الخميس 2022/05/19

آخر تحديث: 13:36 (بيروت)

الشيعة والانتخابات..

الخميس 2022/05/19
الشيعة والانتخابات..
كانت الانتخابات اللبنانية وكأنها تحدث في بلدين أو عند شعبين (المدن)
increase حجم الخط decrease

لنتخيل لو أن كل رجال الأرض (حوالى 3 مليار نسمة) هم جميعهم نسخة مكررة لشخص واحد، على صورة محمد رعد، أو حتى توم كروز مثلاً. أقصد أن يكون كل رجال العالم مستنسخون ومتطابقون جسداً وعقلاً وسلوكاً وذوقاً ووجداناً، خالين تماماً من أي علامة فارقة أو تمييز. رجل واحد مكرر ثلاث مليارات مرة. ويروح كل واحد منهم يسأل: "من أنا ومن هو ومن ذاك ومن ذلك؟" إلى ما لا نهاية.

هذا كابوس يفوق كل الكوابيس.

يوم الأحد 15 أيار 2022 أراد حزب الله وحركة أمل أن يحدث ذلك، أن يكون نحو مليون لبناني شيعي شخصاً واحدًا مكررًا. وأي فرد غير مطابق للصورة هو ببساطة مسخ.

للمفارقة، هذا الأمر حدث في يوم الانتخابات، الإجراء الديموقراطي الذي اختُرِع خصيصاً لإدارة الاختلاف والتنوع، وفق مبدأ حرية الرأي والضمير، ووفق إقرار عميق بالتمايز بين الأفراد ولا تشابههم. فكل آليات الانتخاب وُجدت لصيانة واحترام هذه المفاهيم.

مع ذلك، "الثنائي الشيعي" كان شديد الإصرار، وعلى نحو بالغ التشنج، لأن يكون كل شيعي نسخة مطابقة لناخب واحد. وبلغ به الأمر إلى مستوى فقهي ديني: كل من يرفض ذلك هو كافر يعصي الله ويخرج من ملّة محمد ويخون الأئمة والشهداء.. إلخ. وفحوى خطابات حسن نصرالله، وبعده خطباء المساجد، تضمنت "تكليفاً شرعياً" يضع على المحك الانتخاب والدخول إلى الجنة في ميزان واحد.

بطبيعة الحال، ولأن البشر ناقصون ولا يبلغون الكمال، ومستعصون على التطابق الكلّي، اضطر "الثنائي" إلى الكثير من أنواع العنف السياسي واللغوي والاجتماعي وخصوصاً العنف الاقتصادي، من أجل تذويب "شعبهما" في كائن واحد عديم النتوءات، ليس له إلا صوت واحد، رتيب إلى الأبد.

بهذا المعنى، كانت الانتخابات اللبنانية وكأنها تحدث في بلدين أو عند شعبين. الأولى، عبارة عن هرج ومرج وصخب ومعارك سياسية وأحزاب ومستقلين وسجالات وميول متماوجة، متحولة، متبدلة، وفيها كل الصالح والطالح، الخطأ والصواب، الصدق والكذب، المال والإيمان، المصالح والأفكار، الأنانية والغيرية.. والثانية، عبارة عن تعبئة عسكرية-دينية  من أجل مهمة وجودية قيامية، أشبه بيوم خروج ملة موسى من مصر.

وعلى هذا الفارق الهائل بين الانتخابين، تقوم "المسألة اللبنانية" كمعضلة مستعصية تعطب النظام اللبناني.

في عام 2005، استطاع "الثنائي" أن يحجر الشيعة خارج أهم لحظة في تاريخ لبنان الحديث حين خرج اللبنانيون ضد الجريمة وضد ما كان يسمى "وصاية" مهينة. بل وحال دون تكامل "التحرير" مع "الاستقلال الثاني". فأحبط فرصة التحرر والانسجام الوطني، إحباطاً كسر الكيان وأعطب الدولة. وعلى هذا كانت المآسي المتكررة من 2006 إلى اليوم، والتي وسّعت الصدع وغرّبت الشيعة أكثر فأكثر.

في العام 2019، كان المشهد المأسوي، حين أُمِر أولئك الشيعة الذين سهوا عن "الطاعة" للخروج من لقاء اللبنانيين على الغضب والاعتراض، ليعودوا إلى المصهر والذوبان في كائن واحد يصرخ "شيعة.. شيعة". وهذا أيضاً ما حال دون الخلاص من دوامة الانهيار والانعتاق من الأزمة القاتلة.

والمحزن أكثر، هو تكرار ذاك المشهد المأسوي في انفجار المرفأ، تماماً كما في 2005 أو 2019 أو في أي وقت وعند أي حدث عمومي. هكذا انعطب مجدداً مطلب الحقيقة والعدالة.

في العام 2022، بات واضحاً عند اللبنانيين أن لا محيد عن مطلب "التغيير". وذهبوا إلى الانتخابات وفق هذه الرغبة. حتى أولئك الذين يستهدفهم التغيير تموهوا بالشعار نفسه، وكلهم ادعوا وصلاً بليلى.. وحدث ذلك بتفاوت، وبمفاجآت سارة أو مخيبة. بل ويمكن القول أن الانتخابات كانت ثورية في بعض نتائجها.

بالمقابل، كانت حركة أمل وكان حزب الله، ينجحان مجدداً على نحو مذهل في حماية الشيعة من آفة التغيير. استطاعا ببراعة أن يكون "شعبهما" نسخة مكررة مئات آلاف المرات لشخص واحد، صوت واحد، نائب واحد، كي لا يكونوا مسوخاً، أو حسب قول محمد رعد: دروعاً للصهاينة والأميركان.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها