الأربعاء 2020/06/17

آخر تحديث: 15:20 (بيروت)

قانوناً: التجديف بالله أخفّ وطأة من انتقاد "فخامة الرئيس"!

الأربعاء 2020/06/17
قانوناً: التجديف بالله أخفّ وطأة من انتقاد "فخامة الرئيس"!
القضاء هو الحصن الأخير قبل عسكرة النظام وبعثنة الإدارة (Getty)
increase حجم الخط decrease
لا شكّ أنّ قانون العقوبات اللبناني يعتبر قديماً ولا يماشي العصر. تم إقراره بموحب المرسوم الاشتراعي رقم 340 تاريخ 1/3/1943. أي أقدم من أول وثيقة دولية لحقوق الانسان صادرة عن الأمم المتحدة، المتمثلة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 10 كانون الأول 1948. شارك لبنان، عبر الدبلوماسي شارل مالك، في إعداد مسودة هذا الإعلان إلّا أنّ الدولة لم تراعه عبر سنّ قوانين وتشريعات تحترم مبادئه. وعلى الرغم من التعديلات التي طالت القوانين، ولا سيما قانون العقوبات، لا تزال هذه القوانين غير كافية، ولا تفي الغرض المطلوب في كل ما يتعلق بحماية الحريات العامة.

قوانين على ورق
بعد إعلان 1948، كرت سُبحة الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان كالعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الذي صادقت عليه الدولة اللبنانية بموجب المرسوم رقم 3855 تاريخ 1/9/1972. فالدولة اللبنانية تُعتبر من أكثر الدول التي انضمت وصدّقت اتفاقيات تتعلق بحقوق الانسان في المنطقة. كما كان للخبراء اللبنانيين المستقلين، الذين تم انتخابهم ولا زال بعضهم أعضاء في لجان المعاهدات، صيتاً طيباً ومهنيةٍ عالية. لكن توقيع الاتفاقية شيء وتنفيذها شيء آخر، وأحد أهمّ أُسس تنفيذ هذه الاتفاقيات يكمن في تعديل قوانين وتشريعات وإقرارها لتتماهى مع بنودها. الأهمّ تنفيذ هذه القوانين، لا أن تنال مثلاً مصير قانون الأشخاص ذوي الإعاقة (رقم 220/2000) أو قانون الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان (المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب، رقم 62/2016)، أو حتى قانون منع التعذيب (رقم 65/2017) الذي جاء غير متوافق مع اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

التجديف أخفّ وطأة
في قانون العقوبات اللبنانية، أصبح العديد من المواد والبنود مخالفة لحقوق الإنسان ولا سيما تلك المتعلقة بحرية التعبير. فالمادة 317، وما يليها، تجرّم "من ينال من الوحدة الوطنية". والعبارة الأخيرة مصطلح فضفاض تجعل من هذه المادة القانونية أداة قمعية على الرغم من ظاهرها الوطنيّ. أما المادة 384، المتعلقة بجرم تحقير رئيس الجمهورية، فما وُضعت إلا لتأليه شخص وجعله متقدماً على شركائه في الوطن. مادة تضرب بشكل تلقائي مبدأ المساواة الذي تنصّ عليه مبادئ حقوق الإنسان. والمثير للسخرية، أنّ المادة 473 المتعلقة بالتجديف تنص عقوبتها بالحبس من شهر إلى سنة. في حين أنّ جرم تحقير الرئيس يقضي بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين. بالتالي أصبح التجديف بالله واسمه أخفّ وطأة من انتقاد فخامة رئيس الجمهورية.

هذا من جهة، أما من جهة أخرى فيظهر الاستغلال السياسي لمواد عقوبات القدح والذم بهدف كمّ الأفواه، من خلال الادّعاء على الصحافيين والناشطين وتوقيفهم في بعض الاحيان وإلزامهم بتوقيع تعهدات أحياناً أخرى.

ملاحظات دولية
على الصعيد الدولي أعربت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، بموجب الملاحظات الختامية على التقرير الدوري الثالث للدولة اللبنانية بتاريخ 9 أيار 2018، عن قلقها البالغ حيال تجريم القدح والذم وانتقاد المسؤولين السياسيين. وهذا الموقف الواضح في الفقرتين 45 و46 من التقرير، يؤكد القلق أيضاً من سياسة الادعاء على الصحافيين والناشطين والتحقيق معهم أمام مكتب الجرائم المعلوماتية. وطالبت اللجنة بتعديل قانون العقوبات لجهة عدم تجريم القدح والذم. والقلق نفسه، والملاحظات نفسها، كان قد أعرب عنها للدولة اللبنانية المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير في الأمم.

في لبنان أضحى تقديس الأشخاص والمواقع، بموجب القوانين، أموراً بالية مرّ عليها الزمن. فيتم تسخير كل الأجهزة الأمنية والقضائية لملاحقة الناشطين والمعارضين، بدل ملاحقة الفاسدين.
تقع على عاتق القضاء والقضاة مسؤولية كبيرة في صيانة الحريات العامة وحماية حرية التعبير. العمل على صيانة الحرية في لبنان ممكن من خلال تطبيق الدستور والاستناد إلى الاتفاقيات الدولية وفقاً للمادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنية، والاستناد إلى اجتهادات وأحكام صادرة عن محاكم أجنبية ولا سيما الأوروبية منها.
فالقضاء هو الحصن الأخير قبل عسكرة النظام وبعثنة الإدارة. حصن أخير قبل أن ينتهي لبنان، قبل أن نصبح دولةً مارقة مظلمة بلا أمل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها