الجمعة 2021/10/15

آخر تحديث: 13:51 (بيروت)

مقتلة الطيونة: هل كان يمكن تلافيها؟

الجمعة 2021/10/15
مقتلة الطيونة: هل كان يمكن تلافيها؟
من مقتلة لتحقيق لتهديد ومقتلة أخرى، لا يُملّ من دمائنا (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
محور اشتباك. مسلّحون. قنص. قذائف صاروخية ومحمولات. سيارات إسعاف. خط تماس. عُدنا إلى حيث كنا، ومن حيث هربنا. أو من حيث هرب بنا الأهل المدنيين، أو حتى العكسريين منهم الذين لا خطاب لهم سوى خطاب الدولة ولا بزّة مرقّطة لهم سوى بدلة الشرعية. 14 تشرين الأول 2021، تاريخ جديد يضاف إلى السجلّ الإجرامي لسلطتنا الحاكمة. سلطة السلاح والميليشيات والحرب الأهلية. لحظات ومحطّات ومشاهد تعود إليها السلطة عند كل مفترق سياسي أو ظرف مفصلي لتذكّرنا بأنها قادرة على القتل والتدمير والتقسيم وإشعال الحرب. بأنها قادرة في أي لحظة على إقلاق راحتنا، والعبث بيومياتنا والتشكيك بوجودنا، والسؤال عن حيواتنا ومستقبلنا.  

السنّ بالسنّ
في فعل إدانة أحداث الطيونة، مداخل لا تحصى. وفي مسبّباته مدخل وحيد لا لبس عليه، يتمثّل بالسعي الدؤوب إلى فرض القرارات بقوة السلاح ومن خلال التلويح المستمرّ بفائضه. منذ سنوات، يتردّد شعار "الشعب يريد 7 أيار"، في كل اعتصام أو تحرّك عفوي أو منظّم لجمهور ثنائي حزب الله وحركة أمل. هو التلويح الدائم بالاجتياح وقتل الأعداء وتهويدهم وإذلالهم وتركيعهم. ومقابله، عصب مسلّح ومعبّأ لم يُختبر ميدانياً ولا عسكرياً منذ عقود. عصب يريد إثبات نفسه اليوم قبل الغد. منضبط أشدّ الانضباط ولم تفلت له صورة مسلّح واحد. أتت للقوات اللبنانية الفرصة واقتنصتها، لتكرّس قاعدة جديدة: شارع بوجه شارع. قوّة بوجه قوّة. سلاح بوجه سلاح. والسنّ بالسنّ. فيا أهلاً بالقبلية والطائفية والعصبيات، والبادئ أظلم.

من مقتلة لأخرى
من مقتلة لأخرى، تقودنا السلطة. أمس الطيونة، قبلها خلدة، وسبقتها المجزرة الكبرى يوم 4 آب. طرابلس، عبرا، عرسال. تفجيرات واغتيالات لا تحصد سوى مدنيين، قادة أو سياسيين لا همّ. هم مدنّيون يأتيهم القتل على حين غرّة، ولو أنّ الجميع يعلم أنّ الوضع ليس على ما يرام. قبل ساعات من المقتلة الأخيرة، وصل مستوى التعبئة إلى أوجّها. 7 أيار مقابل عصب مسيحي صارم ومنضبط. والعنوان كان معروفاً أيضاً، عين الرمانة والشياح. كان بالإمكان تلافي كل ما حصل ووأد الفتنة في مهدها. كان بإمكان المعنيين بتنظيم التحرّك نحو قصر العدل، والمسؤولين الأمنيين والقيادات الأمنية، أن توجّه المسيرة من الطيونة إلى ميدان الخيل ومنه تنعطف يميناً باتجاه المتحف والعدلية. لكن ذلك لم يحصل. عن سابق تصوّر أو هفوة؟ الهفوات المماثلة قاتلة وغير مسموح بها. هل كان مطلوباً أن تحصل "العركة"؟ أن تقع المعركة ضمن بعض الضوابط؟ فيتمّ التنفيس عن شارعين معبّأين ويكسب الجميع في السياسة وفي الجمهور؟ الخلاصة أنّ المقتلة وقعت، ونحن ضحاياها.

نحن الضحايا
وقعت المقتلة ونحن ضحاياها. حوصر المواطنون في منازلهم. جلسوا في الأروقة أو خلف الأدراج. رعب تلامذة المدارس لا يوصف. اضطروا، لوهلة، إلى الغوص في وجدان متوارث بجيناتهم. وجدان حملوه عن آبائهم الضحايا أيضاً. أب يورث ابنه سلاحاً وقضية. وآخر يورث ابنه مخبأً وخطة إجلاء وطوارئ. عائلات تعبر خط التماس وفي يدها شنطة الهرب. هي الحقيبة نفسها التي اعتدنا على وجودها على حافة مدخل المنزل، صيفاً وشتاءً، نهاراً وليلاً، أيام طفولة الحرب الأهلية. فيها مال ومجوهرات وأوراق ثبوتية وبطاقات عبور إلى الملاجئ أو ضفاف الأمان. حوصرنا في منازلنا أو مكاتبنا كضحايا اعتياديين. نختلف عن أغلب الضحايا الذين سقطوا بالرصاص. مريم فرحات كانت مثلنا. قتلتها رصاصة هي الهاربة من واجهة الاشتباك وتعدّ  نفسها للهرب مع شنطتها وابنتها. عدا مريم، قُتل مسلّحون. هؤلاء ذهبوا إلى المواجهة والموت بأرجلهم، لأي ضفّة انتموا. هم اختاروا هذا السبيل. غدراً أو بطولةً أو شهادة، لا يهمّ. قضوا في المواجهة. هم ضحايا أيضاً. ضحايا خطاب وتعبئة وأناشيد، لأي ضفّة انتموا أيضاً. ضحايا خُيّروا، فكان خيارهم أن يَقتِلوا أو يُقتلوا. ضحايا لا يرتقون إلى مستوانا. هم ضحايا وجلّادون ارتضوا بهذا الدور والموقع.

ومن بين الضحايا أيضاً، دولتنا التي نسعى جاهدين إلى بنائها. مؤسساتها وجسمها الذين نعمل على إعلاء كلمتها. قضاؤنا الذي نلهث لتحصينه. أمننا الذي نبحث عنه أولاً قبل الأكل والطعام والراتب وقسط المدرسة. نحن الضحايا عدنا إلى يوميات القلق مجدداً. لم ينتبه أي منّا أمس أنّ سعر صرف الدولار قفز فوق عشرين ألف ليرة. وأنّ سعر ربطة الخبز قفز من 5000 إلى 7000 ليرة. وأنّ عضو نقابة محطات المحروقات بشّرنا بأنّ أسعار المحروقات سترتفع بشكل أسبوعي. نراقب هذه الأسعار من ملاجئنا، على ضوء شمعة أو فانوس. وحين نخرج إلى الضوء نجمع الركام والزجاج المكسّر ونحصي الخسائر.
نزيّت قناديلنا وهم يزيّتون بنادقهم. نحصي أرزقانا، وهم يحصون رصاصهم وعناصرهم. نورث خلفاءنا الرعب والخوف وشنطة الهرب، يورثون أبناءهم الجنود والمؤامرات والمحاور.

ولم يملّوا القتل بعد. للإطاحة بتحقيق ومحقق عدلي، وقعت مقتلة جديدة تفتح تحقيقاً جديداً. ومن مقتلة لتحقيق لتهديد ومقتلة أخرى، لا يُملّ من دمائنا. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها