الثلاثاء 2016/03/08

آخر تحديث: 14:06 (بيروت)

العاملات الأجنبيات.. روتين الاستغلال اليومي

الثلاثاء 2016/03/08
العاملات الأجنبيات.. روتين الاستغلال اليومي
تبدأ معاناة العاملة الأجنبية فور وصولها إلى منزل موكّلها حيث يصادر جواز سفرها (أرشيف: علي علوش)
increase حجم الخط decrease
منذ 13 عاماً، تركت جيما جوستا أطفالها الثلاثة في الفيلبين حيث لم يكن دخلها يتجاوز الـ٨٠ دولاراً، وأتت إلى لبنان للعمل مقابل ١٥٠ دولاراً في الشهر، في أحد البيوت. لكن جيما التي تنشط الآن في مجال حقوق عاملات المنازل الأجنبيات في لبنان، تروي أنها من القليلات المحظوظات، لأن الكثير من زميلاتها إما يَرجعن إلى بلادهن من دون أموال، أو يرجعن داخل تابوت.


نظام الكفالة
هذه الرحلة من المعاناة، تبدأ فور وصول العاملة إلى منزل موكّلها، إذ يصادر جواز سفرها، ولا يخصص لها غرفة نوم مستقلة. واذا تعرضت لأي إساءة، فأمامها خياران: إما أن تُرحّل وإما أن تُكمل عملها تحت ظروف الاستغلال، على ما يؤكد رامي شكر منسق "مركز العمال الأجانب"، في طاولة نقاش عقدت، مساء الاثنين، في "الجامعة اللبنانية الأميركية" في بيروت، ونظمها "نادي النسوية التقاطعية" بالتعاون مع "نادي العمل الاجتماعي"، بمناسبة يوم المرأة العالمي.

على أن نظام الكفالة، الذي يضع السلطة في يد الموظِّف، يتيح له الاحتكام إلى مزاجه الشخصي للتحكم في ظروف العمل، بسبب غياب أي رقابة على التعامل مع العلامات، فلا يبقى أمامهن أي خيار بديل، وهنّ لا يمنحن الحق في العمل في منزل آخر، لأن الأعمال الحرة أو "الشغل البراني" ممنوع. كما أنهن محرومات من ساعات الراحة اليومية الثماني، ومجبرات على العمل أكثر من ثماني ساعات في اليوم، وهو الحد الأقصى لساعات العمل.

روتين الاستغلال
ويبدو روتين العمل اليومي متشابه عند كل العاملات. فالواحدة منهن تستيقظ منذ ساعات الصباح الأولى لتوقظ أطفال "المدام"، فتلبسهم وتطعمهم وتنتظر معهم باص المدرسة لتتمدد ساعات عملها حتى بعد عودة الموظِّف إلى المنزل. لا تنكر جيما، وزميلتها روز، أنهما تعطفان على هؤلاء الأطفال كعطفهما على أطفالهما، لكن ما تستنكرانه هو أن الوكيلة تعجز عن إدراك أن الأعمال المنزلية هي، في النهاية، وظيفة، وأن هذه الوظيفة متممة لوظيفة رب البيت خارج المنزل، الذي من دونها لن يكون قادراً على ترك منزله.

أما اذا تعرّضت العاملة للتعنيف والإساءة، فيتم تجاهل شكواها، لأنها لا تتمتع بثقة الجهات المختصة المسؤولة عن حماية حقوقها. وكثيرات ممّن تعرضن للتعنيف الجسدي لم تسعفهن حتى شكواهن عند الشرطة، وتمت إعادتهن إلى منازل موظِّفيهن. أما إذا تركن البيت، الذي يعملن فيه في ظروف أشبه بالاستعباد، وفق شكر، فيتم اتهامهن بالسرقة، لأن هذه التهمة كفيلة بحماية الوكيل المسيئ. ولا ينتهي مسلسل المخالفات هنا؛ فقوى الأمن تقوم بمداهمات روتينية، بحثاً عن عاملات مخالفات، أي لا يملكنّ أوراقاً قانونية، بعد أن يتركن عملهن الذي جئن من بلادهن من أجله للعمل في أماكن أخرى.

وإذا أنجبت العاملة في لبنان من غير اللبناني، فإن أطفالها يُحرَمون من أوراق الاقامة، لأنها تحت نظام كفالة يمنعها من التمتّع بحقوق من كان يعمل تحت تأشيرة عمل. على أن المأساة تكتمل بترحيل عائلتها، وهو أمر حتمي. أما توكيل محامٍ فأمر غير وارد، نظراً لتدني أجور العاملات، إلا في حال قدمت احدى الجمعيات دعماً قانونياً للعاملة الباحثة عن مثل هذا الدعم، وهذا أمر نادر الحدوث في أغلب الأحوال، وفق شكر.

لا يتوقف استغلال العاملات الأجنبيات عند هذا الحد. فـ"في بعض الحالات يقوم مستغلون بدور الوسيط للاستحصال على أوراق قانونية لهن ولإتمام معاملاتهنّ مقابل بدل مالي". عدا عن ذلك، "يبتز بعض الوكلاء عاملاتهن فلا ينهون عقد عملهن إلا بعد تحصيل مبلغ من المال منهن"، كما يشرح شكر.

عنصرية
لكن الظلم ليس محصوراً في البيوت فحسب، بل يمتد إلى ممارسات عنصرية يتعرض لها الأجانب في المجال العام. راحيل، التي تعمل كصانعة أفلام اليوم، تروي كيف ناضلت ١٤ سنة لتصل إلى ما هي عليه. وهي تعلمت أن تواجه من يسيئ إليها، لكنّها مع ذلك تؤمن أن الأطفال الذين تربوا على أيدي العاملات الأجنبيات سيرون فيهن الإنسان الذي فشل أهلهم في رؤيته.

الحياة المتماثلة التي تعيشها العاملات الأجنبيات في لبنان، ليست فيلماً سينمائياً يكرر نفسه، لكنه مشهدية يومية يبوح بها الواقعون تحت وطئتها، كما حصل في طاولة النقاش هذه. لكن روز تقول إن التغيير يبدأ عندما يعي كل واحد منا أننا جميعاً، بطريقة أو أخرى، متصلون بعاملة منزل أجنبية، وأننا قادرون على القيام بممارسات من شأنها أن تصون حقوقهن وكرامتهن.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها