الثلاثاء 2021/06/01

آخر تحديث: 00:07 (بيروت)

دروس الجيش الإسرائيلي بغزة تحضيراً لـ"المشهد المرعب" بحرب لبنان

الثلاثاء 2021/06/01
دروس الجيش الإسرائيلي بغزة تحضيراً لـ"المشهد المرعب" بحرب لبنان
الهجوم البري يقع في صلب الخطط الإسرائيلية للحرب المقبلة مع لبنان (Getty)
increase حجم الخط decrease

لا تخفي القيادات العسكرية الإسرائيلية قلقها من اندلاع حربٍ ثالثة مع لبنان. فهؤلاء القادة يذّكرون في كل مناسبة بتحضيراتهم وتجهيزاتهم لمّا هو آتٍ. وها نحن مع انتهاء عملية "حارس الأسوار" في غزة، نشهد إعلان الجيش الإسرائيلي عن إقامة 14 فريقاً لاستخلاص العِبر من الحرب، والعيون شاخصةً على تأثير العملية على المعركة الكبيرة مع حزب الله.

العين على الجبهة الشمالية
فقد عرض المعلق العسكري الإسرائيلي، يوآف ليمور، في تقريرٍ مطول نشرته صحيفة "إسرائيل هيوم"، الأجواء داخل الجيش الإسرائيلي بعد العملية الأخيرة، والتطلعات إلى رفع الجهوزية بمواجهة حزب الله. وبعد متابعته مجريات الأمور عن كثب، كشف أن موافقة رئيس الأركان أفيف كوخافي على تشكيل 14 فريقاً للتقصي حول مختلف القضايا التي ظهرت خلال الحملة العسكرية في قطاع غزة، يتمحور هدفها بمراجعة الذكاء العسكري والأهداف المحققة، وجرد الأسلحة والصواريخ المعترضة والجهود ضد الصواريخ، وصولاً إلى وضع الجبهة الداخلية والصورة العامة لإسرائيل. وفي غضون شهر ونصف الشهر تقريباً، ستعقد هيئة الأركان العامة ورشة عمل تستمر بضعة أيام، لمراجعة الأفكار والدروس المستفادة من العملية.

وستتناول المراجعات التي يتحدث عنها المعلق الإسرائيلي، ما حدث في غزة، لكن سيكون لكل منها فصل مخصص للجبهة الشمالية. فعلى الرغم من الاختلافات الكامنة بين الجبهتين، يسعى الجيش الإسرائيلي إلى استخلاص الدروس التي يمكن تعلمها مما حدث مع حماس، وربطها بما سيحدث على الجبهة الأكثر تحدياً، أي ضد حزب الله.

أجواء "النصر" في الجيش الإسرائيلي
وينقل ليمور عن كبار ضباط الاحتياط الذين تحدث معهم هذا الأسبوع، تحذيرهم من العقلية التي بدأ بها الجيش الإسرائيلي هذه المراجعات. إذ قال أحدهم "الجو السائد في هيئة الأركان العامة تعمّه البهجة. هناك إحساس بالنصر العسكري. كما هناك من يتحدث عن نصر مشابه لحرب الأيام الستة عام 1967"!

يتحدث الجيش الإسرائيلي عن العملية في غزة بعبارات دراماتيكية. فالفجوة كبيرة جداً بين المشاعر العامة التي يحملها المواطنون الإسرائيليون، والتي تنقل إحساساً بضياع فرصة مهمة، والخطاب الذي يُسمع في مقر الجيش الإسرائيلي عن انتصار لا لُبس فيه.

ويرى ليمور أن الجيش الإسرائيلي انتصر عسكرياً في غزة. لكن ليس بالضربة القاضية. فيما على الجبهة المقابلة، لم تقم حماس بتقييم الرد الإسرائيلي بشكل صحيح، ودُمرت أقسام واسعة من نظام الأنفاق الخاصة بها. ونجح الجيش الإسرائيلي في منع الاختراقات الأرضية عبر الأنفاق.

ومع ذلك، كان الجيش الإسرائيلي أقل نجاحًا في أمرين: لم يحقق انخفاضاً كبيراً في إطلاق الصواريخ على إسرائيل. ولم يقضِ على قيادة حماس. وبالتالي، هذان هما النجاحان العسكريان اللذان يمكن لحماس إظهارهما، واللذان يظهران قدرتها على إطلاق الصواريخ بكثافة على إسرائيل من اللحظة الأولى إلى الدقيقة الأخيرة، وحقيقة أنها بقيت واقفة على قدميها حتى النهاية.

هل يشعل حزب الله الحرب؟
ليس بالضرورة أن تبدأ المواجهة في الشمال كما حدث في غزة بإطلاق مفاجئ لستة صواريخ على القدس. بل يمكن أن تبدأ من الميدان، من حادثة محلية تخرج عن نطاق السيطرة أو تجبر الأطراف على الرد والتصدي. وفي هذا الإطار، يقول راز زيمت، الباحث بمعهد "دراسات الأمن القومي"، أن حزب الله ليس لديه مصلحة في إشعال لبنان. شارحاً أن الإيرانيين لا يأبهون لسحق غزة وتدفيع حماس الثمن. أما لبنان فهو مسألة أخرى، ذلك أن حزب الله بالنسبة لهم رصيد استراتيجي، بُني لردع إسرائيل عن مهاجمة برنامجهم النووي. وبتحليلٍ منطقي لا يخاطر المرء بمثل هذه الأصول من دون سبب.

أضاف "لذلك، فإن فرص الحرب منخفضة للغاية. وقد تم ردع الحزب منذ عام 2006. وهو منشغلٌ بعمق بمشاكله الداخلية في لبنان، من الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تهدد بتحويل لبنان إلى دولة فاشلة، إلى جائحة كورونا. ودعوني أقولها.. لن يدع الإيرانيون حزب الله يشعل لبنان، أولويتهم القصوى الآن هي العودة إلى الاتفاق النووي، ورفع العقوبات وتحسين الاقتصاد".

ومع ذلك، يشير ليمور أنه على المرء أن يأخذ في الحسبان أن نصر الله سيفكر بشكل مختلف. وقد حدث ذلك بالفعل في عام 2006، وقد يحدث مرة أخرى. ففي ذلك الوقت، اعترف أمين عام حزب الله بأنه لو كان يعلم أن نتيجة عملية اختطاف الجنديين ستكون حرب لبنان الثانية، لمّا بدأها. وهكذا فإن خطر عدم قراءته للأمور بشكل صحيح، أو إمكانية أن يغير رأيه، حاضران دائماً عند القيادات الإسرائيلية.

نظام جديد لتحييد صواريخ الحزب
وبما أن التحدي الذي يشكله حزب الله أكثر تعقيداً من غزة، نظراً لامتلاكه صواريخ تفوق عشرة أضعاف ما تمتلكه حماس، يقول ضابط كبير للصحيفة الإسرائيلية، أن الحزب استخلص الدروس من الحرب الأخيرة لكيفية الحد من فعالية منظومة "القبة الحديدية"، متوقعاً أن تواجه هذه المنظومة صعوبة في الحصول على النتائج نفسها لحرب غزة. وبالنسبة إليه، سيكون عدد الضحايا كبيراً، وستكون الأضرار جسيمة، في جميع أنحاء الدولة العبرية. وهذا ما سيحدث بدوره صدمة عند الجمهور، في حين أن صمود الجبهة الداخلية يُعد عنصراً حاسماً في القتال.

والخلاصة أن إسرائيل لن تكون قادرة على الاعتماد على الدفاع الجوي وحده في معركتها مع لبنان. لذلك يقول اللواء الإسرائيلي المتقاعد، يسرائيل زيف، الرئيس السابق لقسم عمليات هيئة الأركان العامة، أن هذا يتطلب من إسرائيل أن تنتقل فوراً لبناء نظام فعال يعرف كيف يصيب صواريخ حزب الله على الأرض أو فوق سماء لبنان، وهذه ستكون ثورة استراتيجية ستغير المعادلة. مشدداً في الآن عينه أن ما يطرحه يتطلب استثمارات ضخمة في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

الهجوم البري
وبينما تقوم إسرائيل ببناء الجدران والأسوار ووسائل الحماية الأخرى على الحدود الشمالية، يبدو أن سيناريو الهجوم البري يقع في صلب الخطط الإسرائيلية للحرب المقبلة مع لبنان. وهذا ما يشرحه اللواء احتياط غيورا آيلاند، بالقول "لن نتمكن من الجلوس على الحدود وانتظارهم، سيجدون ثغرات ويخترقونها. وبما أن خط الاتصال سيتم اختراقه دائماً، فسيتعين علينا الدخول إلى أرضهم، وإنشاء خط الدفاع بعيداً عن خط حدودنا. السؤال يبقى عن مدى العمق الذي يجب أن ندخله، إن كان من أربعة إلى خمسة كيلومترات، أو أعمق بكثير. يتوجب علينا احتوائهم، ولا يمكن القيام بذلك من دون العمل البري".

من جهته، يقول مسؤول عسكري كبير آخر، للصحيفة الإسرائيلية، أن الغزو البري سيكون مطلوباً لصد النيران عن الجبهة الداخلية ومنع الاختراق إلى الأراضي الإسرائيلية. وأضاف مستدركاً "لن يكون من الممكن الانتظار، لأن الثمن على الجبهة الداخلية سيكون باهظاً".

صواريخ أرض-جو
ويكمن الاختلاف الدراماتيكي الآخر بين غزة ولبنان في التفوق الجوي. ففي غزة، لم يكن هناك تهديد كبير للقوات الجوية. وهنا، يشرح آيلاند هذه النقطة قائلاً: "كان الأمر سهلاً نسبياً، استخدمنا كل قوة سلاح الجو. لم تكن هناك مشكلة في التفوق الجوي، فقد أُجريت العملية بالقرب من قواعد القوات الجوية، وركزت القوات الجوية على غزة لانه لم يكن مطلوباً العمل على جبهات أخرى". 

وبالطبع، لن يكون هذا هو الوضع في الحملة ضد حزب الله. إذ ستتعرض القوة الجوية للهجوم في جميع قواعدها. ورغم استعدادها لذلك، بشكل أساسي من حيث تغيير ونشر الطائرات أثناء حالات الطوارئ، إلاّ أنها تعلم أيضاً، حسب ليمور، أنها قد تدفع ثمناً، سواء في أضرار الطائرات على الأرض أو الأضرار المحتملة للمدارج.

ولأن لبنان على عكس غزة، كبيرٌ من حيث المساحة وبعيد، بل ومحميٌ أكثر من المقاتلات الإسرائيلية لكون حزب الله يمتلك وسائل أكثر تطوراً من الصواريخ المحمولة على الكتف، يقول المسؤول الإسرائيلي الكبير نفسه "نصر الله يفهم من الحملة في غزة أنه يحتاج إلى تعزيز ترسانته من صواريخ أرض–جو. لا شك أنه سيبحث عن حل لتفوقنا الجوي، فهو يعلم أنه بخلاف ذلك سيكون عرضة للخطر، مع عدم وجود قدرة حقيقية على الدفاع عن نفسه".

إطلاق العنان للجنون
ولعل أخطر ما ورد في تقرير ليمور، هو اعتراف الضباط الإسرائيليون بأنهم مستعدون للجنون، وقد أثبتوا ذلك في غزة ومستعدون بأن يكرروا هذا الوضع في الشمال. ووفق ليمور، لدى الجيش الإسرائيلي في لبنان عدد من الأهداف أكبر مما كان لديه في غزة. وإذا كان كل هدف من هذا القبيل يساوي مبنىً محطماً، فيمكن للمرء أن يتخيل حجم الضرر المتوقع في لبنان. يضيف "هذا هو بالضبط ما حذر منه رئيس الأركان كوخافي في خطاب ألقاه في كانون الثاني المنصرم بمعهد "دراسات الأمن القومي". كان القصد من الخطاب خلق شرعية سياسية وقانونية لعمل عسكري محتمل في المستقبل، وخصوصاً للتوضيح للشعب اللبناني أن أي شخص ينام في المناطق التي تُخزن بها الصواريخ، لا ينبغي أن يتفاجأ إذا استيقظ في الصباح بلا مأوى".

ومن أجل زيادة الضغط على حزب الله، ينقل ليمور عن مصادر الجيش الإسرائيلي أنها ستعمل في أي حملة مستقبلية على إخلاء واسع النطاق للسكان من جنوب لبنان، من أجل حمايتهم وكذلك للضغط على حزب الله. وهذا أمرٌ كان من الصعب تنفيذه في غزة لأنها صغيرة ومزدحمة ولا يوجد مكان للفرار فيها.

مشهد الدمار
إلى ذلك، يعتقد عدد من الخبراء العسكريين الذين قابلهم ليمور أن هناك عددًا قليلاً من القضايا التي يجب على إسرائيل التركيز عليها الآن. وفي عرض نظرتهم للمجال السياسي، يعتبرون أن هناك حاجة إلى عمل مكثف لتوليد الشرعية لحرب مستقبلية في لبنان. وتعقيباً على ما أفصحوا به، يقول المسؤول العسكري الكبير مجدداً: "الدمار الذي سنشهده لا يشبه ما رأيناه في غزة. يجب أن نُعد العالم لهذا المشهد المرعب، سواء في الغرب أو في العالم العربي".

ويستطرد ليمور بالكشف عن اعتقاد الجيش الإسرائيلي بأن المعركة في الشمال ستؤدي إلى تصعيد متعدد المجالات. لذا، من المتوقع أن تشتعل غزة، وعلى الأرجح الضفة الغربية كذلك. كما ستنطلق الصواريخ من سوريا كجزء من "الحرب الشمالية الأولى"، وربما حتى من العراق واليمن، ولمَ لا من إيران نفسها. سيكون هذا تحدياً دفاعياً غير مسبوق لأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، وتحدياً هجومياً للطائرات المقاتلة.

وعليه، يحذر غيورا آيلاند من أن ما سيحدث في الحرب المقبلة سيصيب العالم وإسرائيل بالصدمة. فيقول "إن حجم الدمار وعدد الضحايا يتطلبان تحضيراً مسبقاً، ليس من حيث المعلومات الاستخباراتية والقنابل وحسب، ولكن بشكل رئيس في صياغة السياسة والقرارات التي يجب اتخاذها". مضيفاً "كانت غزة جرس إنذار إلى حدود استعدادنا للحرب في الشمال، ولا يجب أن نتجاهلها".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها