الأحد 2013/09/29

آخر تحديث: 07:05 (بيروت)

تجار الموت:أبو صالح وصحبه

الأحد 2013/09/29
تجار الموت:أبو صالح وصحبه
قبعيت المعزولة حتى عن الحياة (عامر عثمان)
increase حجم الخط decrease
كل تفاصيل القصة وفصولها موجودة لدى أبو صالح، تاجر الهجرة غير الشرعية إلى أستراليا. أبو صالح، صاحب تجرة الموت من إندونيسيا إلى بلاد الأحلام خلف البحار. ربما هو شخص ملتح أو بشارب كثيف، يلبس خواتم الذهب في أصابع يده، متأثر بأفلام آل باتشينو وعصابات المهاجرين. هو عراقي، اندونيسي، لبناني، أو أيا يكن. هو الوحيد من يعرف كيف قضى اللبنانيون في المحيط الهندي ومن أبحر بهم وفي أي وقت، ومن كان على متن القارب، وكم هي كلفة الموت في البحر. 
 
بحسب رواية أحد أبناء بلدة قبعيت العكارية، أبو صالح يجلس في سجن في إندونيسيا، ويدير عملياته منه. تماماً كما يجلس بعض كبار تجار المخدرات أو العبوات في سجن روميه ويديرون ألاعيبهم اللاشرعية بعلم الدولة وبالتواطؤ مع مسؤولين فيها. لأبي صالح عملاء ومساعدين في بيروت وطرابلس والشمال، هويّاتهم معروفة وكذلك أماكن تواجدهم، إلا أنّ الدولة اللبنانية لم تتحرك بعد لاستجوابهم وتوقيفهم بتهم التهريب والتزوير، وربما القتل غير المتعمّد. 
 
أساساً، الدولة لم تتحرّ عن تفاصيل كارثة العبّارة الإندونيسية، ولا تملك أي جواب رسمي لما حصل في عرض البحر. التقديرات متروكة لمدير عام في وزارة الخارجية أو للقائمة بالأعمال، و"تشبيحات" سياسية من رئيس حكومة مستقيل أو سابق. الرئيس نجيب ميقاتي والرئيس سعد الحريري، تعهدا إعادة جثامين الضحايا إلى الوطن، وأكدا تحمل كامل التكلفة. كأنّ من مات ليس له هوية ولا دولة ولا مؤسسات رسمية تسأل عنه، ومتروك لعطوفة هذا الزعيم أو ذاك، لتغذية حملته الانتخابية.
 
هي سياسة العطف والإحسان والصدقة نفسها، التي يُعامل بها أهالي عكار ومناطقها النائية. في قبعيت، وبينما كانت التلفزيونات تصوّر مأساة أهالي الضحايا، حاول أحد المواطنين دخول كادر الصورة وهو يردّد جملة واحدة: "صوّروا منزلي للشيخ سعد، صوّروه، أروه أين وكيف نعيش". هي عيشة وحشة جداً، لا يمكن وصفها إلا بعيشة البهائم. ليس في هذا الوصف تجريحاً بأهالي قبعيت أو انتقاصاً منهم ومن كرامتهم، لا بل أنهم هم من يقولون ذلك. 
 
خارج الطريق العام التي تصلهم بحرار شرقاً وببنين وبرقايل غرباً، لا حياة بشرية في قبعيت. طرقها الداخلية "قادوميات"، شوارعها الضيّقة مخيّمات لجوء ونزوح، مدرستها خربة مسقوفة، وفيها بيوت من طين. مشهد قريب من مسلسل "ضيعة ضايعة"، طبيعة جميلة وشخصيات لذيذة. لكن في قبعيت، أهالي يهربون من كوميديا سوداء عن الفقر وسوء الحال، فيلجأون إلى أبو صالح وغيره لتخليصهم من حيوات "البهائم". فأي حياة قد يعيشون بتخطيط من تاجر أرواح؟ بات الهرب من عكار مهمة أو طموحاً، وإن لم تتوفّر شبكة أبو صالح، يمكن اللجوء إلى شبكة تهريب أخرى في ماليزيا. 
 
بحسب أهالي الشمال، أكثر من 86 مواطناً لبنانياً موجودون الآن في ماليزيا للسفر منها إلى أستراليا، على متن قوارب موت أخرى يبحر بها تجار الموت. هؤلاء اللبنانيون أمضوا حتى الساعة أسابيع على السواحل الماليزية، ومصيرهم غير معروف. ربما أبحروا، ربما وصلوا بالسلامة إلى شواطئ الأحلام، ربما غرقوا، وربما ينتظرون استكمال فصول "التجرة". حتى أنّ الدولة اللبنانية على ما يبدو لا تعلم بوجودهم هناك وبنواياهم، ولم تحرك ساكناً بعد للإطمئنان عليهم أو للكشف عن مصيرهم.
 
بمبالغ تتراوح بين 7 آلاف و13 ألف دولار، يمكن لأهالي عكار مغادرة أرض الكآبة إلى شاطئ الأحلام، مروراً ببحر الموت.
 
يوم الأحد، اصطف المتضامنون مع عكار وأهالي قبعيت تحديداً أمام عدسات الكاميرات. طالبوا وطالبوا. انتهى البثّ المباشر، وغداً على جاري العادة، تزول حماستهم لمساعدة منطقة بأكملها، تعيش خارج الدولة. ليس بإرادتها طبعاً، إنما هذه المرّة بإرادة الدولة نفسها. 
 s1-(1).JPG
من اللقاء التضامني (عامر عثمان)
increase حجم الخط decrease