الخميس 2023/10/19

آخر تحديث: 11:42 (بيروت)

القصة الكاملة لكتائب القسام: "التوسع" إلى لبنان تنظيماً وسلاحاً(3)

الخميس 2023/10/19
القصة الكاملة لكتائب القسام: "التوسع" إلى لبنان تنظيماً وسلاحاً(3)
تبدل دور لبنان عند "حماس" من الإسناد إلى الانخراط (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

عام 1992 ينكشف جزء من عمل كتائب القسام في قطاع غزة، بعد أسر وتعذيب عدد من عناصرها. يُطلب من القادة الأساسيين المغادرة، من بينهم قائدها بشير حماد. التسلل من غزة ثم عبور صحراء سيناء، والوصول إلى مكان آمن، حمايةً لأسرار قوة عسكرية في إطار التشكل، كان طلباً اعتيادياً توجهه الكتائب لبعض قيادييها، لكن حتى محاولة الخروج ذات تكلفة، أدت إلى مقتل العديد من هؤلاء الكوادر، أبرزهم في ذلك العام طارق عبد الفتاح دخان، ابن الرجل الثاني في الحركة.

قطع بشير حدود بلدان كثيرة قبل أن يصل إلى لبنان، ويقضي أعواماً متنقلاً بين المخيمات الفلسطينية، بهويات متعددة. لم يكن في ذلك الوقت لحركة "حماس" وجود لبنية تنظيمية. فضلاً عن وجود عسكري قوي. بينما تأسس مكتب تمثيلي، يرعى حملات تعبوية وإعلامية للحركة. صور الشيخ الأسير أحمد ياسين المرسومة على جدران المخيمات، وأناشيد "حماس" مثل "ثوري ثوري" و"8/12 أشعلناها بإيدينا" تعكس غالباً حالة شعبية متعاطقة أكثر مما هي حالة تنظيمية.

سجال الداخل والخارج
يرجع السبب في تردد الحركة حينها بإطلاق أي عمل سياسي أو عسكري في الخارج إلى عدة عوامل: فتجربة منظمة التحرير في الأردن ولبنان ما زالت حاضرة، وخلاصتها لدى كثيرين أن الدولة والثورة طبيعتان مختلفتان، سيصطدمان مهما حاولا تنظيم العلاقة أو ترشيدها. النقطة الثانية، وهي من النقاشات الساخنة في تلك الفترة، أن الصراع في الداخل أجدى وأكثر إيلاماً على الاحتلال، خصوصاً وأن الانتفاضة الأولى، ورغم كل المآخذ على اتفاق أوسلو، أجبرت الاحتلال على تقديم تنازلات.

المسألة الثالثة التي تحسّبت لها حماس من انطلاق أي عمل عسكري هو أن بعض الأنظمة في البلدان العربية الكبرى كانت تخوض معارك داخلية مع حركات إسلامية، مثل مصر، الجزائر، وحتى السعودية التي بدأت تشهد مناوشات داخلية أعقبت النقاش حول جواز الحضور الأميركي في تلك البقعة، وأي عمل عسكري في الخارج سوف يستفز تلك الدول وستعتبره تجييراً لصالح طرف داخلي. وسبب رابع، أنه لا إمكانيات عملية لفتح جبهة بأي من دول الطوق، من سوريا التي حسمت أمرها منذ عام 1968 بأنه لا عمليات للفدائيين من حدودها، وكرّست ذلك باتفاقية فك الاشتباك عام 1974، إلى الأردن الذي لم يشف نهائياً من معارك 70-71، ثم لبنان الذي ألغى اتفاقية القاهرة، وليس هناك استعداد للسماح بتكرار تجربة ما يسميه "فتح لاند".

أصرت حركة "حماس" على دور الخارج ولبنان في الإسناد فقط، وليس في المواجهة المباشرة. حتى عندما أبعدت "إسرائيل" المئات من قادة الحركة إلى لبنان أواخر عام 1992، أصرّ هؤلاء عند تجوالهم سراً بالمخيمات على دور الخارج المساند للداخل، وعندما كان يلح الفتيانُ لسماع جواب آخر، يأتيهم الرد "حييجي دوركم تخافوش".

النمو في المخيمات
محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل عام 1997 كانت اختباراً أيضاً لمدى التزام الحركة بالقيود التي وضعتها حول عمل عسكري في الخارج، أفضى النقاش الذي جرى حينها بين تيارين، تيار يرى نقل المعركة للخارج، وتيار رافض، إلى أرجحية خيار التيار الثاني الذي نجح في منع المواجهة المفتوحة بين "حماس" و"إسرائيل" خارج فلسطين، لكنه لم ينجح في منع أن يتحول خيار المعركة في الخارج إلى سيناريو حاضر بشكل دائم للنقاش عند أي حدث كبير.

في أواخر التسعينات كانت "حماس" تنطلق ويتوسع حضورها في التجمعات والمخيمات الفلسطينية في لبنان، لكن من دون ظهور مسلح علني، وإن كان الرائج أنها استفادت من وراثتها البنية العسكرية للجماعة الإسلامية في المخيمات. أما اللافت فهو أنها لم تخض صداماً مسلحاً في أي مخيم من المخيمات، الأمر الذي زاد من الغموض حول قدراتها العسكرية.

منذ عدوان عام 2008-2009 على غزة، ضاعفت إسرائيل من حديثها عن قوة حماس العسكرية المتنامية في لبنان، لكن في عام 2015 أصبحت اتهامات الاحتلال أكثر دقة، بالحديث عن صواريخ ومسيرات تصنّعها الحركة في لبنان، ودورات عسكرية تجريها حركة حماس فيه، الأمر الذي كانت تنفيه الحركة.

بداية المواجهة
في عام 2010 أفرجت سلطات الاحتلال عن صالح العاروري بعد أن قضى في السجن 18 عاماً، وأبعدته إلى سوريا، وكان في زيارات علنية دائمة للبنان. اعتقاله الطويل سيجعله أكثر التزاماً أمام زملائه بتحريرهم من السجن، لذلك كانت عمليات ومحاولات أسر مستوطنين وجنود في الضفة الغربية يتبعها مباشرة اتهام للعاروري بالمسؤولية. وبعد إحدى عمليات الأسر عام 2014، والتي أدت إلى مقتل ثلاثة مستوطنين في الخليل، انفجرت حرب استهدفت غزة، ومارست "إسرائيل" والولايات المتحدة ضغوطاً على تركيا أدت إلى إبعاده إلى لبنان. وبعد هذه الحرب التي شهدت قصفاً إسرائيلياً، وعمليات توغل، ازداد الحديث عن انتقال الخارج من مرحلة الإسناد إلى الانخراط في المعركة.

في عام 2018 نفّذ الموساد أول محاولة اغتيال لأحد كوادر حماس في لبنان، قال الإعلام العبري إنها استهدفت مسؤولاً في كتائب القسام ويُدعى محمد حمدان. وعلى الرغم من أن دوره، حسب هذا الإعلام، مقتصر على التجارب العلمية المتصلة بعمل الكتائب، إلا أنها لحظة التأريخ لانطلاق الصراع بين كتائب القسام و"إسرائيل" على/من أرض لبنان.

منتصف عام 2021، تنطلق معركة "سيف القدس" التي ألهبت حماسة الشباب الفلسطينيين في لبنان، وأُطلقت دعوات لبدء العمل المسلح، تكاد تشبه ما دار عام 1969، باستثناء أساسي أنها لا تلقى تعاطفاً واستجابة لبنانية هذه المرة. لكن تُعد هذه المعركة فاصلاً بين مرحلتي الإسناد و"انخراط الخارج في المعارك"، العبارة التي صارت تتردد في خطابات قادة الحركة، بما يوحي أن النقاش الداخلي قد حُسم لصالح مرحلة الإعداد للانخراط، وربما التنفيذ.

صواريخ من لبنان
نهاية عام 2021 الأنظار تتجه في لبنان نحو انفجار وقع في مخيم البرج الشمالي، قالت حماس إنه "ناتج عن تماس كهربائي في مخزن يحوي كمية من أسطوانات الأكسجين والغاز المخصصة لمرضى الكورونا"، بينما قال آخرون إنه وقع أثناء عملية تدريب عسكري. وفي كلا الحالتين قُتل شاب مهندس وُلد في مخيم البقعة في الأردن، وسُجن هناك بتهمة "دعم المقاومة" يُدعى حمزة شاهين. ليبدو حديث الإعداد العسكري حديثاً جدياً ويسير مساراً متسارعاً.

في اليوم التالي (12/12)، وأثناء التشييع، قُتل ثلاثة من المشيعين، من دون أن يردّ المسلحون التابعون لحماس ولو بطلقة واحدة. إشارة أخرى إلى انضباط عسكري، ومجموعات أبعد ما تكون عن العشوائية في التصرف، بل تخضع لأعراف تحكمها منذ زمن ليس بالقليل. إشارات تتجمع حول تشكل كتائب القسام، أو ما يوازيها، في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

في نيسان من العام الجاري، عشرات الصواريخ تنطلق من جنوب لبنان إلى شمال فلسطين، أثناء معركة "ثأر الأحرار" التي استهدفت قطاع غزة. اتهامات إسرائيلية لحركة حماس بالقصف، ومواقف الحركة تراوحت بين النفي والصمت. تلتها عشرات الخطابات لقادة الحركة تدعو "الأمة إلى انخراط في معركة التحرير، وتجاوز مرحلة الإسناد المالي والإغاثي"، وفق ما ردده أكثر من مسؤول في الحركة. أما "إسرائيل" فضاعفت من اتهاماتها لحماس في لبنان بالمسؤولية عما يجري من عمليات في الضفة الغربية.

"طوفان الأقصى"
معركة "طوفان الأقصى" الأكثر خطراً على وجود حماس في غزة، مقارنة بالمعارك السابقة، دفعت الحركة في لبنان إلى أول إعلان عن وجود كتائب عز الدين القسام في هذا البلد، فأطلقت صواريخ، وتبنت شهداء سقطوا أثناء المواجهات.

لا يمكن التنبؤ بتداعيات خطوة الإعلان عن "كتائب الشهيد عز الدين القسام – لبنان"، فالأمر متعلق أساساً بنتائج المعركة في غزة التي ستترك آثارها على الإقليم، لكن يمكن الجزم بوجود تداعيات على علاقات حماس والفلسطينيين بشريحة من الشعب اللبناني، وتأثيرها في تموضع الحركة في الخريطة السياسية في لبنان وقد صارت جزءاً منها، وكذلك على علاقتها بفصائل فلسطينية ستجد فيها منافساً جدياً وتحدياً متعاظماً.

كما سيترك ذلك انعكاسه على حضورها بين الفلسطينيين في لبنان. تكفي مثلاً الإشارة إلى مقطع صوتي تداوله الفلسطينيون في لبنان مؤخراً، ويعود لشاب يتهم حركة حماس بالتمييز بين أبناء الشعب الفلسطيني، والذريعة أنها ترسل فقط أعضاء الحركة لـ"العمل المسلح والاستشهاد"، وتحرم بقية الشعب من هذه المشاركة. ويختم اتهامه لحماس بالقول "إنتو جماعة ما بتخافو الله". هذه الأجواء يعرفها كل من يسكن المخيمات والتجمعات الفلسطينية، وهي تأثير مباشر لمعركة "طوفان الأقصى"، وانطلاق كتائب القسام في لبنان.

يعترف مصدر بحماس أن خطوة الإعلان عن وجود الكتائب في لبنان سيكون لها بعض الآثار السلبية، لكنه يعتبر أن مخاطر عدم الإعلان أكبر بكثير "فغزة تتعرض لإبادة يهدد وجودها، ووجود المقاومة في فلسطين، وربما القضية الفلسطينية، لذا فالمخاطرة مستحقة".

الحديث عن الانتقال من "فتح لاند" إلى "حماس لاند" قد يحمل الكثير من المبالغة، والتجاهل التام لاختلاف الظروف بين زمنين، وأن انطلاق العمل العسكري لكتائب القسام من لبنان لا يمكن أن يكون بهذه الصورة لولا تقاطعه مع أهداف حزب الله في هذه المرحلة بالتصدي للهجمة الإسرائيلية، ولا يمكن أن يتطور من ناحية العمليات العسكرية والقصف الذي يستهدف شمال فلسطين بمعزل عن حزب الله، وإن كان في مسألة الإسناد قد يختلف الأمر جزئياً كما دلت محاولة اغتيال حمدان وارتباطاته. في المحصلة، هناك محطة جديدة في تاريخ كتائب عز الدين القسام حين أضيف اسم لبنان إلى اسمها.

(انتهى)

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها