الخميس 2023/05/11

آخر تحديث: 16:43 (بيروت)

"الاستقرار".. لا التغيير ولا الديموقراطية

الخميس 2023/05/11
"الاستقرار".. لا التغيير ولا الديموقراطية
غالباً ما يُطرح "الاستقرار" كنقيض أو ثمن لا يطاق مقابل أي مطالبة بالتغيير (Getty)
increase حجم الخط decrease

أسوأ كلمتين في الجغرافيا السياسية الممتدة من أفغانستان إلى سائر شمال إفريقيا، مروراً بإيران والمشرق العربي وشبه الجزيرة العربية، هما: التغيير والديموقراطية.

الملايين التي حملت هاتين العبارتين عوقبت بقسوة فائقة وبعنف فظائعي أغلب الأحيان. وتسببت هاتان العبارتان بتوسع أسطوري للمقابر والسجون في آن معاً، كما بواحدة من أضخم الهجرات الجماعية في التاريخ الحديث.

الكلمتان المخيفتان والمحتقرتان في الوقت نفسه، هما كابوس الأنظمة السياسية الحاكمة بلا استثناء في كل دول الشرق الأوسط الكبير. فالمحرك الأول للسياسة ومساراتها في هذه المنطقة هو العمل على حذف الكلمتين المشؤومتين.

في المقابل، هناك الكلمة السحرية والعزيزة على قلوب أسياد هذه الدول: "الاستقرار". هذه الكلمة تختصر العقيدة السياسية المتبعة التي تمنح شرعية الحكم والسلطة. كما أنها الأساس في ترتيب العلاقات وإداراتها بين تلك الدول، بوصفها مصلحة مشتركة.

وليس "الاستقرار" على معنى الأمان والطمأنينة، حقاً بديهياً. بل هو هبة يمنحها الحاكم أو يحجبها. أمر مناط به وحده. وغالباً ما يُطرح "الاستقرار" كنقيض أو ثمن لا يطاق مقابل أي مطالبة بالتغيير أو بتداول السلطة أو بالحريات أو بالمشاركة والديموقراطية. وكما أنه ورقة ابتزاز داخلية، يكون في كثير من الأحيان ورقة ابتزاز أو هدفاً تخريبياً في العلاقات البينية للدول المعنية.

بالنظر إلى 12 عاماً المنصرمة، بما فيها من ثورات ومن ثم انقلابات عليها وحروب أهلية، ومعارك إقليمية -معلنة وخفية- عادت كلمة "استقرار" (مهما كان الثمن) لتكون الحجر الأساس في تثبيت الأنظمة القائمة وفي ترتيب التفاهمات فيما بينها.

وعلى الأرجح، فإن روسيا والصين، كدولتين تعتنقان العقيدة نفسها في تقديس الاستقرار واحتقار التغيير والديموقراطية، لعبا دوراً مؤثراً في هذا المسارالذي سيؤدي إلى طيّ آخر الفصول المقلقة المبتدئة منذ 12 عاماً في ساحات العواصم العربية، وقبلها وبعدها في ساحات العاصمة طهران والمدن الإيرانية.

وعليه، يبدو أن الاتفاق السعودي الإيراني مبني بأكمله على تلك الكلمة السحرية: الاستقرار. وعلى الأرجح، فإن الشعوب المنهكة والمدماة والمفقّرة، والجموع المهزومة والمجتمعات المحطمة، باتت لا تطمح إلا لهذه "الهبة"، وقد خسرت أي قدرة على الاعتراض.

هذا الاتفاق الذي يعد بإنقاذ المنطقة من الحروب والفوضى والاضطرابات، يقوم على صيانة وتحصين الأنظمة السياسية القائمة، وتدبير التوازن وتقاسم النفوذ وفق تفاهمات محددة، أصلها وفصلها ديمومة كل نظام قائم. وفي حالات أخرى، التواطؤ لاستعادة نظام ساقط على نحو أو آخر: السودان أو ليبيا مثلاً.

بهذا المعنى، يعود الأسد إلى "الحضن العربي" من دون مغادرة الخندق الإيراني، وبثمن زهيد. وسيستقر العراق ربما أكثر من أي وقت مضى. وسيبدأ اليمن رحلة الشفاء والتعافي، وتطمئن البحرين على أمنها، والسعودية على حدودها، والأردن على أمانه وديمومته، وسترتاح مصر حين يستتب للعسكر الليبي والسوداني الإمساك بالسلطة بلا منغصات "مدنية" أو "نقابية" أو "إسلامية" وما شاكل، وسينام قيس السعيد في قصر قرطاج ملء جفونه هانئاً.. إلخ. والأهم، سيتجدد شباب النظام الإيراني على نحو مدهش، وقد بات شريكاً مقبولاً أو حتى مرغوباً في كل شاردة وواردة بين الخليج والمشرق.. ولتضرب واشنطن رأسها بالجدار.

وهنا في لبنان، لن تكون رئاسة الجمهورية ولا الحكومة المقبلة ولا تركيبة السلطة ومحاصصاتها سوى مرآة أمينة لهذه الصورة الجديدة التي تتوطد في المنطقة.

الحالمون عليهم الاستيقاظ من نومهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها