الإثنين 2021/10/18

آخر تحديث: 11:46 (بيروت)

الاتحاد الأوروبي مرعوب من انهيار لبنان

الإثنين 2021/10/18
الاتحاد الأوروبي مرعوب من انهيار لبنان
وجود حكومة مستقرة في لبنان أشبه بمعجزة (Getty)
increase حجم الخط decrease

بات الاستقرار في لبنان مع انفجار الشارع، في حكم المنهار، فلم يكن ينقص اللبنانيين بعد معاناتهم الشديدة من أزماتٍ معيشية متلاحقة، سوى العودة إلى الاقتتال الداخلي واستحضار صور الحرب الأهلية. وهو مشهدٌ يقلق عدداً من اللاعبين المحليين والخارجيين وفي مقدمتهم الاتحاد الأوروبي.

التحدي الأكبر
المشاهد المأساوية التي عاشتها بيروت من قنصٍ وحرب شوارع وصيحات طائفية أعادت الى الأذهان صور الحرب الأهلية، والتي تضع لبنان على منعطفٍ حاسم، انطلقت منها مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، لتعتبر أن انهيار لبنان سيكون أكبر تحدٍ يواجه الاتحاد الأوروبي منذ سنوات.

وتقول المجلة أن البرلمان الأوروبي تعهد بفرض عقوبات تستهدف شخصيات سياسية لبنانية بارزة، إذا زعزعت استقرار حكومة ميقاتي التي تم تشكيلها مؤخراً في البلاد. وهذا امتداد للسياسة التي استخدمها البرلمان الأوروبي لإجبار النخبة السياسية المنقسمة في بيروت على التوحد، لتشكيل حكومة بعد عام من الجدل والتأخير وألعاب اللوم المتبادل.

وتضيف المجلة أن هذه السياسة قد تبدو غريبة، إذ لا يعمل الاتحاد الأوروبي عادةً في بناء الدول، وإذا كان سيبدأ في العمل بهذه الطريقة، فإن التهديد بفرض عقوبات على الأشخاص الذين يريدهم في الحكومة يبدو وكأنه طريقة غير بديهية للقيام بذلك. ولكن مع تجدد العنف في البلاد، بعد شهور من الكارثة الاقتصادية، قد يجد الاتحاد الأوروبي نفسه يلعب دوراً حاسماً. فلبنان يُعد حالياً أكثر تحديات السياسة الخارجية إلحاحاً في أوروبا، وللاتحاد الأوروبي مصلحة حيوية في الحفاظ على الحكم الرشيد هناك.

وبذلك، من شأن انهيار لبنان، الذي استوعب ملايين اللاجئين الفارين من الحرب في سوريا وغيرها من الصراعات، أن يخلق موجة جديدة من اللاجئين المتجهين إلى أوروبا، ويجلب مع هذه الموجة أزمة سياسية جديدة.

الهشاشة اللبنانية
وحول الأحداث المؤسفة التي عاشتها بيروت قبل أيام، ترى فيها المجلة دلالةً على هشاشة لبنان حتى مع بقاء اللاعبين السياسيين الأساسيين في مواقعهم منذ عقود. وأبعد من ذلك، تسنتج "فورين بوليسي" أنه بالنظر إلى الغزوات والاحتلالان الإسرائيلي والسوري للبلاد، وميل الفصائل السياسية نحو الاقتتال الداخلي، وامتدادها من صراعات أخرى، فإن حقيقة أن لبنان تمكَّن من بناء أي نوع من الحكومات المستقرة على الإطلاق في التاريخ الحديث هي بحد ذاتها معجزة.

لكن هذه المعجزة لم تحدث إلا بشكل متقطع، وتستند في الغالب إلى التقسيم الصارم للمناصب العليا في الحكومة بين الطوائف. والجانب المظلم لهذا النظام هو أنه شجع على تشكيل نخبة سياسية متحجرة وغير قادرة على المنافسة ولا تستجيب للمطالب الديمقراطية للشعب. ومن هنا، قد تكون تحركات الاتحاد الأوروبي، المتوافقة مع إحياء الديمقراطية اللبنانية ودعمها، فرصة نادرة لكسر هذه الطبقة السياسية.

وتكمل المجلة الأميركية في توصيفها للوضع اللبناني الهش، فتشير أن انتفاضة 2019 فشلت في تحقيق هدفها النبيل المتمثل في الإطاحة بالنخبة السياسية اللبنانية وإعادة رسم العقد الاجتماعي اللبناني. ويعود السبب إلى افتقارها لقيادة سياسية متماسكة أو برنامج سياسي كامل وموحد، تكافح فيه من أجل إنشاء تحالفات كبيرة حول أهداف أو سياسات سياسية محددة. وعلى الرغم من التعاطف الواسع النطاق مع مبادئها، إلا أن اللبنانيين لم يتخلوا عن أحزابهم بأعداد كبيرة من أجل هذه الحركة المدنية غير المتبلورة حتى تاريخه.

الحقيقة المفقودة
استمرت احتجاجات ثورة 17 تشرين لفترة لا بأس بها من الزمن، وتبعها انفجار مرفأ بيروت واستقالة رئيس الحكومة حسان دياب، ما عمّق من معاناة اللبنانيين التي قابلها عدم اكتراث النخبة السياسية.

وفي المقابل، كشف انفجار المرفأ حجم فساد الحكم اللبناني. فالفساد وعدم الكفاءة المشتركان بين جميع الأحزاب، خلق الكارثة الكاملة. ولا يزال الجمهور يطالب بضرورة المحاسبة. وهكذا، يرتبط القتال الأخير في بيروت بشكل أساسي بمصير التحقيق بالمسؤول عن الانفجار. وقد شكك الكثيرون في القصة المبكرة التي تقول إن نترات الأمونيوم كانت في طريقها إلى مشترٍ تجاري في موزمبيق ولم يتم تفريغ حمولتها إلا لأن السفينة التي كانت تقلها تم حجزها في بيروت لأسباب قانونية. كما أن هناك اعتقادٌ متزايد بأن حزب الله كان متورطاً في شراء أو توزيع المواد لاستخدامه الخاص أو لنقلها إلى نظام الأسد في سوريا. ومع ذلك، فهذه واحدة من روايات متعددة لقصة لم يتم الكشف عن وجهها الحقيقي، لأن النخب السياسية لم تسمح للعمليات الاستقصائية والقضائية بأن تأخذ مجراها.

المخاوف الأوروبية
وعن مخاوف الاتحاد الأوروبي من تطور الأمور في لبنان نحو الأسوأ، أشارت المجلة الأميركية إلى أن مشكلة أوروبا تكمن في أنه كلما طال أمد الأزمة السياسية، وبالتالي الأزمات الاقتصادية والأمنية في لبنان، زاد احتمال انهيار الدولة بالكامل. ويعكس هذا الأمر العديد من المخاطر على أوروبا. خصوصاً أن لبنان يستضيف حوالى 1.5 مليون لاجئ سوري، إضافةً إلى 500 ألف لاجئ من صراعات أخرى، معظمهم من الفلسطينيين، وهذا العدد من إجمالي عدد السكان الذي يقل عن 7 ملايين نسمة. وبينما تمتع لبنان بفترة من الاستقرار النسبي في الوقت الذي كانت فيه الحرب الأهلية السورية تمر بأسوأ مراحلها، فإن الأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد تسببت في خسائر فادحة، لا سيما على اللاجئين، وقد حذرت وكالات الأمم المتحدة مؤخراً من أن يقبع 90 في المئة من اللاجئين في لبنان في فقرٍ مدقع. لذا، تُعد هذه المؤشرات بالفعل وصفة للهجرة الجماعية، وقد تصبح إذا تدهور الوضع الأمني، حتمية. ومع بقاء عدد قليل من الملاذات الآمنة في المنطقة، سيكون توجه اللاجئين إلى أوروبا هو الخيار المنطقي الأمثل.

وما ورّد أعلاه يطرح سؤال جوهري، هل تستطيع أوروبا استيعاب مليون لاجئ آخر أو أكثر؟ وتجيب المجلة أنه من الناحية الاقتصادية، بالطبع يمكن ذلك. فأوروبا في وضع أفضل بكثير لتوفير الملاذ لهم من لبنان، حتى في أفضل أيامه. لكن بالحديث عن الشق السياسي، نجد أن موجة اللاجئين لعام 2015 تسببت في زعزعة استقرار السياسات المحلية والأوروبية بشكلٍ كبير، ما أدى إلى زيادة الدعم للأحزاب اليمينية المتطرفة والحركات الفاشية الجديدة في جميع أنحاء القارة، وتعريض النظام السياسي الديموقراطي الليبرالي للخطر. وهنا يُطرح سؤال آخر حول ماذا سيحدث إذا بدأ مليون سوري آخر في شق طريقهم إلى حدود أوروبا مع انحسار التأييد لليمين المتطرف؟

وعليه، يبدو أن البرلمان الأوروبي، حسب المجلة، يائساً لتجنب هذا الاحتمال الوارد آنفاً. ولهذا السبب يستخدم الحزم مع السياسيين في بيروت. ومن وجهة نظر المجلة، إذا أرادت أوروبا أن يستمر لبنان في استيعاب هؤلاء اللاجئين، فعليها أن تقدم المساعدة الضرورية عبر نظيفي الكف بدلاً من البلطجية واللصوص. وتتمتع الدول الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا، بنفوذ كبير على الطبقة السياسية في بيروت، لأسباب ليس أقلها أن هذه النخبة التي سرقت أموال اللبنانيين، تنفق هذه الأموال في باريس وميلانو وتحتفظ بحساباتها المصرفية في الخارج.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها