتدي التشادور، سلمت عليه وقدمت له الكنافة. كانت ودودة جداً، جعلته يغيّر أفكاره عن ما قد تتصرفه المرأة في حال ارتدت التشادور. إذ لم يكن محبباً القيام بمحادثة مع شخص مغطى بالكامل، لكنها كانت تجربة جميلة. يقول ستيل: "أحاول أن لا أحكم أبداً على الناس. فنحن نحاول كسر الأفكار المسبقة حول طريقة لبس الناس. هذه هي الفكرة من برنامج التصميم في الـ LAU، أن نصنع الفكرة. لسنا هنا فقط لنصنع ما يطلبه السوق. المصممون هم أشخاص يغيرون المظهر أيضاً. فواحدة من الأفكار في التصاميم الحديثة، هي أن يطلق المصمم سلسلة من التصاميم ليتمكن الناس من الإختيار بينها، حسب معتقداتهم. إذ قد ترتدي المصممة الحجاب، لكن تصاميمها لا تذهب بهذا الاتجاه".

قد يتلقّف المجتمع بعض التصاميم بالضحك في حال خالفت توقاعته. فعندما ارتدى شاب تنورة على حلبة العرض، قدّر ستيل الفكرة جيداً، علماّ أن الناس تضحك عندما ترى رجلاً يرتدي التنورة. لكن الناس قد تعود لترتدي الثياب التي كان ارتداؤها مستهجناُ في السابق. وهنا يؤكد أوكيديان أن السنوات الأخيرة شهدت إقبالاً على تصاميم الملابس الرجالية في لبنان. "فالرجل بات يتابع الموضة، ولم يعد يقلق من أحكام المجتمع، أو من اختيار ملابس غريبة، أو أن يتم تشبيهه بالنساء".

النجاح اللبناني
بات قسم كبير من المصممين اللبنانيين معروف عالمياً، إذ يعتبر المصمم البريطاني أن "سر نجاح اللبنانيين يكمن في قدرتهم على القيام بعمل جميل، تبعاً للتوقعات العالية التي يضعها المجتمع اللبناني. فعندما يذهب الناس إلى الأعراس يهتمون بالأناقة، نظراً لما ينتظره منهم المجتمع. كما يهتم المصممون اللبنانيون بجوهر جمال المرأة، لتبدو كما لو أنها خارجة من القصص الخيالية، وبمستوى عال من الملكية والهوليوودية. ورغم حب اللبنانيين للماركات الفاخرة، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن يتقبلوا التصاميم قبل أن تنتشر في الخارج. ومن الأسباب الأخرى، هي قدرة اللبنانيين على تكلم ثلاث لغات. كما أن الخريجين الذين سافروا إلى الخارج ويمتلكون مهارات رائعة في التصميم، لم يذهبوا الى هناك للدوس على الناس، بل ذهبوا للقول نريد أن نعمل معكم، أعطونا أي عمل وسنقوم به حتى لو طلبتم منا صنع القهوة".


تحديات السوق
الوضع السياسي الصعب، والفوضى التي سببتها الصراعات مؤخراً، وضرب الصناعة في لبنان.. عقّدت الأمور، لكن رغم ذلك ما زال برنامج الأزياء في الجامعة مستمراً في التوسع كما يقول ستيل. أما أويديكيان فيشرح الصعوبات التي يواجهها المصممون. إذ لا مصانع كبيرة للألبسة تمكّن المصمم من تنفيذ تصاميمه وبيعها في لبنان. فالملابس بمعظمها تستورد من الخارج وبأسعار أقل، في الوقت الذي تعتبر فيه كلفة تصنيع الملابس اليومية، مرتفعة جداُ على المصمم. وقد توازي كلفة قطعته، المصنعة بجودة عالية، سعر أي قطعة لماركة عالمية باهظة الثمن. بينما يفضّل الزبون شراء الماركات العالمية نظراً لتقارب السعر. كما أن أسعار الأقمشة الجيدة مرتفعة، وكذلك كلفة الخياطة، وتساوي أضعاف كلفتها في الخارج. هذا يحرم المصمم من تحقيق أرباح، إلا في حال انفتح على أسواق الخليج ونفذ تصاميمه في مصانع في الصين. لذا يفضل المصممون اللبنانيون الـ haute couture، كونها ذات كلفة كبيرة لكن أرباحها مرتفعة. فكلفة تصنيع السترة (pret a porter) تساوي كلفة تصنيع الفستان مع إمكانية بيع الفستان بأسعار أكبر بكثير، لا سيما إذا كان "فستان عرس". هذا فضلاً عن تراجع المبيعات في الأعوام الأخيرة خوصاً أن الناس باتوا يشترون بضائعهم من المتاجر العالمية مباشرة.


البرنامج
يضم البرنامج حالياً خمسين طالباً وطالبة. وسيجري العرض المقبل لتصاميم الخريجين في 19 و20 حزيران. ويعمل الآن طلاب السنة الأخيرة على تحضير مجموعاتهم، التي ستخبر من همّ وماذا سيقولون للعالم. لكن عرض هذا العام لن يتضمن الملابس الرياضية. وقدّ خّرج البرنامج ثلاثين طالباً على دفعتين. في الدفعة الأولى جرى تخريج ستة عشر طالبة، ولم تضم طلّاباً ذكوراً. وهنا يعلق ستيل بالقول: "نقدّر الطالبات بقدر المصممين الشباب، والأهم ليس جنس الخريجين بل سلوكهم". ويضيف أن البرنامج يطمح لاستكمال "التقليد اللبناني بالسفر"، كي يجول المصممون حول العالم، للتدرب في لندن وباريس وبكين ونيويورك واسكندنافيا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها