الثلاثاء 2020/08/18

آخر تحديث: 18:09 (بيروت)

الحريري المقتول والثأر المكبوت

الثلاثاء 2020/08/18
الحريري المقتول والثأر المكبوت
عدم تسييس المحكمة كان أهم إنجاز "قانوني" حققه المشتبه بوقوفهم وراء عملية القتل (Getty)
increase حجم الخط decrease

لا يُقتل شخص اسمه رفيق الحريري إلّا بفتوى دينية.. وبقرار سياسي من أعلى المرجعيات القيادية. عدا ذلك، لا مصطفى بدر الدين ولا سليم عياش لديهما "مشكلة شخصية" مع الحريري أو أي من أفراد عائلته.

لم تستطع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان (المتخصصة بمسلسل جرائم الاغتيالات) ولا فريق التحقيق الوصول إلى "أدلة كافية" لاتهام حزب الله (ككيان سياسي – عسكري) ولا النظام السوري بالتورط في الجريمة. وهذا يختلف جذرياً عن القول ببراءتهما. وكان هذا واضحاً منذ وضع أسس المحكمة وإنشائها عام 2007. أي عدم صلاحيتها القانونية للتوسع نحو الدوافع وراء الاغتيال، ومن هم أصحاب القرار، ومن هو الذي أعطى الأمر. أي أن المحكمة لن تبحث عن الفتوى غير المعلنة ولن تسمي المقرِر السياسي. ديتليف ميليس الذي ابتدأ كأي محقق محترف، بالبحث عن الدوافع انطلاقاً من واقعة أنها "جريمة سياسية" كبرى، عرف سريعاً أنه يفتح صندوق باندورا لا طاقة للغرب والشرق على احتواء شروره. عرف ميليس أن مسار البحث عن المحرّض والآمر وعن الدوافع سيتسبب - حسب قوله - بحرب أهلية في لبنان.. على الأقل.

المحكمة كتبت "الحقيقة" أو نتفاً صغيرة منها، فحسب، أي الرواية الواقعية لتنفيذ الجريمة وكيف تم تدبيرها، ومخططها العملاني، وكيفية تنفيذها. سردت بالتفصيل القصة الكئيبة والسوداء للانفجار، من دون أن تكشف أسماء العشرات، بل ربما المئات من المتورطين. ولولا الاسم الوحيد الذي أدانته، لوجب تسجيل الحكم ضد مجهول.

نحن أمام "فيلم" وثائقي بالغ الدقة، ثانية بعد ثانية، يصوّر لنا الجريمة من لحظة الملاحقة إلى لحظة إخلاء مسرح الاغتيال. عدا ذلك، أي قبل التصوير الافتراضي والسيناريو المعلن، هناك الصندوق الأسود. غرفة العمليات. الاجتماعات السرية. الحبر الخفي للفتوى. الوثيقة الشفهية أو المكتوبة للقرار السياسي. المؤامرة المخابراتية الصبورة والعنيدة. هذا كله ليس من "صلاحية" المحكمة ولا بمستطاعها.

عدم تسييس المحكمة كان أهم إنجاز "قانوني" حققه المشتبه بوقوفهم وراء عملية القتل، أي أصحاب الإرادة والقدرة على "تشغيل" المجموعة المنفِذة. هؤلاء اكتسبوا حصانة مسبقة قبل أن يكتب الادعاء جملته الأولى.

مع ذلك، وخارج المحكمة، دفع حزب الله والنظام السوري ولبنان كله وإيران أيضاً أثماناً باهظة للجريمة. هذا على الرغم من أن الاغتيال حقق للحزب وللحرس الثوري مكاسب هائلة في عموم المشرق العربي، بل ووصولاً إلى اليمن والبحرين.

مع الوقت أدركنا أن الهدف ليس مجرد تغييب رئيس حكومة سابق، بل اغتيال التيار السنّي الليبرالي المدني في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، الذي لم يفسح المجال فقط لقيام ما يسمى "الهلال الشيعي" على بلاد من ركام، بل وأنتج تلقائياً أشنع تيار "سنّي" أعمى ودموي وهمجي (داعش) الذي بدا وكأنه "الجواب" الموازي واليائس على العصبية المسلحة والتدميرية للتوسع الإيراني المذهبي والمتعطش لثأر مكبوت منذ أكثر من 1400 عام.  

حدث كل هذا، والمحكمة الدولية طوال 13 عاماً تتفحص هواتف منفّذي مقتلة الحريري. حدث هذا على أي حال تحت شعار الطريق إلى القدس. وفي الأثناء هُدمت صنعاء وعدن وبغداد وحلب ودمشق وبيروت..

ولا لزوم للحديث عن إسرائيل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها