السبت 2022/01/01

آخر تحديث: 11:08 (بيروت)

2021: عام المواجهات القضائية.. وغياب العدالة

السبت 2022/01/01
2021: عام المواجهات القضائية.. وغياب العدالة
يتفاءل البعض بإمكانية أن يحمل عام 2022 انتفاضةً قضائية لرفع اليد السياسية عن القضاء (Getty)
increase حجم الخط decrease
عام 2021، كان عام المواجهات القضائية. جريمة انفجار مرفأ بيروت يوم 4 آب تتصدّر المشهد القضائي، خصوصاً لما شهده هذا الملف من تجاذبات وتعطيل وعرقلة وحملات واتهامات. بعده ملفان قضائيان أمنيان متشابهان، أحداث الطيونة وأحداث خلدة. بعدهما ملف قضائي مالي شهد عصيان القاضية غادة عون لقرارات النيابة العامة في قضية تحويل الأموال للخارج. ثم قضية اغتيال الناشر والسياسي المعارض لحزب الله، لقمان سليمان، التي لا يزال ملف التحقيق فيها خالٍ من أي ورقة على ما يبدو. إضافة إلى ملفات قضائية متعلّقة بتوقيف ناشطين واستدعاء آخرين على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها بيروت ومختلف المناطق.

خلاصة الترنّح
لا يتردّد كثيرون من متابعي الملفات القضائية في القول إنّ المواجهات التي حصلت في القضاء خلال العام المنصرم أحيت فعلياً فكرة وجود قضاء وقضاة مستقلّين عن السلطة السياسية. هذا ما يمكن استخلاصه من ملف المرفأ مثلاً، وإسقاط محاولات العرقلة وتطيير المحقق العدلي مراراً وتكراراً. لكن ذلك لا يلغي ضرورة طرح سؤال بديهي: ما هي خلاصة كل هذه المواجهات؟ هل تحقّق شيء؟ فبين رجال القانون والمحامين قاعدة ذهبية تحكم، وهي القائلة إنه "إذا كنت ضحية وأثبتّ ذلك، ولم يصدر حكم قضائي ينصفك، فإذاً لست ضحية ولم تنل مرادك". وبناءً على هذه القاعدة، لم يتحقّق خلال العام الماضي أي حقّ أو مطلب جراء كل المعارك القضائية التي تمّ خوضها، أكان في المرفأ وتهريب الأموال والاعتداء على السلم الأهلي وحقوق الناس. الترنّح، هو السائد على الساحة القضائية. حتى أنّ الترنّح هو واقع القضاء الذي يحاول الإفلات من قبضة السياسيين ومن هم في السلطة. 

انفجار مرفأ بيروت
في ملف انفجار المرفأ، انطلق عام 2021 والتحقيق معطّل بفعل دعوى الارتياب المشروع المقدّمة ضد المحقق العدلي السابق القاضي فادي صوّان. تم تنحية الأخير في شباط، وعيّن القاضي طارق البيطار خلفاً له في 19 شباط. بعد شهرين تقريباً، تخلّلها مراجعة الملف والتحقيق والاستجوابات وإعادة استجواب الموقوفين واستدعاء شهود ومدعى عليهم، بدأت خطوات البيطار تتوالى. فكان قرار أول بإخلاء سبيل عدد من الموقوفين، ثم قرار آخر مشابه. وبينهما اطلاع على تقرير الخبراء الفرنسيين، ومحاكاة عملية التلحيم. ولدى القيام بالعملية، نجحت تجربة وحيدة من أًصل خمسة. ثم ادّعاء واضح على المسؤولين السياسيين، رئيس الحكومة السابق حسان دياب، والوزراء السابقين علي حسن خليل ونهاد المشنوق وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس، إضافة إلى اللواء عباس إبراهيم وطوني صليبا، وضباط القيادة العسكرية السابقة، قائد الجيش السابق جان قهوجي وقائد المخابرات السابق كميل ضاهر والعميدين غسان غرز الدين وجودت عويدات. ويضاف إلى ذلك توقيف شخصين إضافيين، هما مدير العمليات السابق في المرفأ سامي حسين، ومدير إقليم بيروت بالإنابة في الجمارك سابقاً وعضو المجلس الأعلى للجمارك هاني الحاج شحادة. وبعدهما دخل الملف في نفق التعطيل، من خلال طلبات ردّ ودعاوى ارتياب مشروع، وطلبات نقل ودعاوى مداعاة الدولة، تم خلالها كفّ يد المحقق العدلي لثلاث مرّات.

25 إجراء.. 18 موقوفاً
في العام الأخير، تم تقديم 25 دعوى وطلب ردّ ونقل ومداعاة وإجراءات قضائية مختلفة بهدف عرقلة عمل المحقق العدلي وإعاقة التحقيق. كما تمّ إيصال رسال تهديد للمحقق العدلي، الذي تعرّض أيضاً لحملة سياسية وإعلامية شديدة، اتّهمته بالتسييس والاستنسابية والعمل وفق أجندات خارجية والتنسيق مع سفارات، بغية التشكيك في مصداقيته. كما حاولت جهات سياسية وقف التحقيق من خلال افتعال حادثة الطيونة يوم 14 تشرين الأول الماضي، وسقط بنتيجتها 7 ضحايا. وانتهى العام بكفّ يدّ البيطار، خلال الأسبوع الأخير من كانون الأول. وبعد إخلاء سبيل 9 موقوفين، وتوقيف اثنين آخرين، استقرّ عدد الموقوفين على 18. مع إصدار مذكرتي توقيف غيابية بحق كل من الوزيرين السابقين خليل وفنيانوس. ومذكّرتي إحضار بحق رئيس الحكومة السابق حسان دياب. كلّها لم يتم تنفيذها من قبل القوى الأمنية في خروج فاضح على القانون.

وكان الهجوم على القضاء شاملاً انطلاقاً من ملف المرفأ. إذ حاول بعض من في السلطة الاقتصاص من قضاة في محكمتي الاستئناف والتمييز، وحتى من رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، لممارستهم قناعاتهم وحماية القاضي طارق البيطار. في حين جسّدت أعمال القاضي حبيب مزهر خرقاً واضحاً للصلاحيات، من دون أن يتمّ التحقيق فيها أو إحالتها إلى التفتيش القضائي. في خلاصة مشهد تحقيق المرفأ، أنّ مواجهة قضائية قاسية عطّلت خلالها القوى السياسية عمل الحكومة وفرضت اشتباكات مسلّحة وهدّدت القاضي والقضاء، وحاولت نسج التسويات والمساومات، إلا أنها لم تنجح حتى الساعة في تنحية القاضي البيطار. صمد الأخير في وجه كل الحملات التي سيقت ضدّه، لكنّ التحقيق لم يصل بعد إلى نتائج ملموسة بفعل كل العراقيل الموضوعة في دربه.

بين الطيونة وخلدة
بين أحداث الطيونة الأخيرة وأحداث خلدة الثانية (التي جاءت رداً على الأحداث الأولى مع قتل الطفل حسن غصن)، نقاط تشابه كثيرة. في الملفين، طرف مشترك هو ثنائي حزب الله وحركة أمل أو من يدورون في فلكهما المذهبي والسياسي. أحداث الطيونة، تم فيها توقيف عشرات الشبان من منطقتي فرن الشباك وعين الرمانة، من دون توقيف أي من مطلقي النار من منطقة الشياح. المشهد نفسه حصل في ملف خلدة، حيث تم توقيف عشرات الشبان من عشائر العرب من دون حتى تدوير إفادات أنصار الثنائي. العامل المشترك الآخر بين الملفين، الاقتحامات المسلحة والترهيب وافتعال الأزمات وإثارة النعرات الطائفية. وعامل ثالث، شعار "شيعة شيعة" التي تكرّر بين خلدة والطيونة. وخلاصة المشهدين واحدة أنّ القضاء دان طرف واحد وانتصر لآخر ولو أنه مسؤول مباشر عن الأزمات.

عون والتحويلات المالية
في سياق منفصل، لعبت القاضية غادة عون دور البطولة في مسلسل التحويلات المالية، ومواجهتها كل من حاكم مصرف لبنان وشركة مكتّف وشركة "بروسيك". عمل قضائي تخلّلته أعمال كسر وخلع أقدمت عليها القاضية للحصول على معلومات وداتا وأجهزة كومبيوتر وسيرفيرات، ضاربة بعرض الحائط قرارات النيابة العامة، التي كّفت يدها عن النظر في الملف أساساً. بعد أشهر من العراضات، تخلّلها حتى صدامات بين جمهور التيار الوطني الحرّ والقوى الأمنية، ليس من خلاصات تذكر. سلامة في موقعه، يصدر بياناً تلو الآخر، ويتحّكم بالدولار ويحمي المصارف، ويضع خطة تلو أخرى للتحايل على المودعين وحساباتهم. شركة مكتّف تنفي كل ما أشيع حولها، وقرارات القاضية غادة عون متوّقفة، وكذلك الحال بالنسبة لشركة "بروسيك". فما نفع كل تلك العراضات السياسية والإعلامية التي حصلت على مدى أشهر؟ لا أموال المودعين أعيدت، ولا عملية التهريب انفضحت.

اغتيال لقمان سليم
في الرابع من شباط 2021، عثر على جثة لقمان سليم داخل سيارته مصابة بطلقات في الرأس والرقبة. الجميع بات يعرف الرواية، يعرف أي كان، وأي وُجدت الجثة، ومن يسيطر على تلك المنطقة الجنوبية. لكن أحداً لم يعرف بعد من نفّذ آخر الاغتيالات السياسية في لبنان. حتى القضاء اللبناني، لم يصدر بعد أي قرار أو إجراء من شأنه توضيح جميع ملابسات العملية للبنانيين. وعلى ما تقول عائلة سليم، "التحقيق بعد ما فيه ورقة واحدة". فقط تدوير لإفادات شهود وأصدقاء، ومن التقوه قبل خطفه واقتياده إلى القتل. حتى قضية هاتف لقمان، التي أثير حولها الكثير من الجلبة، لم تتوضّح بعد. فانضمّت قصة لقمان إلى قصص عشرات السياسيين اللبنانيين، والأمنيين والصحافيين والناشطين، الذين أردتهم "أيادٍ سود" في لحظة سياسية مناسبة. وثمة من يرفع شعار "المجد لكاتم الصوت". إلا أنّ لقمان وغيره، قضوا بآلات قتل شديدة الضجيج، أما خلاصات تلك العمليات والتحقيق فيها، فهي الصامتة.

ترهيب الناشطين
واستمرّت في العام الأخير تردادات انتفاضة 17 تشرين على مستوى ملاحقة الناشطين أمنياً وفي القضاء. فافتتح العام بقضية توقيف 24 شخصاً على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها مدينة طرابلس نهاية عام 2020 ومطلع عام 2021. أطلق سراح العديد منهم، وبقي 6 شبان بقاعيين اتّهموا بافتعال الأحداث في طرابلس. وصل الحدّ إلى اتهام الناشطين بتشكيل عصابات وتمّ الادعاء عليهم بمواد من قانون الإرهاب. كل ذلك حصل، في حين أنّ جريمة موصوفة تمّ ارتكابها في طرابلس في ذلك الوقت، وتمثّلت بإحراق المبنى البلدي في المدينة. ولم يتمكّن القضاء إلى الآن من توقيف شخص واحد أو حتى الاشتباه باسم واحد مسؤول عن تلك الواقعة. مع العلم أنّ كاميرات المراقبة في محيط البلدية يمكن أن تقول الكثير بهذا الخصوص. وقد حاولت بعض القوى السياسية تجسيد احتجاجات طرابلس على أنها محاولة "إرهابية" للنيل من الدولة اللبنانية. كما استمرّ خلال العام الأخير، مسلسل استدعاء الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، للمثول أمام أفرع أمنية، في مشهد إحكام القبضة البوليسية على صاحب أو صاحبة أي رأي مخالف للسلطة.

واقع القضاء خلال العام الأخير لخّصت القاضية غادة عون جزءاً منه في سلسلة تغريدات لها، جاء في مقتطفات منها: "إذا محكمة التمييز تريد إيجاد فتوى فهذا آمر آخر"، وسؤال "لماذا لا تزال الدعوى تحور وتدور"؟ وحالة عصيان القاضية عون نفسها تلخّص جزءاً آخر من الواقع القضائي. ومع الجزأين السابقين، نضيف واقع التعطيل والتهديد في ملف انفجار مرفأ بيروت، ثم الضغط على الناشطين وغياب التحقيق عن اغتيال لقمان سليم. فنستعين مجدداً بعبارة أوردتها عون في تغريدة لها، "يا ربّ خلّص شعبك، أمركم لله يا شعبي". 

يتفاءل بعض المعنيين في عمل القضاء بإمكانية أن يحمل عام 2022 معه انتفاضةً قضائية، يسعى من خلالها العديد من القضاة إلى رفع اليد السياسية التي يراد لها أن تحكم قصر العدل وتسلب القرار من السلطة القضائية. قد يكون هذا التفاؤل ممكناً، إلا أنّ الأكيد أنّ لا تحرير فعلي للسلطة القضائية سوى من داخلها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها