الأربعاء 2021/12/15

آخر تحديث: 21:36 (بيروت)

مشعل في بيروت: "حماية المخيمات" أم فتح أبواب عربية؟

الأربعاء 2021/12/15
مشعل في بيروت: "حماية المخيمات" أم فتح أبواب عربية؟
خطاب "حماية المخيمات" بدأ يسود من جديد، لكنه غير كافٍ لتبديد المخاوف (Getty)
increase حجم الخط decrease

بين زيارة خالد مشعل ما قبل الأخيرة لبيروت وزيارته اليوم الخميس فاصل من 12 عاماً في الزمن، لكن في السياسة مسافة عصر وتبدلات وانهيارات وزلازل لم تسلم "حماس" من بعض ارتداداتها. عالم عربي تغير تماماً لكن من دون ملامح نهائية.

دورة زمنية كاملة
عام 2009 جاء مشعل، وقد كان رئيس الحركة، ليلتقي وفوداً شعبية في مجمّع مدارس" شاهد"، واليوم يصل مطار بيروت، وهو رئيس "حماس" في الخارج. والمشهد يقول إنه ما زال هناك بقايا عتب لدى بقية أضلاع المحور بسبب مواقفه من أحداث المنطقة العربية عام 2011. لكن وجوده يوحي بأن العلاقة تتطور بين حركة "حماس" وحزب الله، وأن الباب الذي كان مغلقاً بوجه مشعل صار موارباً، ليصبح السؤال مشروعاً: هل يكون فتح باب بيروت إيذاناً بفتح أبواب دمشق؟ لكن السؤال يجرّ سؤالاً آخر: هل دمشق هي نفسها ما بين زيارتي مشعل لبيروت؟

في الزيارة الأولى، كان بعض عالم العرب شبه مفتوح أمام "حماس". من اليمن إلى السودان وسوريا، ودول المغرب، ومن الأحداث المهمة وقتها كانت دعوة مشعل لحضور قمة عربية في قطر، فيُلقي كلمة كزعيم يمثّل الفلسطينيين بعد أعوام ثلاثة من فوز حركته بالانتخابات التي جرت في الضفة الغربية وقطاع غزة.

الزمن دار دورة كاملة: السودان لا يتردد في الإعلان عن مصادرة أموال وأملاك لمؤسسات قريبة من "حماس". اليمن يعيش ملهاته هو الآخر التي تغنيه عن أي قضية أخرى، وسوريا لم تعد. والصراع مع الإخوان المسلمين في أكثر من دولة عربية أضاق الجغرافية على "حماس"، ووصل الأمر إلى محاكمة رئيس بتهمة "التخابر مع حماس"، ووضعها على قوائم "الإرهاب".

لم تبق إلا عواصم قليلة تستقبل قادة الحركة "مع رجاء بعدم الإزعاج"، والمقاومة أو التمرّد هو فعل إزعاج على أقل وصف. بقيت بيروت، المدينة المرتبكة، بخياراتها، وقراراتها، مما يغري كل واحد بادّعاء الوصل بها، "وفي كل واحد منا بيروت ما"، هذا ما يقوله محمود درويش، الشاعر المحبب لخالد مشعل.

النوايا الصادقة لا تكفي
مشعل تنقل بين دول ومدن كثيرة، من الضفة الغربية إلى الكويت فعمّان فسوريا فقطر فإسطنبول، لكن الصوت السياسي يبقى في بيروت. حتى يوم كانت القوة العسكرية وفعلها في الأردن، كان الصوت السياسي الفلسطيني صاخباً في بيروت. بفعل مراكز الدراسات والأبحاث والصحافيين والحيوية الثقافية. رغم كل شيء، وما حصل، لها سحر بين عواصم العرب، جذب حتى مبعدي حماس خلال عام الإبعاد، حين كانوا يتسللون من مخيمهم في مرج الزهور إلى شوارعها.

لكن بيروت لم تعد أيضاً على حالها، فالانقسام لن يسمح بترف العلاقات المتعددة. لن يرضى أن يقابل النائبان إنطوان زهرا وجمال الجراح إسماعيل هنية في غزة، وفي الوقت نفسه يتبادل قادة حركة "حماس" وحزب الله الابتسامات في بيروت. ربما يُدرك قادة الحركة هذه الحساسيات، لكن كيف يمكن إدارة علاقات متوازنة مع قوى سياسية لبنانية مختلفة، ومتأهّبة دوماً لوضع كل زائر بقالب، قد يكون قياسه صحيحاً وقد لا يكون؟

التاريخ الفلسطيني في لبنان يقول إن النيات الصادقة وحدها لا تصنع الحياد الفلسطيني. كان الفلسطينيون بأغلبيتهم، ومن ضمنهم عرفات، ضد عزل الكتائب، وضد الحرب الأهلية، ووصل الأمر إلى تشكيل محكمة خاصة بالتجاوزات، وإعدام عناصر متجاوزة طائفياً، وتنفيذ حكم الإعدام ببعض هؤلاء في أيلول عام 1975، لكن الأحداث جرّت الفلسطينيين إلى الشياح فعينطورة. فهل يستطيع مشعل ما عجز عنه عرفات في حال أعاد القدر قراءة سيرته؟

يصل مشعل والعلاقات الفلسطينية الداخلية أكثر تعقيداً من أي وقت مضى. فالعلاقة بين الحركتين الأكبرين، فتح وحماس، لم تصل إلى هذا التأزم في لبنان كما هي اليوم، بفعل تداعيات ما جرى في مخيم البرج الشمالي. قطيعة غير مسبوقة بين الحركتين. يوم اندلعت الأزمة بين الحركتين في غزة والضفة عام 2007، بقيت لقاءات الحركتين في لبنان دائمة، بل وفُعّلت لتفادي امتداد الأزمة إلى المخيمات الفلسطينية. لكن اليوم لا حوار أبداً.

خشية من الانفجار
حين كانت القذائف تنهمر على مخيمات فلسطينية من الجانب الشرقي لبيروت كان أبو حسن سلامة يتصل ببشير الجميل ليقول له  "بشير، خلاص"، فيتوقف القصف، كما يورد ضباط شهود في المخابرات الأميركية، هي اتصالات وصلت لصداقة بين الرجلين. ويوم كانت المخيمات الفلسطينية تُقصف من قبل حركة "أمل"، التقى نبيه بري بنايف حواتمة في الجزائر. حتى في الحروب هناك حوارات ولقاءات، فكيف يمكن إقناع الفلسطيني البائس في المخيمات أن لا حوار بين أكبر حركتين متواجدتين في أكثر من نصف البيوت في المخيمات. وهناك غرف نوم كثيرة ضيقة تضم أخاً من "فتح" وآخر من "حماس" يتقاسمان هواء الغرفة الرطبة في المخيم.

هي حرب لو اندلعت لن تكون كمثيلاتها من صراع القوى الفلسطينية. لن تكون كما هي الحرب الخاطفة التي شنتها "فتح" على الصاعقة يوم 5 حزيران 1976 وقضت عليها في يوم واحد، في عملية لم يسقط فيها سوى عدد قليل جداً من القتلى. ولن تكون كمعارك البداوي ونهر البارد عام 1983 والتي رافقت الانشقاق. ربما ستشبه معارك فتح المركزية وفتح الانتفاضة عام 1988، التي دمّرت مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة، لكن هذه المرة الظروف تسمح بامتدادها لـ12 مخيماً ربما. ليس تهويلاً لكن تكافؤ القوى، وسياق الأحداث، والقطيعة السياسية، وحجم التعبئة، توحي بذلك.

يأتي مشعل في هذه الأجواء، وسط خشية فلسطينية جدية من انفجار أمني واسع بلا أي مردود سياسي حتى على الطرف المنتصر، إن كان ثمة من سينتصر. ديوان "أوراق الزيتون" الذي يعلن مشعل مراراً إعجابه به، يخبر صاحبه محمود درويش قصة ذات مغزى. ففي يوم فاجأ فلسطيني الشاعرين معين بسيسو ومحمود درويش بالقول إن المحاصرين في تل الزعتر محتاجون للماء أكثر من الشعر، فاستل بسيسو مسدسه، وأطلق رصاصة مرت إلى جانب كتف درويش.

يُدرك مشعل، ومعه "حماس"، هذه الحقيقة، وحاجة الفلسطينيين. وتدرك الحركة أن إطلاق حملة "حماس حدّك" الإغاثية وحدها لا تكفي لوقف مسار البؤس والانحدار، وأن الأمن يتساوى مع الغذاء أهمية في أكثر الأحيان. لذلك فإن خطاب "حماية المخيمات" بدأ يسود من جديد، لكنه غير كافٍ لتبديد المخاوف، إن لم يرافقه فتح قنوات الحوار مجدداً، وهو ما ترجح مصادر أن يترافق ذلك مع زيارة مشعل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها