الأربعاء 2021/12/01

آخر تحديث: 18:58 (بيروت)

قرارات بلا مفعول: مؤامرة إفشال التحقيق بجريمة المرفأ مستمرّة

الأربعاء 2021/12/01
قرارات بلا مفعول: مؤامرة إفشال التحقيق بجريمة المرفأ مستمرّة
التحقيق في انفجار مرفأ بيروت غارق في موته السريري (الوكالة الوطنية)
increase حجم الخط decrease
يوم جديد يمرّ والتحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت معطّل. التعطيل قائم ولو أنه بـ"شطبة قلم" يمكن العودة عن قرار كفّ يد المحقق العدلي. لكن إلى اليوم لم يتمّ ذلك. لماذا؟ لأنّ قضاة الغرفة 12 من محكمة الاستئناف يريدون أن يصدر قرار التراجع عن قرار القاضي حبيب مزهر من هيئة غرفة مكتملة وليس من مستشارة واحدة فيها ولا المستشارتين حتى. مع العلم أنّ القاضيتين ميريام  شمس الدين وروزين الحجيلي قادرتان على إصدار هذا القرار وحدهما. أما رئيس الغرفة، القاضي نسيب إيليا، فمكفوفة يده أيضاً. ما العمل؟ على الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف تعيين بديل لإيليا. لماذا لم يتمّ اتخاذ قرار بهذا الأمر بعد؟ "أبْصَر ليش"، تجيب مراجع قانونية وقضائية. و"أبْصَر" تعني بالعامية أنّ ثمة أمراً يحصل لكن غير محدّد المعالم أو السبب.

المشهد الحالي
بين الملفين 69 (طلب ردّ البيطار) و72 (طلب ردّ إيليا) في قضية انفجار مرفأ بيروت، قرارات لم تصدر بعد منذ شهر تقريباً. لا القاضي نسيب إيليا قادر على البتّ بطلب الردّ المقدّم ضد القاضي البيطار، فعل كفّ يده. ولا القاضي حبيب مزهر قادر عن البتّ بطلب الردّ المقدّم ضد إيليا، بفعل كفّ يده أيضاً. وقرار كفّ يد البيطار، الصادر عن مزهر، سبق وأكدت محكمة الاستئناف عدم صوابيته ومشروعيته، لكون مزهر تجاوز صلاحياته. لكن القرار الرسمي بالتراجع عن كفّ يد البيطار لم يصدر بعد.

البتّ المطلوب
عدا قرار التراجع عن كفّ يد البيطار، المتأخر صدوره منذ أسبوعين تقريباً، يمكن لمحكمة الاستئناف اتخاذ سلسلة من الخطوات السريعة والبديهية، أولها أن تُسقط طلب الردّ المقدم ضد البيطار (الملف 69) في الشكل. وذلك بناءً على القرار الصادر عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز، يوم 25 تشرين الثاني الماضي، والذي كلّفت فيه رئيس الغرفة الأولى لمحكمة التمييز، القاضي ناجي عيد، النظر في دعاوى ردّ المحقق العدلي القاضي طارق البيطار. وبالتالي، يصبح طلب الردّ المقدّم ضد البيطار أمام محكمة الاستئناف ساقطاً في الشكل والاختصاص النوعي. ومع سقوط الملف 69، يسقط حكماً الملف 72. وهذا ما لم يحصل بعد.

الهرب من المسؤولية
وإن لم ترْتئي محكمة الاستئناف ذلك، المطلوب إيجاد حلّ لكل هذه المعضلة. فليتمّ البتّ بطلبات الردّ جميعها، الآن وقبل الغدّ. إلا أنه على ما يبدو هذا الخيار متعذّر حصوله أيضاً. طوال الأسابيع الأخيرة التمس معنيون في ملف انفجار مرفأ بيروت تهرّب محكمة الاستئناف من مسؤولياتها. تجسّد ذلك في تأخير البتّ بطلب الفصل بين الملفين 69 و72، والذي صدر قبل أسبوعين. ومنذاك الحين لم يتمّ إلى اليوم التراجع عن قرار كف اليدّ. كما أنه في محكمة الاستئناف لم يتم تعيين هيئة لإصدار هذا القرار. وفي سياق التهرّب من المسؤوليات أيضاً، لا بدّ من السؤال إن كانت الهيئة العامة لمحكمة التمييز قد أبلغت أولاً محكمة الاستئناف بقرار تعيين المرجع. وإن كانت ثانياً، قد أبلغت المحقق العدلي القاضي طارق البيطار بسقوط دعاوى مداعاة الدولة المقدّمة ضده.

قرارات بلا مفعول
كل القرارات التي صدرت عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز الأسبوع الماضي، بإسقاط دعاوى مداعاة الدولة ضد البيطار والغرفتين الأولى والخامسة لمحكمة التمييز، وغيرها من القرارات، تبقى بلا فائدة طالما أنّ التحقيق لا يزال متوقفاً. قد ينظر بعض المعنيين في الملف إلى هذه القرارات على أنها مقدّمة لحلّ الأزمة القضائية الحاصلة، أو تسهّل على حلّها. إلا أنه في الخلاصة النتيجة لم تتغيّر، وهي أنّ القاضي البيطار مكفوفة يده والتحقيق معطّل. وفي اللعبة القانونية، يكرّر عدد من المحامين القول إنه "ليس مهماً أن تكون على حقّ أو أن يصدر القضاء قراراً ينصفك، المهم أن تتمّ ترجمة هذا القرار". وهو الأمر الذي لم يحصل بعد. فإلى اليوم، مفاعيل العرقلة أقوى من مفاعيل هذه القرارات.

مؤامرة إسقاط التحقيق
تربط بعض المصادر القضائية والقانونية المماطلة المستمرة في إعاقة التحقيق وعرقلته، بجملة من الوقائع والأمور غير القضائية. أولاً، قد تكون الحملات السياسية والإعلامية المركّزة على القضاة أتت بمفعولها لجهة لجمهم وإبقائهم في قلق تكرار الهجوم عليهم. فالقضاة، الذين واللواتي اتّخذوا قرارات لصالح استمرار المحقق العدلي، يشعرون كما لو أنهم يعيشون في غابة تنهش الذئاب جثث من حولهم. ثانياً، قد يكون الجو القضائي متأثراً فعلياً بكل ما يُحكي ويشاع حول تسويات سياسية (لا طائل منها) بين قضية مجزرة 4 آب وملفات سياسية أخرى. فالتعطيل الحاصل، والمماطلة المستمرة التي تصبّ لصالح العرقلة، تسمح لفرق المدعى عليهم في ملف انفجار مرفأ بيروت للتحضّر جيداً لجولة جديدة من المواجهات القضائية. فلا بدّ من انتظار، إن صدر اليوم قرار عودة القاضي البيطار إلى التحقيق، أن تتجّه هذه الفرق القانونية لتقديم سيل من طلبات الردّ بحق البيطار وغيره أمام الغرفة الأولى من محكمة التمييز التي عُيّنت مرجعاً قضائياً صالحاً للنظر في طلبات الردّ.

التحقيق في انفجار مرفأ بيروت غارق في موته السريري. بين قاضٍ يعرف تماماً ما يفعله على مستوى وضع العصي في دواليب المحقق العدلي، وقاضٍ يتّخذ من المماطلة وقتاً مستقطعاً لتحديد برّ أمانه، وسلطة سياسية تحيك بعض المخارج لضمان مصالحها الآنية والمستقبلية. هذا حال التحقيق في جريمة 4 آب. ثمة من هم متآمرون فعلاً لإسقاط المحقق العدلي، وثمة من هم مسهلّون لهذا التآمر بعلمهم أو من دونه. وفي الحالتين، المؤامرة حاصلة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها