الثلاثاء 2023/04/25

آخر تحديث: 15:12 (بيروت)

الدولة اللبنانيّة ترمي اللاجئين السّوريين في فم الأسد

الثلاثاء 2023/04/25
الدولة اللبنانيّة ترمي اللاجئين السّوريين في فم الأسد
تفاقم خطاب العنصريّة والكراهية إعلامياً وسياسياً رسمياً وشعبياً (Getty)
increase حجم الخط decrease

على غرار منهج الدول المارقة في دسّ الخدع التحريضية المبتذلة، لتصويب المساءلة العامة بعيدًا عنها، تسعى السّلطات اللبنانيّة اليوم وبكل أجهزتها لدسّ فتنة اللاجئين السّوريين مجددًا، لتشويش الرأي العام اللبنانيّ ودرأ الشبهات عنها، عبر إلقاء كافة الأزمات على عاتق اللاجئ، ومن ثم اعتقاله ورميه على الحدود كبادرة "حُسن نيّة" لاستعادة الثقة الشعبية المتململة، ولاحقًا خلق التوليفة المناسبة لابتزاز المجتمع الدوليّ والحقوقي، لشحذ المزيد من مال المساعدات. لعلّه هذا باختصار ما ترمي إليه السّلطة في استعراضاتها الأخيرة، المتمثلة بحملات أمنيّة زجريّة على امتداد الأراضي اللبنانيّة لاعتقال وترحيل كل لاجئ دخل خلسةً إلى أراضيها (راجع "المدن"). والحال أن هذه الحملات الأخيرة، والممتدة منذ الأسبوعين ونيف، قد أفضت في محصلتها إلى مأزق إنساني وأخلاقي وحقوقي بحت. فاللاجئون الذين لفظتهم الدولة اللبنانية على الحدود، تلقفهم فمّ الأسد على النحو الذي يقتضيه السّيناريو المتوقع.

حملة ترحيل جماعية
فبعد سوقهم من مكان سكنهم في محلة قرنايل (قضاء بعبدا – محافظة جبل لبنان)، وتركهم عند نقطة المصنع الحدودية، ضمن حملة الترحيل الجماعيّة القسريّة بقيادة مخابرات الجيش اللبناني، راجت أخبار مفادها اعتقال قوات نظام الأسد لكل من اللاجئين السّوريين إيهاب نادر (35 سنة) ونادر نادر (31 سنة) ومن ثم نقلهما إلى معتقل تابع لأحد الفروع الأمنية في العاصمة السّورية دمشق (راجع "المدن")، أمس الإثنين 24 من نيسان الجاري. والمعتقلان بحجة تخلفهم عن الخدمة العسكرية هما شابان من منطقة السويداء جنوبيّ سوريا، دخلوا خلسةً قبل سنوات إلى الأراضي اللبنانية برفقة مجموعة من اللاجئين الآخرين. ولا تزال المفاوضات بين النظام السّوري وعائلة الشابين قائمة، فيما توعدّت الأخيرة بتصعيدٍ محتمل في حال لم يُطلق سراحهما.

والشابان ومثلهما العشرات ممن رحّلوا في غضون الأيام الأخيرة، تمّ اعتقالهم مباشرةً، وبات مصيرهم مجهولاً. إذ علمت "المدن" من خلال مصادر أمنيّة ومصادر مقربة من ذويّ اللاجئين المُرّحلين، أن عشرات اللاجئين تمّ توقيفهم منذ يومين لم يُسمع خبرٌ عنهم للآن. وفي هذا السّياق يُشير أحد المقربين من اللاجئ السّوري ن. ر. (31 سنة) والذي اعتُقل وأسرته نهار الأربعاء الفائت 19 نيسان الجاري، من منزلهم في برج حمود لترحيلهم، تمّ اعتقاله على يدّ المخابرات السّورية مجدّدًا بصحبة عدد يتراوح بين العشرين والثلاثين لاجئاً، فور فتح الحدود، فيما اختلفت مسوغات الاعتقال بين المطلوبين لدى النظام بجرائم جنائية أو بحكم قضائي وبين المتخلفين عن الخدمة العسكرية والمنشقين عن جيش النظام. فيما نُقلت أسرهم إلى الداخل السّوري.

التخوف من الترحيل
ويعبّر المصدر عن تخوفه على حياة قريبه من "التعذيب في سجون مخابرات الأسد أو سوقه الإجباري للخدمة في صفوف الميليشيات أو النظام"، مشيراً إلى أن الشبان الموقوفين "ينحدر معظمهم من مختلف المناطق السّورية وتحديدًا من إدلب وحمص". هذا التخوف يعيشه اليوم عشرات آلاف السّوريين في لبنان سواء أكانوا دخلوا خلسةً أو حتّى بصورة قانونيّة. خصوصاً أن حوالى 78 بالمئة من السوريين في لبنان لا يحملون أوراق إقامة (حسب تقرير صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية العام الماضي) ويُضيف المصدر: "لم يكن أمام قريبي أي خيار، وكذلك نحن، هربنا من نظام الأسد عبر المعابر غير الشرعيّة، واليوم نعيش الفاقة الاقتصادية ورداءة الظروف المعيشية، فيما لم نستطع إنجاز أوراق الإقامة بسبب صعوبتها وتكلفتها العالية بين الأمن العام والسماسرة".

ولما كانت السّلطات اللبنانيّة قد أطلقت هذه الحملة بُعيد تفاقم خطاب العنصريّة والكراهية إعلامياً وسياسياً رسمياً وشعبياً، وتحميل اللاجئين مسؤولية الانهيار المستفحل، متسلحةً بذريعة إثارة اللاجئين للقلاقل الأمنيّة، ومصرّةً على مناهضة القوانين الدوليّة والإنسانية لمصلحة الأسد حليف معظم مكونات السلطة بلبنان، على حساب اللاجئين وحياتهم وحقوقهم في العودة الآمنة والطوعية. هذا وناهيك بالخطر المحدق بعملية تسليم المطلوبين لدى النظام، من انتهاكات شنيعة تصلّ حدّ القتل والتعذيب والاحتجاز التعسفيّ الذي وثقته الجمعيات المعنيّة والمتابعة لهذا الشأن، فيما تُحمّل منظمات وشبكات إنسانية سورية ودولية الحكومة اللبنانية مسؤولية ما سيتعرض إليه المجبرون على العودة إلى سوريا من انتهاكات "شنيعة" من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام.

مسوغات الترحيل
في هذا السياق، أشار مصدر أمنيّ لـ"المدن" أن الاعتقالات التّي تنفذها مخابرات الجيش مبنية على إخباريات من البلديات التّي تستوعب اللاجئين ضمن أراضيها. وأضاف المصدر أن "غالبية اللاجئين الداخلين خلسةً إلى الأراضي اللبنانية، قام بتسهيل دخولهم مهربون من التابعية اللبنانية والسّورية على حدٍّ سواء، والجيش يعمل على الإطباق على كل هؤلاء المتورطين أسوةً بالترحيلات التّي يقيمها".

ومنذ استعادة قوات الأسد السّيطرة على مختلف المناطق على امتداد البلاد، تمارس دول عدّة من بينها الأردن وتركيا وعدد من الدول الأوروبية ولبنان، ضغوطاً لترحيل اللاجئين من أراضيها بحجة استتباب الوضع الأمنّي وانحسار المعارك في سوريا، هذا فضلاً عن واقع تقليص المساعدات الإنسانية بُعيد الحرب الروسيّة على أوكرانيا. فيما عبّرت المنظمات الدوليّة مرارًا، ومن مجملتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بأن عودة اللاجئين قسرًا ليست آمنة، خصوصاً بما يتعلق بالظروف الاقتصادية الصعبة والملاحقات والاعتقالات التعسفية. ومع ذلك يستأنف لبنان خطته لإعادة اللاجئين "طوعًا". هذه الخطة التّي جاءت بإيعاز من الحكومة اللبنانية موكلةً الأجهزة الأمنيّة بمواكبة العودة التّي تجري وفق تنسيق الأمن العام واللاجئين المتقدمين بطلبات. والمفارقة أن حصيلة هذه العودة كانت 22 ألف لاجئ سوري فقط، فيما عددهم في لبنان يناهز المليونين (حوالى 800 ألف مسجلين لدى المفوضية). وهذا مؤشر جليّ على خوف اللاجئين من العودة إلى حضن الأسد، الذي قتلهم ونكّل بهم أمنيًّا واقتصاديًا وسياسيًا.

العيش مع الخوف الدائم
وبالرغم أن لبنان لم يوقع على "اتفاقية اللاجئين لعام 1951"، فهو ملزم بمبدأ عدم الإعادة القسرية الوارد في القانون الدولي العرفي، وعدم إعادة أي شخص إلى مكان يمكن أن يتعرّض فيه للاضطهاد أو التعذيب أو غيره من أشكال سوء المعاملة، أو تكون فيه حياته مهددة، بموجب قانون حقوق الإنسان. وفيما تتذرع السّلطات اللبنانيّة بأن اللاجئين المرحّلين هم من المتورطين بدخولهم الأراضي اللبنانية خلسةً، أو التجول من دون أوراق قانونية، أو انتهاء إقامتهم (من دون أن تراعي فيهم المُهل القانونيّة مرعية الإجراء كمهلة الشهر أو دفع الغرامات)، موجهةً لبعضهم تُهماً جنائية كالسرقة، وتجارة السلاح، والمخدرات، والقتل. من دون الالتفات لظروفهم السّياسيّة في الداخل السوريّ.

"عايشين على أعصابنا ومتخبيين دائمًا". هذا باختصار ما أجمعت عليه معظم الأسر التّي تواصلت معها "المدن"، للتعبير عن خوفها المزمن من وصول الحملات الأمنية التعسفية إليها.. وفيما تمعن السّلطة اللبنانية اليوم بتنصلها من جريرتها في وضع اللاجئين المزري، بل وتعمد إلى مفاقمة الأعباء عليهم وطردهم بظروف أقلّ ما يُقال عنها باللاإنسانيّة، يغيب دور المنظمات الدوليّة وعلى رأسها المفوضية التّي لجأ إليها شطر لا يُستهان به من اللاجئين المتوجسين، فقابلتهم بالجواب المُكرر "لا نزال نفاوض الحكومة ولا يمكننا مساعدتكم إلا إذا اعتقلتم"، حسب ما أشاروا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها