الإثنين 2022/09/05

آخر تحديث: 16:03 (بيروت)

التشريع والفراغ الرئاسي: اللعب بالدستور يعلّم النواب "الحرام السياسي"

الإثنين 2022/09/05
التشريع والفراغ الرئاسي: اللعب بالدستور يعلّم النواب "الحرام السياسي"
القوى السياسية ستقرأ الدستور حسب مصلحتها (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

الأزمة الدستورية المتوقع حصولها في لبنان، في حال الوصول إلى الشغور في موقع رئاسة الجمهورية بظل حكومة تصريف أعمال، تطرح الكثير من السيناريوهات حول إمكانية أن يمتد الفراغ إلى السلطة التشريعية، أي إلى المجلس النيابي، الذي من المفترض أن يتحول إلى هيئة ناخبة في الأيام العشر الأخيرة من المهلة الدستورية المحددة لانتخاب رئيس جديد، أي منذ 21 تشرين الأول إلى 31 منه، مع العلم أن بعض الأوساط تنقل عن رئيس المجلس النيابي نبيه برّي تأكيده أنه "في حال انقضت المهلة الدستورية من دون إتمام انتخاب رئيس جديد وتولت الحكومة، سواء الجديدة أو تلك التي تصرّف الاعمال، صلاحيات رئيس الجمهورية، فإنّ المجلس النيابي سيعاود التشريع وسيستأنف دوره على هذا الصعيد ولن يكون مجرد هيئة ناخبة فقط".

تشريع الضرورة بظل حكومة تصريف أعمال وبظل فراغ رئاسي
هذا الأمر الذي يتحدث عنه برّي ممكن في حال تشكيل حكومة جديدة، على أن يجري تحت عنوان تشريع الضرورة، لكن في حال لم يحصل ذلك فإن هذا الأمر سيكون جزءاً من الأزمة الدستورية المنتظرة والعميقة، نظراً إلى أن التشريع يتطلب وجود حكومة، بغض النظر عما إذا كانت كاملة الصلاحيات أو تمارس تصريف الأعمال فقط.

يفصل الدكتور في القانون الدستوري عصام اسماعيل بين التشريع بظل حكومة تصريف أعمال، والتشريع بظل الفراغ الرئاسي، مشيراً عبر "المدن" إلى أن التشريع بظل حكومة تصريف أعمال أصبح ممكناً ومتفقاً عليه، وقد حصل سابقاً في أكثر من مناسبة، كونه لا يوجد أي نص دستوري يربط بين شرعية التشريع ووجود حكومة تصريف أعمال.

هذا قبل الشغور الرئاسي، أما بحال الشغور فهنا نحن أمام مشهدين، الأول هو تشكيل حكومة جديدة ونيلها الثقة. وهنا -حسب اسماعيل- لا مشكلة بالتشريع، والثاني هو استمرار حكومة نجيب ميقاتي الحالية، والتي لا يمكنها استلام صلاحيات الرئاسة لأن الدستور بالمادة 62 منه ينص على أن صلاحيات الرئاسة تتنقل الى مجلس الوزراء مجتمعاً، لا إلى وزير أو رئيس الحكومة، وبما أن ميقاتي نفسه قد عمل بفتوى دستورية عام 2012 تقول بأن مجلس الوزراء بحالة تصريف الأعمال لا يجتمع، فهذا يعني أن حكومته الحالية لا يمكنها تولي صلاحيات رئاسة الجمهورية، وبالتالي يصبح التشريع بلا جدوى، كونه لن يصدر، أي لن يُوقع من قبل رئاسة الجمهورية بسبب غياب من ينوب عنها بصلاحياتها.

الشغور الرئاسي يفرض تشريعاً استثنائياً
بالمقابل يرى الخبير الدستوري عادل يمّين أن هناك إشكالية حول ما إذا كان على المجلس النيابي أن يمتنع عن التشريع، بمجرد وجود حكومة مستقيلة، عملاً بمبدأ توازن السلطات، مشيراً عبر "المدن" إلى أن الرأي الغالب يُبقي للبرلمان حقه في التشريع حتى ولو بظل حكومة مستقيلة، خلافاً لما هو الحال فيما لو وقع الشغور بسدة الرئاسة، لأن رئيس الجمهورية هو الوحيد الذي أقسم اليمين على المحافظة على الدستور ويملك صلاحية رد القوانين إلى البرلمان. ويملك أيضاً صلاحية الطعن بها أمام المجلس الدستوري، حيث يتعين على المجلس خلال فترة الشغور بسدة الرئاسة أن يحصر التشريع في حالات الضرورة، وعلى سبيل الاستثناء، حفاظاً واحتراماً لمبدأ توازن السلطات ولصلاحيات رئيس الجمهورية وخصوصاً اللصيقة بشخصه، والتي يتعذر على مجلس الوزراء حتى ولو كان بظل حكومة مكتملة المواصفات الدستورية القيام بها، على الرغم من عدم وجود نص دستوري صريح يمنع التشريع في ظل خلو سدة الرئاسة.

شلل تام وصعوبة إقرار القوانين
إن توازنات المجلس النيابي الحالي قد تدفع العديد من الكتل إلى رفض منطق تشريع الضرورة، بهدف الضغط من أجل إنجاز الاستحقاق الرئاسي. الأمر الذي سيكون له تداعيات كبيرة على الواقع المحلي، نظراً إلى أنه سيكون بمثابة شلل تام على كافة الاتجاهات، علماً أن أغلب القوى النيابية المسيحية تنظر للتشريع قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية، وبعد انعقاد جلسة الانتخاب الأولى، غير ممكن أيضاً بسبب تحوّل المجلس النيابي إلى هيئة ناخبة، وهو ينفي صحته يمّين، مشيراً إلى أنه "ينبغي التأكيد أن مقولة أن مجلس النواب يصبح هيئة انتخابية منذ دخول المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، ولا يحق له القيام بعمل آخر، مقولة خاطئة، لأن الطبيعة الانتخابية للبرلمان تنحصر في الجلسة التي يدعو إليها رئيس المجلس، ويكون جدول أعمالها مخصصاً لانتخاب رئيس. وبالتالي، في هذه الجلسة فقط لا يحق له القيام بأي عمل آخر غير انتخاب رئيس للجمهورية.

هذا الواقع، قد يكون هو الدافع الأساسي وراء إعلان برّي قبل مدة رغبته في إقرار القوانين الإصلاحية قبل الدعوة إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، لكن من الناحية العملية، هذه القوانين تواجه مطبات كثيرة تجعل من الاستحالة إقرارها في وقت قريب، فالموازنة العامة تحتاج إلى التوافق على سعر الصرف، بينما النقاش في الكابيتال كونترول معلق ورئيس الجمهورية رد قانون السرية المصرفية، في حين أن خطة التعافي المنتظرة من غير المتوقع أن يكون مصيرها أفضل حالاً.

في الفراغ الرئاسي بين عامي 2014 و2016 كان يندلع الخلاف السياسي عند كل تشريع يقوم به المجلس النيابي، ويومها لم تكن الحكومة كالموجودة اليوم، وبالتالي وبسبب عدم وضوح النصوص الدستورية والثغرات الموجودة فيه، وغياب مرجعية لتفسير الدستور، يرى يمّين أن القوى السياسية ستقرأ الدستور حسب مصلحتها، وسنكون أمام أزمة دستورية وسياسية كبيرة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها