الثلاثاء 2022/07/12

آخر تحديث: 15:05 (بيروت)

المقاومة والتخصُّص الطائفي

الثلاثاء 2022/07/12
المقاومة والتخصُّص الطائفي
من غير المستغرب أن يشعر الشيعة بأن لهم على الآخرين دَينًا كبيرًا (عزيز طاهر)
increase حجم الخط decrease
في النقاش حول سلاح حزب الله، يسلِّم الجميع تقريبًا، بمن فيهم رافضو ذاك السلاح، بأن لإسرائيل نوايا عدوانية وأطماعًا في أرض لبنان ومياهه وثرواته. عليه، يتفق الجميع على حاجة لبنان إلى قدرات دفاعية لمواجهة هذا الخطر المحدق بالبلاد والعباد. وبما أن الجيش اللبناني لا يمتلك هذه القدرات الدفاعية، تصبح المطالبة بالتخلي عن سلاح حزب الله، قبل بناء جيش وطني قوي، مجازفة كبرى، إن لم تكن ضربًا من ضروب الاستسلام أو الخيانة.

من غير المحمود الخوض في مقولة نوايا إسرائيل وطبيعتها العدوانية. لأن مجرد الخوض فيها يعرِّض المرءَ إلى حملات تخوين مضجرة دائمًا، وقاتلة أحيانًا. لكن هناك مسألة أخرى على قدر مساوٍ من الأهمية، إن لم تكن أهم، ولا ينتبه إليها حتى معارضو سلاح حزب الله. والمسألة هذه هي: إذا كان لا بد من سلاح مقاوم خارج أطر الدولة ومؤسساتها، فلماذا تُحصر تلك المسؤولية العظيمة بجماعة أهلية واحدة (الشيعة) من دون سواها؟ وتاليًا: لماذا تأخذ مقاومة العدو المتربص بالوطن هذا المنحى الطائفي الحاد، بالرغم من أهدافها الوطنية العامة؟

طبعا هناك التفسير الجغرافي. والسردية الجغرافية هنا، هي أن أهل الجنوب -الذين تعرضوا لاعتداءات إسرائيل، واحتلت لعقود شطرًا من أرضهم- هم في معظمهم شيعة. لذا كان من الطبيعي أن يطغى حضورهم في مشروع مقاومة إسرائيل.
الذريعة الجغرافية هذه غير مقنعة. فهي لا تفسر غياب غير الشيعة من أهل الجنوب عن المقاومة منذ عقود. لنفكر مثلاً في سنّة شبعا، غير المنخرطين في المقاومة في شكلها الحالي، مع أن مزارع شبعا ما زالت محتلة إلى يومنا هذا. أو لنفكر في مسيحيي القرى الحدودية، أو جزين. هنا أيضًا لا يصمد العامل الجغرافي في تفسير إقبال شيعة البقاع على المقاومة. فالهرمل مثلًا، على عكس شبعا، أبعد ما تكون عن الحدود الجنوبية. وهي لم تعرف يومًا الاحتلال الإسرائيلي. مع ذلك يقبل شبان هرمليون على المقاومة، بحميّة توازي حمية أهل بنت جبيل الحدودية، إن لم تتفوق عليها.

هناك تفسير آخر لظاهرة التخصُّص الطائفي في مقاومة العدو، يستند على "الفاعلية والكفاءة". وحسب هذا التفسير أن نجاحات حزب الله الساحقة في مقاومة إسرائيل، أهّلته للحصول على ما يشبه الحق الحصري في المقاومة. وبما أنه حزب شيعي عقائدي، انحصرت المقاومة طبعًا بمن يعتنق عقيدة هذا الحزب.
لربما كان هذا التفسير المستند إلى الكفاءة والفاعلية، أقرب إلى الصحة من التفسير الجغرافي. لكنه، وإن صحَّ تفسيرًا لظاهرة الحصرية الطائفية للمقاومة، فهو يطرح إشكالية أكبر. فمن شأن التمايز الحاد لجماعة أهلية في مسألة وطنية أساسية يُسبغ عليها طابع التقديس، شأن مقاومة العدو، أن يقضي على أسس الوطن نفسه، خصوصًا إذا كان الاستعداد للتضحية والكفاءة مصدر هذا التمايز.

فأن يكون الشيعة هم الأجدر في مهمة حماية الوطن، يعني أن الجماعات الأخرى إما غير مؤهلة لهذه المهمة، أو لا ترغبها. وفي الحالتين نحن أمام نوع من "أبارتايد" طائفي، يفصل "الطائفة الممتازة"، الأقدر على حماية الوطن، عن الطوائف والجماعات الأخرى، التي هي إما عاجزة أو متخاذلة، وبالتالي أقل شأنا في سلّم المواطنة.

فعندما تكون المقاومة -والتضحية التي تتطلبها هنا هي الشرف الأعظم- تصير الجماعة الأهلية التي تصدر عنها حصرًا تلك المقاومة، أشرف الناس، وتصير سواها من الجماعات تلقائيًا أقل شرفًا.

وحصر المقاومة في الطائفة الشيعية يجعل دور البطولة محصورًا في رجال هذه الطائفة. أما غير الرجال فلهم ولهن أدوار وتضحيات لا تقل شأنًا، إذ هم أهل الشهيد: والداه، أخواته، زوجته، أبناؤه، ولفيف أقاربه وقريباته. أما غير الشيعة، أكانوا رجالًا أم سوى ذلك، فلهم الأدوار الثانوية فقط. وهم إما إن يكتفوا بدور الكومبارس المهلل للبطل في أفضل الأحوال، أو بدور الخائن الحقود الذي لا يعترف بالجميل.
لا مفر من هذا "الأبارتايد" الطائفي، إذا قبلنا بأولوية المقاومة وحصريتها الطائفية في آن معًا. لتفادي هذا "الأبارتايد" الذي يدمر أسس الوطن والمواطنة، لا بد من رفض المقاومة أو رفض حصريتها. أما إذا كانت المقاومة ضرورة، وكان تخصُّصها الطائفي -أكان شيعيًا أو غير شيعي- شرطُ فاعليتها، فنحن أمام حالة تشبه حالة شخص عليه أن يختار بين تهديد المرض العضال، وتجرع السم الذي يقضي على المرض والمريض معًا.
وبما أن الجميع تقريبًا يقرون بأولوية التصدي لأطماع إسرائيل وعدوانها، فمن غير المستغرب أن يشعر الشيعة بأن لهم على الآخرين دَينًا كبيرًا، لأنهم يتصدون للمهمة الوطنية العظمى وحدهم من دون سواهم. وفي المقابل فإن تصدي الشيعة وحدهم لهذه المهمة، هو في ذاته ما يفقد المقاومة قيمتها الوطنية الجامعة، ويجعلها في واقع الأمر مشروع فعل وهيمنة طائفيين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها