الخميس 2021/10/21

آخر تحديث: 13:54 (بيروت)

الجزر اللبنانية: قواعد للإيجار وطوائف للقتال

الخميس 2021/10/21
الجزر اللبنانية: قواعد للإيجار وطوائف للقتال
عاد لبنان ليكون جزراً طائفية متباعدة (Getty)
increase حجم الخط decrease

"جزر القمر" دولة عربية صغيرة لا تتعدى مساحتها 1800 كلم مربع. مؤلفة من أربعة جزر، عدا جزيرة "مايوت" التي ظلت فرنسية (لحسن حظها). بلد بدأت مسيرته مستقلاً عام 1975. ومنذ ذلك الحين يعيش اضطرابات سياسية مستمرة. وفي تاريخه أكثر من عشرين انقلاباً أو محاولة انقلاب، من بينها مرة واحدة تم فيها انتقال سلمي للسلطة كان نتيجته وصول رجل دين شيعي درس في إيران إلى الرئاسة! ولم تدم التجربة أكثر من سنة، لتستأنف الصراعات الدامية فيه، المحلية والإقليمية والدولية.

هذه الدولة، تعتاش بشكل أساسي على سخاء الدول العربية ومساعدات دائمة من المنظمات الأممية. وصراع النفوذ فيها القبلي والديني لا يتوقف، كذلك التنافس الأفريقي والعربي والفرنسي والأميركي وبعض من التأثير الإيراني عليها. ولذا، هي ليست جزراً فقط بالمعنى الجغرافي، إنما أيضاً بالمعنى السياسي التقسيمي، وبالمعنى العسكري والأمني.

أيضاً، جيبوتي دولة تنتمي إلى "جامعة الدول العربية"، تقع بين أرتيريا وأثيوبيا والصومال، كمثلث محاصر بدول حافلة بالحروب والنزاعات. نالت استقلالها عن فرنسا أيضاً عام 1977.

وكي تعتاش الدولة الشديدة الفقر، فهي تمنح أراضيها لمن يرغب بإقامة قواعد عسكرية فيها. فـ"كامب لومونييه" هو أكبر قاعدة عسكرية أميركية في أفريقيا، ولفرنسا أيضاً قاعدة عسكرية دائمة لـ"الفيلق الأجنبي"، وهناك مشروع لإقامة قاعدة عسكرية صينية فيها. وعلاقة جيبوتي بأرتيريا وأثيوبيا سيئة أغلب الأحيان، كما أن للصومال كبلد الحروب الدائمة أثر بالغ على أحوال جيبوتي.

أيضاً، تعتمد جيبوتي اقتصادياً على سخاء الدول العربية (خصوصاً الخليجية منها) وعلى المدد الدولي. وهي تستقبل عدداً ضخماً الآن من اللاجئين اليمنيين.. ومن الدول المجاورة. والصراع عليها لا يتوقف، عربياً وأفريقياً وأميركياً وفرنسياً.. وصينياً.

لبنان دولة عربية صغيرة، مؤلف من جزر طائفية. منذ استقلاله عام 1943، شهد عقوداً من الحروب والاضطرابات السياسية المستمرة، والنزاعات الطائفية المحلية والصراعات الإقليمية والدولية، تحيطه دولتان، سوريا وإسرائيل، لم يبخلا عليه احتلالاً وتدميراً وتدخلاً عسكرياً في يوم من الأيام. كما لم يتوقف يوماً صراع النفوذ العربي والفرنسي والأميركي، ثم الإيراني (ابتداء من العام 1982). ويستقبل عدداً هائلاً من اللاجئين السوريين وتجمعات كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين.

وكما جزر القمر وجيبوتي، بات لبنان اليوم دولة فقيرة مفلسة. ويعتاش جزء منه على مدد إيراني، وجزء على دعم المنظمات الدولية، وجزء على تحويلات مغتربيه، عدا بعض المساعدات "الإنسانية" الأميركية والفرنسية..

وبعد انهياره سياسياً واقتصادياً واتساع الشقاق الأهلي والطائفي، وتواتر الاضطرابات الأمنية فيه، يبدو هذا البلد يتجه أكثر فأكثر نحو أن يكون أرخبيلاً وأشبه بما كان حاله في القرن التاسع عشر: الأرثوذكس بحماية روسية، الدروز بحماية إنكليزية، الموارنة بحماية فرنسية، السنة رعايا عثمانيون.

اليوم، تبدلت الصورة قليلاً وتبدلت بعض الدول الراعية ونوعية التبعية. وعلى الأرجح، ثمة نموذج جيبوتي أقرب إلى التطبيق فيه، كطريقة للعيش وتدبير الاقتصاد. فالروس لديهم مشاريع للشمال ولمصفاة طرابلس وخزانات نفطها وأنابيبها الممتدة إلى العراق، وهو شمال مجاور لطرطوس واللاذقية. والإيرانيون (بمعية نظام الأسد) ومعهم المئة ألف مقاتل من حزب الله، لهم البقاع الشمالي ممراً نفطياً وعسكرياً ومشاريع معاملهم الكهربائية أخيراً، وحركة استيراد وتصدير خاصة بهم وبجزيرتهم الشيعية، خارج الدولة وشرعيتها. ولهم جزيرة الجنوب كله وحدود الاشتباك مع إسرائيل المتصلة بالجولان، وفيه القواعد العسكرية وصواريخها الموالية مباشرة للولي الفقيه الإيراني. ولهم جزيرة الضاحية المتاخمة للعاصمة، خزاناً بشرياً مسلحاً ومتفوقاً "يحمي" أو بالأحرى "يفرض" حمايته على الجوار والجزر الطائفية الأخرى، بقدر ما يؤمن الطرق نحو البقاع والجنوب خطوطاً متصلة للإمداد.

والأميركيون أيضاً لهم قواعدهم في حامات والرياق والكثير من النفوذ داخل الجيش والإدارة العامة، حسب توجسات عبرت عنها قيادات حزب الله، وحسب ما يتفاخر به مسؤولون أميركيون من مساعدات دائمة للجيش ولبعض الوزارات. كما لهم -وفق أدلة كثيرة- دالتهم على المنظمات غير الحكومية التي لا عد لها. ولهم لا شك جامعاتهم ومدارسهم وولاء شخصيات وأحزاب.. بل وقد تحسب مناطق جغرافية وسكانية موالية للنفوذ الأميركي.

الفرنسيون بنفوذهم التاريخي (السياسي والثقافي) أيضاً يزاحمون الأميركيين على بعض الجزر المسيحية خصوصاً، كما ينافسونهم على احتمال "تأجير" بعض مرافق البلد أو خصصة مؤسساته الكبرى، وبعض جزره المهمة: المرفأ، المطار، معامل الكهرباء، آبار الغاز والنفط المحتملة بحراً. وهذه الأخيرة محل تنازع أميركي روسي إسرائيلي فرنسي، قد تُحّل بـ"شركة" توزع الأرباح.

ويبدو أن الجزر السنّية هي الأسوأ حالاً منذ أن يتّمها "التخلي" العربي، وهي تنتظر اليوم إعادة بعض الاعتبار لها عبر النجدة المصرية الأردنية، غازاً وكهرباء، تقصي أو تقلل من "الخطر" الإيراني أو تتوازن معه على الأقل.

اكتمل تأجير الجزر.. لكن لم يتم بعد التوقيع على العقود.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها