الجمعة 2023/01/27

آخر تحديث: 16:06 (بيروت)

فشل "الجماعة الإسلامية" في تظاهرتها إلى السفارة السويدية

الجمعة 2023/01/27
فشل "الجماعة الإسلامية" في تظاهرتها إلى السفارة السويدية
اكتفاء بإلقاء كلمة وحرق علم السويد أمام جامع الأمين في وسط بيروت (المدن)
increase حجم الخط decrease

انزعج المواطن الفقير كثيرًا حين شاهد الفيديوهات المترجمة لزعيم أحد الأحزاب اليمينية المتطرفة الدانماركية يحرق نسخة من القرآن من أمام السفارة التركية في السويد. عبث بشعر ذقنه الكث، تململ من على كنبته، وسرعان ما هاتف جاره في العمارة المقابلة، مستنكرًا وساخطًا. سأل المواطن الفقير جاره عن الخطوات التصعيدية لدرأ محاولات الغرب الشيطانية في شطب إرث المسلمين ومحوهم من الوجود، فرد الجار متلعثمًا، أرى أن ننزل ونحتج أمام السفارة السويدية في بيروت، أمام أعين هؤلاء الكفار، ليعرفوا من نحن ومن هم. وبرسالة مطولة فند فيها الجار اجتهاداته الشرعية معللةً بآيات قرآنية، حثّ إخوانه من الجامع القريب على العصيان، عبر تطبيق الواتساب، ليعود وينشرها على "الفايسبوك" مذيلةً بفيديو لخطيب الجامع محتقنًا، يدعو فيه جموع المسلمين الخُلص في لبنان للنزول بعد صلاة الجمعة (أي اليوم) إلى السفارة السويدية نصرةً للدين واستنكارًا لحرق كتابه، أسوةً بإخوانهم في السويد ، وإخوانهم الآخرين في مختلف أصقاع العالم المعاصر.

تظاهرة ملغاة
في المقابل، وفي الساعات اللاحقة من صلاة الجمعة وفي اليوم الموعود، تتسامق من على الرصيف المحاذي لعمارة السفارة السويدية في بيروت عناصر من مكافحة الشغب والجيش، مدججة بأسلحتها الحربية، فيما تعبث بعصيّها الحديدية في سأم وشبه حبور. يتمشى قائد الوحدة في أشواط متواترة، بين بداية الشارع ونهايته، لعله يلمّح فوجًا من المحتجين قادمين صوب السفارة، فيكون لتواجد وحدته الضخمة وفي هذا المكان المزدحم برواد المقاهي والمطاعم الفاخرة، وأصحاب السّيارات الفارهة، وفي ساعات الظهيرة المشمسة حدّ الكسل، أي جدوى. فيما يتبعه أحد المخبرين ذهابًا وإيابًا متمسكًا بهاتفه النقال لعله يسمع خبر من الجماعة الإسلامية المحتقنة والقادمة لإحراق السفارة، فيباغتهم العناصر بالصدّ فورًا. تمر عشر دقائق، نصف ساعة، ساعتين، ويرن هاتف المخبر، ألغيت التظاهرة بسبب الأعداد القليلة. فما كان من العناصر سوى الانسحاب إلى آلياتهم المنتشرة في محيط السفارة، بغبطة وابتسامة ساخرة.

في هذه الأثناء ارتأى جمع من الغاضبين من جامعٍ آخر أن لا ضير في توجيه رسالتهم من أمام جامع الأمين في وسط بيروت، فالرسالة ستصل إلى النصف الآخر من الكرة الأرضية في السويد طارقةً أذن "راسموس بالودان" الشرير كيفما اتفق. لذلك حضر حوالى العشرين شخصًا إلى التظاهرة، أعربوا عن غضبهم وولوا الأدبار منشرحين. هذا فيما بقيّ المواطن الفقير في منزله، لا لشائبة في نيته الخالصة، ولا حتّى كسلاً أو تراجعًا، بل لأن المواطن الفقير كان في جيبه حوالى المئة ألف ليرة، لا يستطيع بقيمتها استقلال سيارة أجرة أو حتّى حافلة نقل عمومي، من منزله إلى أمام السفارة السويدية ناهيك بالرجوع إليه. لذلك فضل المواطن الفقير، التضامن غيابيًا، عبر نشر الفيديوهات من أدلت وحلب وألمانيا والسويد وتركيا ودول الخليج، الذي يحرق فيه المسلمون الشرفاء الأعلام والصور، مطلقين الشتائم، ومشيدًا بتركيا التّي اتخذت إجراءات حازمة وصارمة تجاه "السويد التّي جعلت حرية التعبير أولوية على دخولها الناتو". متحسرًا على واقعه وبخوف من الجزاء اللاحق. بينما تضمحل مظاهر المراقبة الأمنية، لصالح مشهدٍ يستدعي وجودها أكثر.

بؤس عمومي
لا نحاول فيما سبق تعميم أي صورة نمطية، أو الاصطفاف إلى جانب قمع حرية التعبير أو تفلتها بصورة تمس بمشاعر الآخرين وكياناتهم، ولا نرمي في باطنية كلامنا هذا عن أن نسب الإلحاد في تراكم مطرد مثلاً. لا شيء من هذا هو الاستنتاج الصحيح، فيما سبق حاولنا الخوض في غمار مشهدٍ واحد من يوميات المواطن اللبناني الفقير، الذي لم يتحرّج في مراكمة عجزه وبؤسه، بل تحمله وتماشى معه، هذا المواطن الفقير المنتمي إلى أي طائفة أو مذهب أو حتّى خلفية اجتماعية وثقافية، هو ذاته يعيش اليوم عالقًا في كوة كالحة، يتخثر فيها الزمن، فيما يعجز عن الإتيان بموقف بل ويتحفظ عنه لفاتورته المكلفة. المواطن المنكوب، الذي سُرق، وانتحر، ومات عبثًا وغرق وحتى فُجّر، يقف اليوم محايدًا ومتمهلاً في نزعةٍ فطرية للبقاء المهدد بصورة مستمرة. ومحكومًا ببؤسه العمومي لا يستطيع مسلم لبنان أن يتظاهر كما مسلمي الأرض قاطبةً، فلا هو يمتلك رفاهية مسلم السويد الذي يحرق الأخضر واليابس في دول العالم الأول معبرًا عن رأيه. ولا مسلم السويد السّاخط والمتوعد يمتلك معرفة نعيم حريّة الرأي والحقوق وفاتورتها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها