ملف التحقيقات في جريمة انفجار مرفأ بيروت يتسارع، يتفاقم، ويلتهب. كما كان متوقعاً، لم يتأخّر المحقق العدلي في الملف، القاضي طارق البيطار، في تحديد جلسات لاستجواب الوزراء السابقين، النواب الحاليين، علي حسن خليل وغازي زعتير ونهاد المشنوق، المدّعى عليهم. يستفيد البيطار من تشكيل حكومة الرئيس ميقاتي ونيلها الثقة وانتهاء العقد الاستثنائي للبرلمان وسقوط الحصانات النيابية تلقائياً، بانتظار انطلاق العقد العادي منتصف تشرين الأول المقبل. فحدّد يوم الخميس في 30 أيلول الجاري موعداً لاستجواب علي حسن خليل، وفي الأول من تشرين موعدين لاستجواب زعيتر والمشنوق.
رسالة تهديد البيطار
تناقلت وسائل إعلامية معلومات حول رسالة وصلت إلى القاضي طارق البيطار من مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله، وفيق صفا. أما فحوى الرسالة فهي تهديد ووعيد بـ"قبع" (اقتلاع) البيطار. ولدى سؤال "المدن" عن هذه الواقعة، أجابت مراجع قضائية مشيرةً إلى أنه "لا دخان بلا نار". وحول انزعاج القوى السياسية، وفي مقدّمتهم حزب الله، من مسار التحقيق وأداء القاضي البيطار، ردّت المراجع نفسها "طبعاً حركة البيطار تزعج القوى السياسية، والاستياء واضح". وقال حساب النيابة العامة اللبنانية، في تغريدة على تويتر، إنّ "النائب العام لدى محكمة التمييز، القاضي غسان عويدات، طلب من المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار إعداد تقرير حول ما يتم تداوله عن رسالة شفهية وصلته بالواسطة من السيد وفيق صفا".
الردّ على التهديد
وعلمت "المدن" من مصادر قضائية، إنّ صفا زار فعلاً قصر عدل بيروت يوم أمس حيث التقى عدداً من القضاة. وفي حين رفضت المصادر الكشف عمّا دار في لقاءاته، لا بد من وضع حركة صفا في الإطار الزمني والسياسي مع مسار التحقيق. تأتي هذه الزيارة بعد أيام على صدور مذكرة التوقيف بحق الوزير السابق يوسف فنانوس، وقبل ساعات من إعلان مواعيد استجواب النواب زعيتر وخليل والمشنوق. ولا يمكن الفهم سوى أنّ البيطار ردّ بشكل أو بآخر على الرسالة، إن كانت فعلاً قد وصلته، بتحديد مواعيد استجواب النواب المدعى عليهم. وإن صحّ وضع الحدثين في هذا السياق الزمني، يكون البيطار قد وجّه رسالة مضادة إلى السلطة مفادها أنه مستمرّ في تحقيقاته وفي المسار الذي اختاره، بعيداً عن أي تهويل أو تهديد في هذا الإطار.
الضغط السياسي
ليس واضحاً بعد كيف سيتعامل النواب المدعى عليهم مع قرار تحديد مواعيد استجوابهم. قد نكون أمام سيناريو متكرّر يقوم فيه أمين عام مجلس النواب، عدنان ضاهر، بإرسال كتاب جديد إلى النيابة العامة التمييزية يشير فيه إلى عدم اختصاص القاضي طارق البيطار والقضاء العدلي في استجواب النواب، وكون الملف موضوع ملاحقة أمام المجلس النيابي تمهيداً لاتخاذ الإجراءات اللازمة. إذ سبق لضاهر أن أرسل الكتاب نفسه لدى استدعاء رئيس الحكومة السابق حسان دياب، ولدى تحديد موعد استجواب الوزير السابق يوسف فنيانوس. لكن ماذا بعدها؟ هل يمثل وكلاء قانونيون عن النواب لتقديم دفوع شكلية أو الاستمهال لتقديمها؟ هل يكون الردّ واضحاً من خلال التقدّم بدعوى "ردّ" أو "ارتياب مشروع" لمحاصرة البيطار وتطويقه قانونياً؟
المشهد السياسي
يبدو جلياً أنّ حزب الله دخل على خط ملف التحقيقات في ملف مجزرة 4 آب بشكل مباشر. حركة صفا تأتي في هذا الإطار، بينما يتلوّن المشهد السياسي حول هذا الملف. كذلك، فإنّ التيار الوطني الحرّ وحزب القوات اللبنانية يعبّران عن موقف واضح لجهة ضرورة مثول المدعى عليهم في الملف. من موقع المزايدة أو الموقف الطبيعي، تأتي مواقف مسؤولين في الطرفين، وفي الحالتين لا يمكن القول سوى أنّ أي موقف صادر عن القوى السياسية في هذا الملف يساهم في تسييسه. وفي الطرف الآخر، قد يكون زعيم تيار المردة، الوزير السابق سليمان فرنجية، في موقع لا يُحسد عليه، في الحسابات الشعبية وفي الحسابات الانتخابية. وحتى لا نغفل جانباً آخر، لا بد أنّ الملف ينغّص على فرنجية أيضاً حسابات رئاسية، إذ أنّ القوى المسيحية وللاستثمار السياسي والشعبي تضع انفجار مرفأ بيروت كجريمة بحق المسيحين (لا عجب!). وبالتالي، لا يمكن أن يسير فرنجية بمواجهة مفتوحة مع القضاء، مع المحقق العدلي طارق البيطار تحديداً، فتتولّى أطراف أخرى هذه المهمّة، وبهذه اللهجة القاسية وبهذا الوضوح المباشر.
القاضي الخوري والارتياب
وفي خط موازٍ متعلّق بملف انفجار مرفأ بيروت، أشارت معلومات لـ"المدن" بأنّ النائب العام الاستئنافي القاضي غسان الخوري "سبق وتبلّغ بدعوى الارتياب المشروع المقدمة ضده، واطلع جوابه لمحكمة التمييز". في حين كانت معلومات قد تحدّثت في الأيام الماضية عن أنّ القاضي الخوري لم يتبلّغ بالدعوى، وأشارت إلى تقديم في حقه شكوى للتفتيش القضائي. مع العلم أنّ أهالي ضحايا وشهداء انفجار مرفأ بيروت يحضّرون لوقفة احتجاجية بعد ظهر اليوم الثلاثاء أمام منزل القاضي الخوري في منطقة الزوق.
بين الضغوط السياسية، وانتظار ردّ فعل النواب المدعى عليهم، والمسار القضائي والمهل القانونية، يتّجه ملف التحقيقات في جريمة 4 آب إلى المزيد من التعقيد. وأدناه، ورقة دعوة للمدعى عليه، الرئيس السابق حسان دياب، والصادرة عن القاضي طارق البيطار يوم أمس لحضوره إلى جلسة الاستجواب المقرر عقدها يوم 4 تشرين الأول المقبل.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها