الخميس 2013/10/17

آخر تحديث: 07:28 (بيروت)

آخر معارك الطائفة المتهمة

الخميس 2013/10/17
آخر معارك الطائفة المتهمة
الجبل في موقع القاتل بالنسبة لأبناء التبانة (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease
إذا كان لبنان يعيش منذ العام 2005 انفجارات أهلية متنقلة، فإنّ قصة يوسف دياب ابن جبل محسن، قد تقود إلى الحرب الأهلية. دياب وسبعة أخرون من الجبل متهمون اليوم بارتكاب مجزرتي مسجدي التقوى والسلام. أفظع رد فعل صدر عن أنصار الحزب العربي الديموقراطي أنّ "يوسف متهم سياسي، فهو في الثامنة عشرة ولا يملك حتى رخصة سوق". كمن يسأل مسلحي طرابلس وباقي ميليشيات بيروت والضاحية الجنوبية، عن رخص حمل السلاح!
 
في الساعات الأولى لتوقيف دياب، تحرك الحزب العربي ليضع الاعتقال في خانة "الاتهام السياسي والترهيب الأمني". تلقائياً تم الدمج بين يوسف دياب والحزب العربي وجبل محسن. أصبح هذا الثلاثي جسماً واحداً لا ينقسم. وسّع بيكار الدفاع عن المتهم إلى حزب ومنطقة، وبالتأكيد إلى طائفة. تماماً كما في الحالات السابقة، كاتهام خماسي حزب الله بارتكاب جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتماماً أيضاً كما تصبح الاغتيالات استهدافاً لأحزاب ومناطق وطوائف بأكملها.
 
اتهام دياب أرخى بظلّه على الأوضاع الميدانية في الجبل. اشتباكات خفيفة مع باب التبانة، اعتصامات محلية في ساحات الحزب العربي، وإقفال الجيش لمعظم المسارب المؤدية من الجبل إلى طرابلس. أصبح الوصول إلى قلعة الحزب العربي مشقة. طلعة العمري، طريق الملولي والبقار وخط المنكوبين، يقفلها الجيش معظم أوقات الليل والنهار، تلافياً لأي طارئ أمني. من جهة القبة، أي طلعة الريفا، الطريق سالكة باتجاه الحصن العلوي، كما يحلو لأهل الجبل القول. هي قلعة الصمود والممانعة والمقاومة والبعث على حدّ سواء. 
 
صور الرئيس الدكتور القائد بشار الأسد معلّقة عند كل زاوية، تماماً كما كانت صور والده الرئيس الخالد حافظ الأسد. وكأننا في ضاحية في طرطوس، أو في فرع أمني بعثي. وهنا أيضاً صور آل عيد، رفعت ووالده علي، أمين عام ونائب سابق، يشكرهما أهل الجبل على كل ما قدماه لهم طوال أربعين عاماً، وتحديداً الأمن والحماية من "غزاة التبانة". فمنذ الحرب الأهلية، وضع الحزب العربي الديموقراطي نفسه ومنطقته في المقلب الآخر من طرابلس. خاض الحرب مع ابناء التبانة والقبة والبداوي طوال عقد، قبل يحسم الجيش السوري تلك المعركة بدخوله إلى طرابلس. ومنذ ذلك الوقت أصبح الجبل في موقع القاتل بالنسبة لأبناء التبانة، وباتت الأخيرة نقطة الانتصار بالنسبة إلى أهل الجبل.
 
لأول مرة منذ عقود، يشعر أهل بعل محسن بهذا التهديد وبهذا القلق. هم محاصرون منذ عام 2005 وخروج الجيش السوري من لبنان. لكنهم استمروا بالحياة رغم جولات الاشتباكات والقطيعة مع الجيران. هم حليف نظام البعث في سوريا وحزب الله في لبنان، ولذلك عانوا طوال السنوات التسع الماضية. لكن اليوم هم متهمون بالقتل، بزرع العبوات، باستهداف المساجد، بمحاولتي اغتيال. لم تعد المسألة قضية موقف سياسي بالتحالف مع طاغية. ولم تعد فقط قصة انتماء طائفي لمذهب الطاغية في سوريا. قتل الناس في عبوات وسيارات مفخخة مختلف عن قتلهم خلال اشتباك أو في عملية قنص خبيثة، ولو أنّ العدم هو نفسه.
 
أسوأ ما فعله الحزب العربي الديموقراطي في قضية يوسف دياب أنه وحّد الجسم والمنطقة والطائفة. جعل من كل رجل في جبل محسن متّهماً. وحوّل كل طفل يحمل هوية علوية إلى مشترك في الجريمة. ولو أنّ هذا الاتهام الجماعي، لم يكن ينتظر موقف رفعت عيد أو غيره، بحكم منطق التعميم الطائفي والمذهبي المعمول به منذ عقود.
 
بعد سنوات الحصار الطويلة، يشعر أهل جبل محسن بأنه آن أوان المعركة الجدية. معركة سيخوضها الحزب العربي عنهم وبإسمهم، بعد أن جرّهم إليها بحكم موقعه وموقفه وتحالفاته. الحزب متحكم بأرضه، والناس في جبل محسن معه، حتى الساعة. ربما لغياب البديل أو للشعور بالطمأنينة أو للعيش بسكينة. فهل يمضي أهل الجبل بكامل مشروع الحزب العربي الديمقوراطي وخيارته، حتى لو كانت انتحارية؟
increase حجم الخط decrease