السبت 2020/04/11

آخر تحديث: 00:27 (بيروت)

كورونا فضح نظام السجون: الخطر يدهم فأين خطة الإخلاءات؟

السبت 2020/04/11
كورونا فضح نظام السجون: الخطر يدهم فأين خطة الإخلاءات؟
حفاظاً على حياة آلاف السجناء (Getty)
increase حجم الخط decrease
مع وباء كورونا أصبحت حياتنا مقيّدة، وأصبحنا بحكم المقيمين جبرياً في منازلنا، نحن المحظوظون الذين أنعمت علينا الحياة بسقوف تأوينا. في هذه اللحظات لا يسعنا إلا التفكير بهؤلاء الذين أقلّ حظاً منا. منهم من ظلمتهم الحياة، ومنهم من كانوا عرضة لمواقف أقوى من أراداتهم، فاتّجهوا للجريمة كوسيلة للترزّق. فالله خلق الخير فينا جميعاً، ولكنّ البعض تاه في غياهب الدنيا ليصبح مجرماً سجيناً وراء القضبان. هذا الوباء الذي لم يستثن بلداً ولا أمةً، ولم يفرّق بين كبيرٍ أو صغير، غنيّ أو فقر، قائد أو تابع، على الأكيد لن يستثني نزلاء زنزانةً أو سجناً متروكين بلا إجراءات ولا وقاية.

لا يوجد بلد يخلو من السجون، ولا آخر مُرفّع عن الجريمة. وكما أصاب الوباء من هُم خارج السجون، لا أعتقد أنّ قضبانها ستمنعه من الدخول إلى الزنازين. ولا شكّ أنّ السجون تشكّل معضلة أمام الدول جمعاء، ولا سيما تلك التي تشهد اكتظاظاً في عدد المساجين وتفتقر إلى بنى تحتية متطورة وإلى أنظمة سجون حديثة، حتى تلك التي لا تزال تتعامل مع السجن من منظور العقاب فقط من دون إصلاحات تذكر.

قلق عام
تُقلق هذه المعضلة الأمم المتحدة بكافة خبرائها وهيئاتها وأجهزتها. وهو ما حدا بها إلى تضمين فقرة عن هذا الموضوع، في مذكرتها التوجيهية للحكومات بشأن فيروس كورونا. فحضّت بموجبها الحكومات على الأخذ بالاعتبار أنّ الأشخاص المحرومين من الحرية في السجون، ومراكز التوقيف، ومراكز توقيف المهاجرين، وجميع مؤسسات التوقيف ومرافق الصحة العقلية ودور العجزة، معرّضون للإصابة بالعدوى. وبالتالي، شدّدت على وجوب أن تشملهم الخطط الوطنية لحل الأزمات، إضافة إلى ضمان وصول المعلومات والخدمات كافة إليهم، أسوة بباقي البشر.

مواقف دولية
وجاءت مجموعة من المواقف الدولية لتؤكد القلق الجدي إزاء هذه المعضلة. فأطلقت أكثر من جهة دولية تحذيرات حول هذا الموضوع مثل مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان السيدة، ميشيل باشيليت، التي طالبت السلطات بإطلاق سراح من هم مُهددين أكثر من غيرهم ككبار السن والمرضى. ومن بين ما أكدت باشيليت عليه أيضاً ضرورة إيجاد آلية لفرض التباعد الجسدي بين المساجين وتحسين الخدمات الصحية داخل السجون، إضافة إلى إمكانية إطلاق سراح المساجين الذين لا يشكّلون خطراً على المجتمع، كما الإفراج عن السجناء الذين تم توقيفهم من دون أي مسوغٍ قانوني كافٍ. ومع كل ذلك، التشديد على عدم تجاهل الصحة النفسية للسجناء لأن ذلك قد يسبب حالات تمرد خطيرة داخل الزنازين. ولهذا السبب أدرجت باشيليت في توصياتها ضرورة تعويض السجناء الذين يخسرون حق الزيارة الروتينية مع العائلة بسبب الاجراءات الوقائية، حق الاتصال بهم عن بُعد أو زيادة عدد المكالمات الهاتفية، والسماح باستخدام البريد الإلكتروني. فيقع على عاتق الدول أساساً واجب حماية الصحة البدنية والعقلية للسجناء ورفاههم، بحسب ما تنصّ عليه قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا للسجناء- المعروفة بقواعد نلسون مانديلا. وهذه القواعد أشارت بوضوح إلى عدم وجوب سجن أي شخص لا يلتزم بإجراءات الحجر التي تتّخذها الدول، وعبّرت عن هذا الموقف أيضاً نائبة المفوضة السامية لحقوق الانسان في الامم المتحدة، السيدة ندى الناشف عبر شريط مصور. وكانت منظمة الصحة العالمية قد أصدرت عبر مكتبها الإقليمي في أوروبا، في 15 آذار الماضي، مذكرة توجيه مؤقتة للاستعداد ومنع انتشار فيروس كورونا والسيطرة عليه داخل السجون وبقية مراكز التوقيف.

توصيات دائمة
وأيضاً، أصدرت اللجنة الفرعية لمنع التعذيب في 30 آذار الماضي مجموعة نصائح عامة، تشمل تدابير إعادة النظر في إمكانيّة تخفيض عدد السجناء من خلال تنفيذ خطط الإفراج المبكر أو المشروط أو المؤقت عن مجرمين لا يشكّلون خطرًا حقيقياً. مع استعراض جميع حالات الاحتجاز السابق للمحاكمة، وتوسيع نطاق استخدام الكفالة ليشمل جميع الحالات باستثناء الحالات الأكثر خطورة. ومن ضمن النصائح أيضاً، إعادة النظر في احتجاز المهاجرين والحدّ من احتجازهم، وإغلاق مخيمات اللاجئين. وأعلن رئيس هذه اللجنة الفرعية، السير مالكولم إيفانز، أنه "بغضون أسابيع قليلة جداً، أثّر فيروس كورونا المستجدّ تأثيراً عميقاً على الحياة اليومية لجميع الناس. وتبرز داخل السجون وغيرها من أماكن الحرمان من الحرية، التي يسود معظمها اكتظاظ شديد وظروف غير صحيّة، مشاكلَ خطيرة تتطلب اتّخاذ إجراءات فورية. وعلى الحكومات أن تتّخذ الإجراءات الاحترازية اللازمة لمنع انتشار العدوى، وأن تنفّذ إجراءات طارئة تضمن حصول المحتجزين على مستويات مناسبة من الرعاية الصحية والحفاظ على الاتصال بعائلاتهم والعالم الخارجي". وطبعاً لا يجب أن تتأثّر حقوق الملاحقين أو الموقوفين خلال زمن كورونا، فحفظ حقهم بتوكيل محام وبالحصول على المحاكمة العادلة أمرٌ لا مفرّ منه. وبالتالي يجب على الدول السير بنظام المحاكمات عن بُعد، بدل تأجيلها وتمديد فترة التوقيف لعلّة عدم الاستجواب أو ما شاكلها.

فشل الأنظمة
لقد استطاع هذا الفيروس إثبات فشل العديد من الأنظمة على مختلف الأصعدة، منها القانوني والقضائي واللوجستي، داخل السجون. على سبيل المثال أطلقت إيران سراح عشرات الآلاف من السجناء من دون أي خطة واضحة، خصوصاً أن البعض منهم قد يكون من المجرمين الخطرين. بينما عملت بعض الدول الأخرى على التمييز وإتخاذ إجراءات تخلية سبيل الموقوفين في القضايا الجُنحية، كفرنسا والمغرب. أما في لبنان، فتمّ الجمع بين الحالتين. فثمة توجّه لدى القضاء الجزائي لإخلاء سبيل العديد من السجناء بالتعاون مع نقابة محامي بيروت، ولا سيما المحكومين بجنح، واستبدال عقوبتهم بعقوبة الحرية المراقبة. وبإنتظار الحصول على الأساور الخاصة بتطبيق هذه العقوبة من فرنسا. ولا يزال الملف القديم-الجديد، الحديث السياسي بامتياز، حول قانون العفو العام على طاولة البحث. وإن تم تنفيذ المشروع بصيغته السابقة، فسيعتبر القانون الأكثر مخالفة للأصول.

أعتقد أنّ الظروف تفرض على معظم الدول، على الرغم من الضغوط التي تتعرّض لها، البدء بوضع خطة طارئة للسجون وجميع مراكز التوقيف في حال تفشي الفيروس فيها. تحديداً تلك المكتظة منها، حفاظاً على حياة آلاف السجناء الذين لا يتمتّعون في الأصل بالحد الأدنى من ظروف الحياة اللائقة داخل السجن. وهذا واقع العديد من البلدان. ويجب على الحكومات أيضاً، لا سيما في منطقتنا، البدء برسم خطة شاملة للسجون لما بعد كورونا. فشئنا أو أبينا، العالم قبل كورونا لن يكون كما بعده.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها