الجمعة 2020/02/28

آخر تحديث: 00:03 (بيروت)

تشويه تاريخ رجل مثل سليم الحص جريمة

الجمعة 2020/02/28
تشويه تاريخ رجل مثل سليم الحص جريمة
غريب جداً أن تكون دماثة الخلق والهدوء والإستقامة ونظافة الكف تهمة "وخرافة" (المدن)
increase حجم الخط decrease

تعقيباً على مقالة "لحود والحص كما عون ودياب" للزميل يوسف بزي، كتبت وداد سليم الحص، النص التالي: 

ورد في جريدتكم الإلكترونية الغراء مقال بعنوان: "لحود والحص كما عون ودياب" للأستاذ يوسف بزّي ورد فيه الكثير من المغالطات، وما أعتبره تزويراً للتاريخ، فاقتضى لفت النظر من باب الشفافية وتصويب الأمور. للأسف، فإن الكثير من الخبر وجهة نظر. ولكن من المؤسف أكثر أن ندع وجهات النظر تشوّه حقائق ثابتة لا يجوز إغفالها.

طالعنا المقال بصورة للرئيس دياب تحتها تعليق "على منوال سليم الحص مطيع لأولياء الأمر" إن الطاعة لغير الله والضمير والخضوع والخنوع ما كانت يوماً من صفات سليم الحص، ولو أن معظم رؤوساء الحكومات الذين سبقوه أو تلوه اصطبغوا بها. ما احترف الرئيس الحص السياسة يوماً فيما عدا المقعد النيابي الذي شغله لدورتين متتاليتين وهو الذي عرّف السياسي المحترف بذاك الذي يسعى لمنصب سياسي وإذا شغل منصباً سعى للبقاء فيه. لم يسع الرئيس الحص يوماً لمنصب رئاسة الوزراء ولم يسع يوماً وهو رئيس للوزراء للبقاء في منصبه.

فالطاعة والخضوع لغير الضمير والواجب الوطني تكون للحفاظ على منصب أو لمكاسب معينة وهذا ما لم يسع إليه الرئيس الحص يوماً، بشهادة كل من عاصره وبشهادة ما ورد في مؤلفاته الـ 22 . لم يكن الرئيس الحص صاحب ميليشيا أو حزب أو مال ولكنه كان يملك سلاحاً أمضى من كل ما سبق، "سلاح الموقف"، سلاح شهره بوجه الفساد والمحاصصة والطائفية والمذهبية والتقسيم والانهيار الاقتصادي والظلم الاجتماعي واحتلال إسرائيل وعدوانها المتكرر، سلاح شهره مسجلاً مآثر سيذكرها التاريخ. فكيف لسلاح الموقف أن يكون ماضياً فعالاً وهو بيد مطيع مسيّر؟

​غريب جداً أن تكون دماثة الخلق والهدوء والإستقامة ونظافة الكف تهمة "وخرافة" وموضع سخرية وتهكم وأن تقترن "الآدمية" والأخلاق والضمير بالضعف والطاعة، أو ربما ليس الأمر غريباً بل هو إنعكاس للآفات التي اصطبغت بها الحياة السياسية في لبنان منذ الاستقلال حتى الآن فآل الوضع إلى ما نحن عليه من انهيار على جميع الأصعدة.

​لقد دوّن الرئيس الحص تجربته في الحكم وأفكاره وآراءه في 22 مؤلفاً، حبّذا لو يقرأ بعضها أصحاب الأقلام، فيطّلعوا على حقائق تاريخية موثقة بدلا من إطلاق أحكام منحازة وتضليل الرأي العام. من كتبه المنشورة على سبيل المثال لا الحصر:"زمن الأمل والخيبة"، "عهد القرار والهوى"، "ذكريات وعبر" وطبعاً "للحقيقة والتاريخ" وفيه تفصيل شفاف لحقبة الحكم مع الرئيس لحود، التي تعرض فيها الرئيس الحص لأعتى حملة تشهير استخدمت فيها الأموال الطائلة والإعلام المنحاز المضلل وسلاح المذهبية البغيض.

لم يكن يوماً الرئيس الحص"موظفاً شهابياً" بل كان وبكل فخر موظفاً لدى الشعب اللبناني راعياً لمصالحه. راجع التاريخ لترى أن ذلك "الموظف المحاسب"هو صاحب الرؤية الاقتصادية السليمة، التي لو اتّبعت لكان لبنان الآن في مرحلة نهوض وإزدهار بدلاً من الانهيار الذي سببته سياسات الاستدانة الرعناء والفساد والمحاصصة، والمواطن المقهور يدفع الثمن الآن من اللحم الحيّ. الاقتصادي سليم الحص هو من أنشأ وترأس لجنة الرقابة على المصارف إثر إنهيار "إنترا"، فأنقذ القطاع المصرفي وأموال المودعين، وهو الذي أنشأ مجلس الإنماء والإعمار والتفتيش المركزي وتقدم بقانون الإثراء غير المشروع. الرئيس الحص شارك الرئيس الحسيني في وضع أسس اتفاق الطائف، هو من اقترح اللامركزية الإدارية، إلغاء الطائفية بمراكز الدولة دون الفئة الأولى، إنشاء مجلس شيوخ، أول من وضع أسس قانون إنتخاب نسبي على أساس لبنان دائرة واحدة، ضبط الإنفاق الإنتخابي، وهذا غيض من فيض ولا مجال للإستفاضة في ذكر ما قدّم هنا، فكل ذلك حقائق موجودة وموثقة.

​العمل السياسي أو العمل الوطني كما يسميه الرئيس الحص لم يكن يوماً فنّ الممكن أو "مجاراة للواقع وتلطيفه"، وإن كان كذلك لدى من سبقه ومن تلاه. العمل الوطني فكر وأخلاق وقيم ومبادئ ومواقف مشرّفة وطنياً وعربياً ودولياً. الرئيس الحص دون سواه تجرأ على رفض ما لم يُرضِ ضميره الوطني بوجه أعتى القوى محليّاً وإقليمياً ودولياً وذلك موثق بالوقائع في مؤلفاته والتاريخ شاهد على ذلك. أمّا أن تكون العروبة والإنتماء إلى محيط عربي تجمعنا به لغة واحدة وتاريخ واحد وحضارة واحدة ومصير واحد سذاجة، فذلك أمر عجيب، والرئيس الحص هو صاحب مشروع اتحاد عربي قبل نشوء الاتحاد الأوروبي بسنوات الذي تمكن من خلق كيان موحد على الرغم من تعدد اللغات والأعراق والثقافات.

​إن تشويه تاريخ رجل مثل سليم الحص جريمة. والجريمة ليست بحقه شخصياً لأنه قد أدّى واجبه مرتاح الضمير متعفّفاً عن كل مطلب. ولكنها جريمة بحق الوطن والشعب المظلوم الرافض لكل من أوصلنا إلى الهوّة التي نحن فيها لأن تشويه صورة سليم الحص قتل لفسحة أمل ولبارقة مشعّة في تاريخينا المظلم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها