الخميس 2024/03/07

آخر تحديث: 14:23 (بيروت)

كيف نلتحق بالدول الخليجية؟

الخميس 2024/03/07
كيف نلتحق بالدول الخليجية؟
جودة الحياة للمواطنين وضمانها (Getty)
increase حجم الخط decrease

ليس هيناً أو هامشياً أن يكون مثلاً أفضل مطعم في الشرق الأوسط في دولة خليجية. ولا هو أمر ثانوي أن تكون الجوائز الأدبية الرفيعة هي التي تمنحها مؤسسات ثقافية خليجية. لا يتعلق الأمر فقط بأعلى مبنى أو أكبر "مول" في العالم، ولا حتى بنسبة دخل الفرد الواحد. سنجد أيضاً أفضل شركات الطيران، وأرقى شبكة مواصلات، بل أحدث بنى تحتية: مرافىء، كهرباء، مياه، مطارات، جسور، اتصالات..

أبعد من ذلك، عدد الجامعات ونوعيتها، المستشفيات والنظام الصحي بأكمله، التخطيط العمراني والبيئي، شبكة الرعاية الاجتماعية الفائقة النجاح. ثم هذه النهضة الرياضية الشديدة الأهمية. الدول الخليجية ليست فقط في قلب عالم كرة القدم، كمنتخبات وأندية وملاعب وتلفزة واستثمارات دولية، بل هي أيضاً وفي كل الألعاب الرياضية، لها دور محوري وعالمي.

كذلك، القوة الإعلامية والدعاية والصحافة الخليجية لا تضاهيها إلا الدول الكبرى. لا يوجد اليوم إعلام عربي عابر للحدود سوى الخليجي منه. فضاء البث التلفزيوني، الترفيهي أو الإخباري أو الرياضي، خليجي بامتياز. الصحافة المكتوبة، المطبوعة والإلكترونية هي أولاً خليجية.

إذا استثنينا مصر والمغرب، لما لهما من إرث، باتت بعض الدول الخليجية في مقدمة مناطق الجذب السياحي. عدا أصلاً عن واقع أن هذه الدول هي اليوم بوتقة عيش ملايين المواطنين من مئات الجنسيات، يشكلون خليطاً مدهشاً من الثقافات واللغات ويصنعون امتزاجاً فريداً وتلاقحاً بتنا نراه في كل مظاهر العيش في الدوحة أو دبي أو الرياض..

وهذا يقودنا للقول إنه ليس صدفة في آخر تقرير عن مؤشّر نوعيّة الحياة، أن تكون مدن خليجية في أعلى التصنيفات، وأن تقبع بيروت ودمشق وصنعاء وبغداد والخرطوم في أسفل القائمة.   

ليس مرد هذا فائض الثروة وحده. في العالم العربي دول ثرية ونفطية تبددت ثرواتها وفشلت التنمية فيها على نحو كارثي ومديد.

جودة الحياة وضمانها هي هنا أول السياسة ومنتهاها. الاستثمار في المستقبل، كان هو الاستراتيجية التي أثمرت اليوم مجتمعات مستقرة، وافرة، ومزدهرة. والاستثمار في الأمن بمعناه الواسع: تثبيت مؤسسات الدولة والمجتمع.

إن نشاط الترجمة والطباعة والتأليف، أو إنتاج الموسيقى، والأفلام الروائية والوثائقية، والمسلسلات الدرامية، والمهرجانات الفنية، وعروض الموضة، عدا عن السوق الضخمة للأعمال الفنية والتشكيلية.. وعدا الصناعة السياحية الهائلة، وتشييد المرافق الترفيهية.. كل هذا يحيل حواضر الخليج إلى قبلة إقليمية ودولية، ويجعلها في قلب صورة العالم الحديث.
لهذا السبب، نرى مئات الآلاف من أفضل العقول الشابة العربية (بل ومن جنسيات العالم كله)، التي تمتلك العلم والموهبة، تهاجر تلقائياً إلى مدن الخليج. أي حيث الفرصة المتاحة ليزدهروا.

والأهم، أن "النضج" السياسي اليوم، الذي يتيح لتلك الدول لعب أدوار بالغة التأثير على المستوى الدولي وعبر القارات وفي مختلف النزاعات، كصناع تسويات أو كإدارة مفاوضات، منح السياسة الخليجية رصيد ثقة كمرجعية ديبلوماسية وافرة الصدقية، بما يجعلها ركيزة استراتيجية في السياسة والأمن العالمي. بمعنى آخر، الخليجيون اليوم هم عنصر توازن في النظام العالمي المضطرب.

مرد هذا السرد، ليس فقط للإقرار بالتحول التاريخي للبيئة الحضارية العربية، وانتقال مركز الثقل والقيادة إلى الجزيرة العربية، بل للمطالبة لأن تكون الوجهة السياسية لدول المشرق العربي، وربما أيضاً مغربه، وأطرافه، في مسار التكامل والشراكة مع الوجهة الخليجية، ووفق نموذجها. وذلك لا يعني التخلي لا عن الخصوصيات الثقافية أو الاجتماعية ولا حتى عن النظم السياسية.. بل يعني الاقتداء بالعنوان الأول: جودة الحياة للمواطنين وضمانها، والاستثمار بالأمن (بمعنى نبذ الحروب). هكذا سياسة منفتحة على العالم، متفائلة بصنع مستقبل إنساني ودود ومتعاون، قادرة فعلياً على تحرير معظم دولنا العربية من مصائب لا عد لها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها