مسجد للمثليين في جنوب افريقيا

لم تكن خطوة هندركس الأولى من نوعها، فهو قبل عقد من الزمن، أي في العام 1996، أعلن عن مثليته في المسجد الذي يدرّس فيه. ما أجبره لاحقاً على تقديم استقالته. بعدها، قام بتخصيص مساحة في مرأب منزله، كمكان من أجل توفير الدعم النفسي والروحي لمجموعة من المثليين المسلمين، تحولت لاحقاً إلى منظمة The Inner Circle – TIC، استطاعت بإدارة هندركس، أن تبني على مدى عشرين عاماً، ملتقى عالمياً إسلامياً يدعو إلى تحرر المثليين المسلمين، وحظر التمييز ضدهم على أساس التوجه الجنسي والهوية الجندرية.

افتتاح "مسجد الأمم" لم يكن ممكناً لولا جهود المنظمة الراعية له. تضم المنظمة مكاتب، كافيتيريا، قاعة مناسبات، وغرفة استقبال لتوفير الخدمات النفسية والاجتماعية للزائرين من مجتمع المثليين والمتحولين، إضافة إلى مسجد يقدم شهادات عقد زواج إسلامي للأفراد المثليين يقيمها هندركس نفسه. يمثل المسجد تجسيداً لسخط زائريه على استبعاد النساء وتهميش المثليين في مساجد مدينة كيب تاون، ويأتي كتعبير عن الحاجة إلى الانتقال من سيطرة الذكور والفكر الذكوري في المساجد، إلى المساواة بين الجنسين.

يرى هندركس، في حديث إلى "المدن"، أن إسم مسجد "الأمم" يعكس اختلاف مريديه من المثليين والمغايرين، نساءً ورجالاً. مع ذلك يجمع هؤلاء "إيمان بالحاجة إلى مناهضة الأبوية وإعادة التفكير في الإسلام العقائدي". يحاول الجامع أن يجعل الشعائر، والأقدس منها تحديداً، أي الصلاة وما يتبعها يوم الجمعة، في متناول جميع القاصدين، بغض النظر عن جنسهم وجنسانياتهم وهوياتهم الاجتماعية والجندرية.

يقول مومو، وهو أحد زائري المسجد، لـ"المدن"، إن المركز كان من مراكز التحول التي حصلت في حياته. كـ"شخص مثلي من منطقة شمال أفريقيا لا أملك مساحة آمنة أمارس فيه نشاطاتي في ما يخص ميولي الجنسية بحرية، وجدت ذلك في مسجد الأمم". أما الخطابات التي قدمت في المسجد، سواء كانت سياسية أم اجتماعية أم إقتصادية أم دينية، فـ"هي خطابات تقدمية وتراعي الحريات والمساواة بين كل الناس، بغض النظر عن الهويات الجندرية والجنسانية الخاصة بهم".

ويرى محسن هندركس أن المسجد أكثر من مكان تعبد. فالمسجد مساحة نقاش أيضاً، ومساحة آمنة للذين يريدون التوفيق بين "هوياتهم غير النمطية" وإيمانهم. لا يخفي هندركس أن خطبة الجمعة تطال مواضيع مثيرة للجدل، تخص عدم المساواة بين الجنسين في التشريع الإسلامي، مؤسسة الزواج الإسلامي، وحقوق المرأة الجسدية والجنسية، بالإضافة إلى مواضيع تتعلق بالصحة الجنسية.

ووجدت مونيك في المسجد خدمات استشارية نفسية بأسعار معقولة. لكن الأسعار لم تكن السبب الأساسي للجوء إليه، بل "لأنني أردت مستشاراً مسلماً لا يصدر أحكاماً عليّ بسبب قيمي ومعتقداتي الإسلامية المختلفة". وكامرأة، "الشيء المفضل لدي هو أنه لا يوجد فصل بين الجنسين في المسجد. فهذا هو المكان الوحيد حتى الآن الذي أديت فيه الصلاة خلف امرأة وأميت المصلين بنفسي. ما فتح لي طريقاً جديداً تماماً للنظر في الصلاة والمجتمع. كما أنني قدمت هنا أول خطبة جمعة لي، الأمر الذي كان يستحيل التفكير فيه في العام الماضي. الخطبة جعلتني أفكر في قوة صوتي وأدركت أنه يمكنني تقديم مساهمة قيمة من خلال هذا المنبر".

لا شك في أن المسجد يستغل الحماية التي يضمنها دستور دولة أفريقيا الجنوبية لمجتمع الميم (المثليين والمتحولين). فهو أول دستور يحظر التمييز على أساس التوجه الجنسي عالمياً، منذ العام 1996، ودولته هي الدولة الوحيدة في القارة الأفريقية التي تسمح بزواج المثليين، وهي الملاذ الأول للمهمشين من مجتمع الميم، الهاربين من الدول المجاورة. بالتالي، فإن المصلى قانوني، ويعتبر تحت حماية الدولة من أي عنف قد يتعرض له. بالإضافة إلى ذلك، لا يبدو أن المسجد تحت أي تهديد مباشر من جماعات إسلامية متطرفة. وهذا ما يرده هندركس إلى الهدوء الذي تعمل فيه المنظمة وقيمها. فهي لا تصطدم مع أئمة المساجد الأخرى، ولا تجادلهم "إلا بالحسنى".