الإثنين 2020/03/16

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

14 آذار 2020: ما بقي من الذكرى

الإثنين 2020/03/16
14 آذار 2020: ما بقي من الذكرى
كثر يرفعون تلك اللحظة إلى مكانة حيث لا أحد يستطيع مسّها (Getty)
increase حجم الخط decrease

قبل سنة، كانت ذكرى 14 آذار 2005 محطة يستذكر خلالها قسم من اللبنانيين، كيف توحدوا خلف شعارات "وطنية"، وأخرجوا جيش النظام السوري بعد حوالى 30 سنة من الاحتلال المغلف بما اصطُلح على تسميته وصاية. الذكرى، فيها الكثير من العاطفة والمشاعر والحنين إلى تلك اللحظات، التي اعتبر فيها كُثر أنهم نزعوا عنهم وشاحهم الطائفي ولبسوا وشاح الوطن. حينها كان الجميع، أو جميع من تظاهر واعترض ورفع صوته، يعتقد أنها اللحظة المؤسسة للبنان الجديد العابر للطوائف، والذي كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر، أو يعتقدون ذلك.


قبل سنة، كانت الذكرى مع مرحلة، توهم فيها غالبية من اللبنانيين أنهم يعبرون إلى دولة العدالة والمساواة، السيادة والاستقلال، بعيداً عن احتلال ووصاية وتبعية. أيضاً، قبل سنة، كان هناك من يعتقد أن شعار لبنان أولاً أهم الشعارات التي رُفعت أو ستُرفع. لبنان أولاً بما يعنيه من تقديس للوطن على حساب كل شيء آخر. كُثر مشوا خلف أحزاب وجماعات كانت تقف في الصفوف الأمامية بمواجهة حقيقية طبعاً، ضد واقع أمني لم يعد بالإمكان السكوت عنه، خصوصاً حين تحوّل إلى التصفية المباشرة لكل من يختلف معه.


قبل سنة أيضاً، كان اللبنانيون يتذكرون أبرز محطاتهم في العام 2005. تعود إلى ذاكرتهم تلك المظاهرة المليونية، ثم يبدأون برسم صور الناس الذين كانوا في ساحة الشهداء. ابن الأشرفية يتذكر ابن طريق الجديدة الذي كان يهتف معه لسمير جعجع، وابن كسروان يستعيد صور ابن بقعاتا وهو إلى جانبه يُريد عودة ميشال عون من منفاه وغيرها وغيرها من صور على النسق نفسه. الصور غالبيتها للحظات تُخلّد الذكرى، وكأنها لحظة كان فيها الجميع، جميع من في الساحة، متشابهون تماماً، لا يجمعهم سوى هدف سامٍ بعيد كُل البعد عن الزواريب التي تربوا عليها وفيها. كانوا، يحملون أحزابهم التي انسجمت مع بعضها البعض بشكل غريب، فيما جلس المُستقلون يُشاهدون هذا "الإنجاز" وهم مبتسمون، يُرددون: "وأخيراً انتهينا من حروبهم". كانوا، بالرغم من عُمق الخلافات بين أحزاب جبهة انفرط عقدها، لا يزالون يرفعون تلك اللحظة إلى مكانة حيث لا أحد يستطيع مسّها، هي كُل ما تبقى لهم أساساً. لحظة.


قبل سنة، في 14 آذار 2019، كان كُثر من اللبنانيين ينتقي ما يُفرحه من ذلك اليوم، ويبتسم. كُثر، لا يتذكرون أو لا يُريدون أن يتذكروا أن في ذلك النهار، كان "دم السنية عم يغلي غلي" و"الله قوات حكيم وبس" وطبعاً "الله عون" أما وليد جنبلاط فهو من "بالروح والدم يُفتدى" وغيرها من شعارات كانت موجودة وبقوّة، لكننا دفناها في مكان لا يُمكن لذاكرتنا أن تصل إليه، مهما حاولت أن تُنقب عنه. كُثر، لا يتذكرون أنهم ادعوا (وأنا أولهم) أن كُل شيء يسير على ما يُرام، وأن كُل رواسب كرهنا لبعضنا البعض قد تبخرت بلمح البصر. رسمنا المشهد كما نريد، بكثير من الأنانية والقليل من الواقعية.


قبل سنة، كنا بعد 14 عاماً على الحدث، نكذب على أنفسنا قبل كل شيء. أردنا أن نُصدق أن ما كان يجري هو إرادة جماعية بالتغيير وبالخروج من النفق الذي أُودعنا فيه، رأينا الجانب المُشرق، وأخفينا أننا كُنا نمشي وراء مجموعة من الأحزاب التي لها أجنداتها، والتي كانت شريكة بقيامة نظام المحاصصة ما بعد الطائف، وكان، مُعظمها مُستفيداً من كل ما قدمه الاحتلال، ومن توازنات أرساها كما يُريد، ليُديرهم ويُديرنا، من دون جُهد يُذكر. كُنا نقول إن الأولوية لاستعادة السيادة، ونسينا أن السيادة لا تُستعاد بارتهان من نوع آخر. كُنا، نُطالب بالحقيقة ونسينا حقيقة أننا أدوات تُحركها العاطفة فلا تعد تُبصر الواقع كما هو. كُنا نريد أن نبني وطناً، وتعامينا طوال سنوات من بعد عام 2005، حتى زمن ليس ببعيد، عن أن معظم من صدقناهم، هم أكثر المهرولين إلى التحاصص والفساد وتحويل مقدرات البلاد في سبيل استمرار جلوسهم على أعناقنا. والكثير أكثر من كل ما سبق.

في 14 آذار 2020، الذكرى لم تمت تماماً، لكنها صارت أوضح وأكثر التصاقاً بالحقيقة: "نحن الثورة الشعبية وإنتوا الحرب الأهلية". 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها