السبت 2021/09/25

آخر تحديث: 20:57 (بيروت)

"مستر حزب الله": خفايا تبادل الأسرى ولقاءاته بوفيق صفا

السبت 2021/09/25
"مستر حزب الله": خفايا تبادل الأسرى ولقاءاته بوفيق صفا
التقى بصفا داخل مقهى متواضع في مركز تجاري في بيروت (الانترنت)
increase حجم الخط decrease
لا يتذكر كثيرون ربما اسم رجل المخابرات الألماني غيرهارد كونراد، الملقب بـ "مستر حزب الله"، والذي منحته الخدمة الاستخبارية الطويلة في عواصم الشرق الأوسط، من دمشق إلى بيروت وطهران والقاهرة، وصولاً إلى تل أبيب، قدرة الغوص في الخفايا واكتساب ثقة من يفاوضهم، حتى نجاحه في إتمام صفقاتٍ عدة أبرزها إفراج حزب الله عن جثث ثلاثة قتلى من الجنود الإسرائيليين وتاجر المخدرات الحنان تاننباوم في مقابل 29 أسيراً لبنانياً و400 أسير من الرعايا العرب عام 2004. لتليها صفقة العام 2008 التي أُفرج بموجبها عن سمير القنطار.

الرجل الخفي
الرجل الخفي الذي اكتسب عندما كان سفيراً مقيماً للاستخبارات الألمانية في دمشق لفترة طويلة في تسعينيات القرن الماضي، خبرة واسعة في الملفات العربية وشبكة مهمة من الأصدقاء على مستوياتٍ مختلفة. يعود في مقابلة حصرية مع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، ليسرد بعض التفاصيل القديمة عن تفاوضه مع حزب الله وحماس.

تقاعد كونراد قبل بضع سنوات لكنه يواصل متابعة الأحداث في إسرائيل والشرق الأوسط. وهو على دراية كبيرة بما يجري. وتصفه الصحيفة الإسرائيلية بأنه حليف مخلص لجهاز الموساد. وهو يقول بدوره "كنتُ أتصرف دائماً بعد الحصول على تصريح من الحكومة الفيدرالية الألمانية وبإرشادات وتعليمات الاستخبارات الألمانية بناءً على طلب الحكومات الإسرائيلية".

وعلى الرغم من تعاطفه بوضوح مع إسرائيل وقيمها، إلا أن صفات كونراد الأساسية هي التي مكنته من كسب ثقة المنظمات المعادية للدولة العبرية. إذ يصفه نائب رئيس الشاباك الأسبق عوفر ديكل - الذي كان بين عاميّ  2006 و2009 منسق رئيس الوزراء لشؤون أسرى الحرب الإسرائيليين - بأنه "دقيق للغاية وموثوق" و"رجل يهتم بالتفاصيل ولا يترك غايات فضفاضة". فمن خلال كونراد، عزز ديكل الاتصالات غير المباشرة مع حزب الله، في اجتماعات في أوروبا وإسرائيل، وأعّد أيضاً الأساس لصفقة شاليط عام 2011، على الرغم من أن تلك الصفقة أبرمها في النهاية خليفه، مسؤول الموساد ديفيد ميدان.

رجل المخابرات في سوريا ولبنان
ولد غيرهارد كونراد في ألمانيا عام 1954. وفي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، درس اللغة العربية وتخصص في الشريعة الإسلامية. تابع دراسته في القانون الألماني والقانون الدولي. وأثناء حصوله على الدكتوراه من جامعة "بون"، عمل كضابط احتياط في القوات الجوية في وزارة الدفاع.

مع هذه الخلفية، لم يكن مفاجئاً أن تكون دائرة المخابرات الفيدرالية الألمانية حريصة على تجنيده. وفي عام 1998، عين ممثلاً للمخابرات الألمانية في دمشق، ثم في بيروت. وعمل تحت غطاء دبلوماسي في السفارة الألمانية في كلتا العاصمتين، مستخدماً لقب "الملحق الثقافي". لكن كل من تواصل معه تقريباً أدرك أنه كان رجل المخابرات الألمانية.

مصطفى بدر الدين المتقلب
يذكر كونراد خلال المقابلة أن من أكثر اللقاءات التي أثارت اهتمامه، كانت لقاءه بالقيادي في حزب الله، مصطفى بدر الدين، ابن عم وصهر عماد مغنية، والذي كان قائداً فرع العمليات الخارجية لحزب الله في سوريا. وقد اغتيل بدر الدين، وفق ما تفترضه إسرائيل، في مطار دمشق في أيار 2016، بأوامر من الجنرال قاسم سليماني، القائد الأسبق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

يختار كونراد كلماته بعناية في وصفه بدر الدين، فيقول عنه "اشتهر بكونه متوحشاً، أو لأكون أكثر دقة متوحشاً ومتقلباً بشكل خاص". ويتابع: "كان مزاجه متقلباً. فحيناً يكون كالأمير الساحر مع ابتسامة واسعة ومفعمة بالحيوية، وحيناً أخر يتحول عدوانياً محتفظاً بآداب السلوك. وتعود عدوانيته إلى الألم الجسدي والعصبي من تنوع جروحه، بما في ذلك بتر ساقه وتركيب ساق خشبية له".   

صفقة 2004
أنهى كونراد في عام 2002 عمله في بيروت، بعدما راقب عن كثب انسحاب إسرائيل في أيار 2000 من لبنان، وهجمات 11 أيلول 2001 الإرهابية في الولايات المتحدة. عقب ذلك، عين في قسم البحوث في مقر وكالته في بولاش، جنوب ميونيخ، فعمل في مهام بحثية إضافة إلى المهام التشغيلية. وبعد وقتٍ ليس بالطويل، أرسله رئيس الوكالة إرنست أورلاو للإشراف على جهود الإفراج عن الرهائن النمساويين والألمان المحتجزين في الصحراء الكبرى، في جنوب الجزائر ومالي.

غير أن كونراد عاد للتركيز حينئذٍ على الملف اللبناني، إذ يقول "بنهاية أزمة الرهائن الجزائريين، أخذني الملف اللبناني مرة أخرى، عندما تجدد الاهتمام من جميع الأطراف بالتوصل إلى صفقة". وأضاف: "حتى عام 2004، كنت منخرطاً في الملف بصفتي رقم 2 في فريق التفاوض لكون أورلاو حضر العديد من اجتماعات الوساطة، من أجل الترويج لصفقة الرهائن التي لم تكن محصورة بإسرائيل وحزب الله فحسب، بل بجهات فاعلة أخرى، من بينها، على نحو غير مفاجئ، إيران وإلى حد ما سوريا".

وفي السياق، يقول كونراد إن تبادل عام 2004، لم يضع حداً لجميع القضايا الخلافية على الجانبين. ويضيف أن حزب الله كان غاضباً لأن إسرائيل رفضت، في اللحظة الأخيرة، إدراج القنطار بين السجناء الذين تم إطلاق سراحهم. معتقداً أن هذه كانت إحدى الذرائع التي أدت بشكل غير مباشر إلى حرب تموز 2006 بعد ذلك بعامين.

ويبقى أن نشير هنا إلى أن صفقة تبادل الأسرى عام 2004 تسلمت تل أبيب فيها جثث 3 جنود هم عدي أفيطان وعمر سواعد وبيني أفراهام الذين قتلوا أثناء أسرهم عام 2000. ومن أبرز الأسرى اللبنانيين ضمن الصفقة الشيخ عبد الكريم عبيد الذي خطفته إسرائيل من داخل الأراضي اللبنانية عام 1989 ومصطفى الديراني المختطف عام 1994.

اللقاء الأول بوفيق صفا
وتشير الصحيفة الإسرائيلية أن العامل الثاني الذي أحبط جهود وساطة كونراد في التوصل إلى صفقة أكبر عام 2004، تجسد بقضية فقدان الطيار الإسرائيلي رون أراد. وتعهد حزب الله بتقديم معلومات عن مصيره. وهنا، يعيد رجل الاستخبارات الألماني وصف اجتماعه الأول مع الحاج وفيق صفا، الذي كان مسؤولاً عن وحدة التنسيق والارتباط في الحزب بعد حرب تموز 2006، داخل مقهى متواضع في مركز تجاري في بيروت، لم يكن مكاناً مثالياً لمثل هذه المفاوضات.

يقول كونراد واصفاً هذا الاجتماع: "بعد تبادل لطيف للتحيات والتهاني على النجاة من حرب تموز، وكلمات التقدير لاستعدادهم بدعم جهودي نيابةً عن الأمم المتحدة، سألتُ عن مكان الاجتماع لأعمالنا في المستقبل، وعندها أجاب صفا بشكل مثالي وبطريقة رصينة ومقتضبة وملائمة بينما كان يبتسم ويهز كتفيه: يا صديقي لم يتبقَ من منازل لنعقد اجتماعات فيها". وأضاف: "اتفقنا على إيجاد طريقة في الأسابيع الصعبة المقبلة، وبطبيعة الحال، تمكن حزب الله كالمعتاد من الاستمرار وترتيب الأمور. وبطريقةٍ ما، يمكن القول أن هذه كانت واحدة من اللحظات الجوهرية عندما فهمنا جميعاً ما حدث وأين وضعتنا أحداث الحرب".

صفقة شاليط
وطُلب من كونراد مرة أخرى في عام 2009، العمل على صفقة تبادل أسرى، بعد ثلاث سنوات من الجهود الفاشلة لإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي اختُطف بالقرب من معبر كرم أبو سالم في حزيران 2006. وحينها كانت العقبات كبيرة نتيجة عدم الثقة العميقة التي كانت قائمة بين إسرائيل وحماس، وتجلت بتشكيك كل طرف بجدية نوايا الطرف الآخر واستعداده للوفاء بالتزاماته.

لكن كونراد استطاع تجاوز هذه العقبات الكبيرة، ويشرح ذلك بالقول "بكل تواضع، مؤهلاتي بصفتي مستر حزب الله أكسبتني ثقة حماس نظراً لصلتها القوية بلبنان وسوريا. وبذلك لم يكن من الصعب عليهم الموافقة على اقتراحاتي الجديدة، مع إبداءهم الحذر الواجب".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها