الأحد 2021/07/25

آخر تحديث: 15:32 (بيروت)

ذكرى الجريمة الكبرى: ماذا نريد من 4 آب 2021؟

الأحد 2021/07/25
ذكرى الجريمة الكبرى: ماذا نريد من 4 آب 2021؟
التفاف تام مع الذات، كضحايا وناجين من الجريمة الكبرى ومن أيدي مرتكبيها (Getty)
increase حجم الخط decrease
بعد أيام ذكرى المذبحة أو الإبادة. مرّ عام على الخسارة الكبرى. خسارة لأرواح 216 شخصاً. لأطراف وأعضاء وأعين وأصابع. لعشرات آلاف الأملاك والبيوت والمكاتب والوظائف. خسارة مدينة بأسرها، جزء منها تدمّر والآخر في غيبوبة الأزمات المتلاحقة. خسارة قلب بلد على فراش الموت أساساً. قتلوا عاصمة وناسها، فمات البلد كله. والنعي مستمرّ منذ عام، من دون نتيجة. هو اتّشاح كامل بالسواد، يمنع إسدال الستارة الحمراء على مشهد التفجير. وفي فاجعة مماثلة لا خلع للأسود إلا بكشف الحقيقة وتحقيق العدالة. والأخيرتان، ضائعتان. مخفيّتان في ممطالة سياسية هنا، وضغوط سياسية هناك، وامتناع كامل عن ملاحقة المتّهمين ورفع الحصانات عنهم. يراد من هذه المقتلة الجماعية أن تمرّ كما سائر الجرائم الأخرى على مدى 100 عام من تأسيس البلاد. عفى الله عن ما مضى، و"العترة على لي راحوا". وهذا عنوان أول.

أعلى الهرم وأسفله
كل محاولات اللفلفة والتمييع لم تنجح إلى الآن في "ضبضبة" مسؤولية السلطة السياسية عن قتل اللبنانيين في مرفأ بيروت. حتى أنّ هذا التمييع بات علنياً يصدر عن مسؤولين وزعماء، على شكل عريضة نيابية حيناً وتحدياً للقضاء في حين آخر. كل ذلك تجلّى وانطلق أساساً في مواقف متلاحقة لأمين عام حزب الله، حسن نصر الله، الذي أعلن في شباط الماضي أنّ التحقيق انتهى. وعاد قبل أسابيع ليلعن أنّ التحقيق مسيّس ومضيعة للوقت. فكان منع إسقاط الحصانات عن النواب وملاحقة الضباط الأمنيين نتيجة طبيعية لهذا الموقف. يمكن للسلطة السياسية، من أعلى هرمها حتى أسفله (من أسفل بمعنى الأدنى، أو حتى السفالة)، أن تقول "نقتلكم، ولا حساب ولا عدالة ولا حقيقة". لكن هذا المسار لن يمر.

ردّ وقاحة السلطة
في واقع مماثل، في عرقلة التحقيق وتمييعه ومحاولة خنقه والضغط على المحقق العدلي، ستتجّلى وقاحة السلطة يوم 4 آب في بيانات استذكار الضحايا ودمار العاصمة. ومن في السلطة، يتقنون فن قتل الضحية نهاراً والسير خلف نعشها ليلاً. لتصحو في اليوم التالي للملمة استثمار المسيرة سياسياً وشعبياً. تاريخها حافل بهذه المظاهر. في 4 آب 2021، كل بيان صادر عن هذه السلطة وأزلامها يجب أن يردّ عليها ببيان يعدّد مسؤولياتها عن الجريمة وقتل ضحاياها. أي حضور لممثلي هذه السلطة في إحياء الذكرى، لا بد من مواجهته في موضعه. لحمله على مغادرة فضاء العزاء وعدم تكريس فكرة مشاركة القاتل في جنازة ضحيته. مكان هؤلاء خلف القضبان وليس في مجالس الجنازة. وهذا أقلّ الردود على وقاحة السلطة. فكم من حزب أو تيار أو زعامة لا تزال قائمة بفعل القتل أو نتيجة له؟

غضب.. ثأر
4 آب 2021، لن يكون يوم غضب عادي. تفجير كل هذا الغضب والكبت في ساعات، عادة شعبية أيضاً. تسمح بها سلطات القمع والديكتاتوريات للتنفيس عن الناس ضمن الحدود الجغرافية والزمنية المضبوطة، لتعيد وتلملم بعدها أوضاعها. لكن في هذا الموعد، لا بد أن يكون الغضب شاملاً، غضب من القتل والتجويع وغياب المسؤوليات وانعدام المحاسبة وسحق العدالة. جريمة انفجار مرفأ بيروت، حبّة كرز على قالب حلوى جرائم السلطة. وفي ظل سحق العدالة، يصبح الثأر ومفهومه خياراً وحيداً ومشروعاً للقصاص من الجلّاد. كيف القصاص من هؤلاء القتلة؟ في محاصرة منازلهم المحصّنة بالشبيحة والمدجّجة بالسلاح؟ في قطع وصولهم إلى مناسبات اجتماعية أو سهرات أو موائد غداء؟ في ملاحقة أفراد أسرهم المرفّهين وتحميلهم ذنوب ارتكابات آبائهم؟ في مطالبة معاقبتهم دولياً في جرائم إبادة ضد الإنسانية؟ كل هذه خيارات مفتوحة، عفوية ومنظّمة على حدّ سواء.

ماذا نريد من 4 آب 2021؟ مناسبة شعبية وطنية للقصاص والمحاسبة. التفاف تام مع الذات، كضحايا وناجين من الجريمة الكبرى ومن أيدي مرتكبيها. ناجون وضحايا فعليون، كتلة واحدة تحمل مطلب العدالة أو مبدأ الثأر. التزام كامل بواجب وحقّ القاضي طارق البيطار (أو أياً كان اسمه) في استجواب المدعى عليهم وملاحقتهم بحثاً عن الحقيقة. نبذ مطلق للسلطة السياسية المسؤولة عن القتل، فعلياً ومعنوياً.

تسوّق بعض الفرق الإعلامية العاملة مع مسؤولين مدّعى عليهم بأنّ مجموعات وناشطين يحاولون استغلال الجريمة لترجمتها في صناديق الاقتراع. وهؤلاء، بنوا أساساً صيتهم ومواقعهم على دماء ضحايا واغتيالات. فكيف يمكن لساقط أخلاقي متّهم بجريمة بهذا الحجم أن يعاير الناس بأي تهمة أخرى؟ في مواجهة ضباع من هذا النوع، لا بد من استخدام أسلوبها وعكسه عليها. الضباع، تحضر شلعاً. شلعة تحاصر آيلاً، أو حتى أسداً جريحاً، وتدور حوله في حلقة لتنقض عليه. تستفرد به وتسقطه. وضحايا 4 آب، ليسوا ضعافاً لتلتهمهم ضباع السلطة. هم عنوان المحاسبة الأكبر للمذبحة الأكبر.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها