السبت 2020/10/03

آخر تحديث: 15:15 (بيروت)

أن "يعجبني" باسيل.. لمرة واحدة

السبت 2020/10/03
أن "يعجبني" باسيل.. لمرة واحدة
يُظهر انحيازاً لثقافة المفاوضة وإعلاء لمبدأ التفاوض (Getty)
increase حجم الخط decrease

رغم نفوري الدائم (أخلاقياً وسياسياً) من جبران باسيل وما يمثله سلوكاً وتفكيراً، فقد دفعني للاندهاش إعجاباً بما قاله، حين انبرى وهو مستلقٍ على سرير المستشفى، ليعلّق على إعلان الرئيس نبيه برّي عن التوصل إلى "اتفاق الإطار" للبدء بالتفاوض مع إسرائيل ترسيماً للحدود البحرية والبرّية.

قال باسيل حرفياً: "هذه المرة علينا أن نفاوض لا على الطريقة الفارسية، ولا على الطريقة العربية، بل على طريقتنا اللبنانية، صلابة ومرونة.. صلابة بالتمسّك بالحقوق ومرونة بالعلم والحلول. القضيّة فيها مزيج من السيادة والموارد ويجب أن نعرف أن نحافظ على الاثنين ونوفّق بين الاثنين".

قد يكون هذا التصريح واحداً من أفضل ما أتى به باسيل. ومن الصعب إنكار وجاهته السياسية. وإذا كان تاريخ هذا الرجل المراوغ يصعّب علينا الوثوق به وبما يتفوه به، إلا أن ذلك لا يمنع أخذ تصريحه المدروس بشيء من الوقار والتقدير، متغلّبين على نفورنا الثابت من صاحبه.

لا تخلو كلماته هنا من فطنة ونباهة، ومن كثافة في التعبير السياسي. فهو يُظهر انحيازاً لثقافة المفاوضة وإعلاء لمبدأ التفاوض والتسوية، ونبذاً واضحاً لـ"أبدية الصراع" أو لشعارات من نوع "صراع وجود لا صراع حدود". وهو ما يذكرنا بعبارته الشهيرة حين نفى بكل أريحية "الخلاف الأيديولوجي" مع إسرائيل.

ثمة بعض الجرأة هنا، حين بنبرة الاستنكار والتمايز طلب عدم التفاوض على الطريقة الفارسية (ولم يقل الإيرانية عمداً). ففي ذاكرتنا طوال أربعة عقود على الأقل، "فاوضت" إيران على الأغلب إما بشبكات الإرهاب والخطف والاغتيال وإما بواسطة دماء الشعوب الأخرى والحروب بالوكالة.

وبالطبع، فالتفاوض على الطريقة العربية ليس مثالاً يحتذى. بل هو درس يُعطى للديبلوماسيين بما يجب عدم الوقوع فيه. فإما "لا تفاوض" ومراكمة الهزيمة تلو الهزيمة، وإما الجلوس على طاولة المفاوضات استسلاماً وتسليماً.

ما طرحه باسيل عن الصلابة والمرونة، يعيد أي نزاع إلى واقعية المصلحة من دون إغفال مبدئية السيادة. التوازن العملي بين تقدير الفائدة ومقدار الخسارة، بين الممكن والمُحال، يخالف سياقاً فُرض تعسفاً على السياسة اللبنانية باسم "الممانعة" ومزايداتها البارعة بصنع النكبات والكوارث.

ومن هنا، يمكن التأكد أن باسيل (وتياره) يخطو بسرعة مدروسة للابتعاد أكثر عن حزب السلاح، في مسار قد يفضي إلى سحب ذاك الغطاء المسيحي العوني عن "المقاومة" ونهجها، طالما أن الاستثمار الباسيلي لفائض القوة عند حزب الله لم يعد مربحاً. بل وبعد انفجار بيروت تحول إلى خسارة صافية تهدد ما تبقى من "العونية- الباسيلية". وإذ نشجع ذلك، إلا أن "إبراءه مستحيل" بما اقترفه طوال 15 عاماً.

الثقة بباسيل مسألة عويصة. والتخوف الفعلي هو في المعنى الذي يقصده بـ"الطريقة اللبنانية" في التفاوض. فقد تكون طريقته هو والتي نعرفها. فالرجل الذي اكتسب خبرة مشينة في الصفقات وفي ترتيب توزيع المغانم والمحاصصة، وفي معاشرة نخبة الفساد ومشاركتهم في تكوين سلطة هي الأشنع سمعة في العالم، ليس مستبعداً أن يحوّل التفاوض إلى "سمسرة" شخصية لطموحاته.

على هذا النحو، يتبدد إعجابنا سريعاً بتصريحه الثاقب والصائب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها