واليوم تحديداً، كانت الغارات الأردنية عند الحدود مع سوريا، في ذروة الحرب على الكبتاغون السوري الذي لا يتوقف عن محاولات اجتياحه الأردن نحو دول الخليج كلها.
وإذا انتقلنا إلى الحدود اللبنانية-السورية، فهي بالكاد "حدود" لشدة الاستباحة. وهي كانت فالتة بالكامل لسنوات طويلة، وشهدت حرباً فعلية اشتركت فيها ميليشيات ومجموعات إرهابية وجيوش. ولا تزال منتهكة بكل أنواع التهريب، بضائع وبشراً وأسلحة ومخدرات. وفي الأصل، كانت سوريا ولا تزال تستعصب هضم فكرة وجود لبنان برمته، ولم يتم ترسيم الحدود معه حتى يومنا هذا.
أما حدود لبنان الجنوبية فهي سيرة مؤلمة من غزوات واجتياحات واحتلال مديد، ولا تزال اليوم مشتعلة بـ"حرب مضبوطة" استنزافية ربما تكون طويلة الأمد. وهي حدود غير مكتملة من ناحية مصير مزارع شبعا (اللبنانية-السورية) المحتلة.
وسوريا نفسها ممزقة الحدود ومتعددة الاحتلالات، وبعض تلك الاحتلالات بات يستملك مرافئ ومناجم وآبار نفط ومطارات، بل وعقارات ضخمة في قلب العاصمة ذاتها. ناهيك عن قضية الجولان المحتل منذ العام 1967، وإقليم كردستان سوريا المستجد وغير واضح الحدود.
في قلب هذا الشرق الأوسط الكبير الذي تسيل حدوده كحمم بركانية تجرف كل ما يقف بوجهها وتحرق بلاداً بأكملها، نجد دولة إسرائيل التي لم تتعين حدودها يوماً منذ اختراع حدود التقسيم عام 1947 وحتى اليوم. فيما حلم دولة فلسطين لا نعرف كيف ستكون جغرافيتها ولا حدودها النهائية.
وعلى هذا المنوال، من اليمن إلى باكستان، ومن شواطئ المتوسط إلى أفغانستان، سنجد شعوباً تبحث عن حدودها، ودويلات متحاربة، وأوطاناً ممزقة، وأقليات متمردة أو مضطهدة، واحتلالات متبادلة، وعداوات متناسلة، وصواريخ متطايرة وغارات متواصلة..
شرق أوسط كبير متعذر الحدود والسيادة.. تستعصي فيه "الدولة الوطنية" بقدر استعصاء تعايش شعوبها وأقلياتها وأديانها وطوائفها وأنظمتها السياسية التي جميعها تستأنس حروب الحدود هرباً من استحقاقات مواطنيها أو "رعاياها". جميعها تحتقر سيادة الآخر وحقوقه.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها