الأربعاء 2014/10/29

آخر تحديث: 14:02 (بيروت)

تدريس العمارة.. الجانب الاجتماعي ثانوي

الأربعاء 2014/10/29
increase حجم الخط decrease

كلّما زادت سنوات التخصّص في الهندسة المعمارية، قلّ الاهتمام بالجانب الاجتماعي للعمارة. هذا ما بات واضحاً بالنسبة للطلاب والمهندسين. لذلك، ظهرت إشكالية الجانب الاجتماعي في دراسة الهندسة المعمارية. وعند طرح هذا الموضوع، يأتي جواب شبه موحد من الطلاب ليؤكد تراجع الاهتمام بهذا الجانب. ثم يأتي رأي الأساتذة ليثبت أنّ مجتمعاتنا أصبحت ماديّة إلى حدٍّ مرعب، بحسب قولهم. بات المهندسون يسعون لتحصيل المال عبر الاستفادة من الهوّة الطبقية التي يعاني منها المجتمع. هذا الحديث جعل بعض الأساتذة ينتفضون، معبّرين عن رأي يقول إنّ للعمارّة دورا مدماكيا في المجتمعات، مشدّدين على أهمية التركيز على هذا الجانب، خصوصاً عند الطلاب، الذين يعتبرون خلاص العمارة في زماننا الحالي، وفق الأساتذة. 

إنّ هذا النوع من الهندسة ليس مقيداً بالخريطة والقلم بل هو مرتبط بالطبيعة والحياة البشرية في آنٍ. غريغوار سيروف إسمٌ لامعٌ في مجال الهندسة المعمارية. وهو مهندس روسي الأصل. يبلغ من العمر 83 عاماً، وهو يعيش في لبنان منذ زمن، ويعمل الآن كأستاذٍ جامعيٍّ. وعند سؤاله عن مدى ارتباط العمارة بالمجتمع، يقول: "لكل من طبقات المجتمع فهمٌ خاص للعمارة. الفقير يعتمد العمارة التقليدية التي يرثها عن الأجداد، فنرى المعمرجي يمتلك القدرة على بناء منازل القرى، ومن دون خريطةٍ حتّى". أما في المقلب الآخر، "نرى أن لبيوت أغنياء بيروت خصائص فريدة منحها إياها معماريو الزمن السابق، فهم كانوا يملكون بيوتاً متوجة بالقرميد وذات قناطر ثلاث، بالإضافة إلى الواجهة الشمالية الموحّدة والتي تطل على المناظر الطبيعية".

شدّد سيروف على أنّ "العمارة التي يبتغيها العالم الآن هي تلك التي تعتمد على أوفر بناء بأرخص الأثمان". ولا تأثير للعمارة، وفقه، "على التفكير الاجتماعي في عمقه، بل هي مرآةٌ لصورٍ منمّطةٍ، فيصبح المعماريون أقلّ الأشخاص تأثيراً على مجتمعهم رغم حضورهم الخاص وأسلوبهم الفريد. هكذا، يعمد البرجوازي لبناء أهم الأبنية لإظهار شخصه ومكانته رغم أن راحته يمكن أن تكون في منزلٍ متواضعٍ".

وتعليقاً على فكرة وجود هذه الإشكالية في الدراسة الجامعية، يشير إلى أنّ "الأساتذة في الجامعة لا يركّزون على الناحية الإجتماعية مباشرةً، لأن التركيز في سنوات الدراسة يأتي على البيئة بشكلٍ عام وارتباط الانسان بها. التدريب على العمارة واسعٌ وليس محصوراً باختصاصٍ معيّنٍ فهو يفتح المجال أمام الكثير من الإختصاصات التي تفيد المجتمع". على أن لـ"المعماريّ أسلوباً أعمق وأجمل من فكرة التجارة بحد ذاتها. أصلي روسي لكن لا يهمني ما يحصل من تطور معماري في روسيا الآن، فلبنان أصبح بيئتي وتفحّصي لبناء جميل أسمع عنه في منطقة عجلتون، مثلاً، يعني لي أكثر مما في عمارة سان بطرسبرغ".

والحال أن لمى ياسين، وهي طالبة في السنة الرابعة في "الجامعة الأميركية في بيروت" تشير إلى أن مواضيع الدراسة "لم تتطرق الى الجانب الاجتماعي للعمارة بشكل مركّز وخاص، بل كان الهدف الأساسي تحقيق الإبداع والإبتكار بعيداً عن ثمن التكلفة أو تأثيرها في المجتمعات بمختلف طبقاتها". ويبدو أن المواد التي تتناول هذا الموضوع قليلة، وهي تقتصر، وفق ياسين، على مادة "Urban design"، "وهي تشرح كيفية تأسيس المدن وإستعمالاتها عبر الزمن".

واشتغلت ياسين على مشروع إنشاء أبنية على جبل من دون تشويه المنظر الطبيعي، "وهذا ما يحافظ على البيئة الاجتماعية والطبيعية. واشتغلنا على مشروع بناء على الآثار التاريخية لتجهيز أبنية تستوعب الزوار". لكن العمارة بالنسبة لها ولزملائها، كطلاب جامعيين، هي "فنٌ وإبداعٌ مجنون. غير أن الأساتذة يحذروننا دائماً أنه لا يمكن تطبيق كل المشاريع على الأرض". يبقى هذا التصور مثالياً. وفي جانب واقعي، في تخيلها لمسارها المهني، تقول ياسين: "يجب أن أُسس نفسي في البداية، لذا سأسعى للمال أولاً، ومن بعدها سأقوم بما يناسب أفكاري وتطلعاتي الخاصة".

تتحسر جودي حسين، وهي طالبة دراسات عليا، على الواقع الحالي للعمارة، اذ "أصبح يحاكي واقع طبقة إجتماعية معينة، وهذا ما لا يعجبني". وهي تعطي مثالا على ذلك بأنّ "أسواق بيروت الجديدة صُمّمت على مقاس طبقة الأغنياء، مستبعدة فكرة أنّ بيروت عاصمةٌ للجميع وهي حاضنةٌ لجميع المستويات الاجتماعية". على أن موقف رنا حداد، وهي مهندسة وأستاذة في "الأميركية" واضح لجهة ضرورة انحياز المهندس الى "تصاميم تُناسب مدينته ومجتمعه. شخصياً أعتمد هذ الأسلوب. لقد رفضتُ الكثير من المشاريع والزبائن بسبب هذه الإشكالية".

وهذا ما يعززه قول رائد مصطفى، وهو طالب هندسة، بأن "المهندس بحنكته يمكنه أن يجعل من تصاميمه مدخلاً لتحقيق عدالة في المجتمع، عبر رفع مستوى الأبنية المخصصة للفقراء، مثلاً، معتمداً ذات التكلفة".


سوسن سعد معمارية لبنانية مهتمة بالتصوير الفوتوغرافي، وقد التقطت الصور، المرفقة بهذا الموضوع، والمقال الآخر، في منطقة الأشرفية ومحيطها.










increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها